الذكاء الوجداني في التعليم

2023-11-24

د. نعيمة حبيب الثويني الشمري

 

إن تنمية الذكاء الوجداني لا يقل أهمية عن تنمية الجانب المعرفي والمهاري، فقد تناولت الأدبيات مهارات الجوانب الوجدانية على أنها مهارات أساسية للنجاح المستقبلي للمتعلم، تساعده على تحقيق ذاته، وإدارة عواطفه، وتشكيل خصائصه، وتوجهه للتصرف السليم بطريقة أخلاقية ومسؤولة.

 

ويعد الجانب الوجداني القاعدة الأساسية في التربية، لأنه يمثل شخصية الطالب وميوله ودوافعه التي ينبغي العمل على إبرازها وصقلها وتنميتها، فلا يُختزل الطالب ويُحصر أداؤه في جانبه العقلي فقط، ولذلك نجد أن أهداف التعليم في المملكة العربيَّة السعوديَّة تعطي أهميَّة كبيرة للمتعلم، وذلك من خلال تحقيق النمو المتكامل للطالب في جميع النواحي الروحيَّة والجسميَّة والعقليَّة والوجدانيَّة والاجتماعيَّة إلى أقصى حدٍّ تمكنه من استعداداته وقدراته في جميع المراحل.

 

وتعد مهارات الذكاء الوجداني ذات أهمية بالغة في حياة الأفراد من خلال الدور التي تقوم به في نجاح هؤلاء الأفراد، وإمدادهم بالمهارات اللازمة لضبط انفعالاتهم، والتعامل بكفاءة مع المواقف الاجتماعية المختلفة، ومواجهة متطلبات البيئة وضغوطها.

 

وقد أكدت الدراسات أن الذكاء الوجداني له أهمية في النجاح بدرجة لا تقل أهمية عن الجانب الأكاديمي والذهني، كما يعتبر الذكاء الوجداني عاملاً مهماً في بناء العلاقات القوية بين الوالدين والأبناء، كما أن الأفراد الذين يتمتعون بذكاء وجداني عالٍ يتصفون بأنهم محبوبون، ومثابرون، ومتألقون، وقادرون على التواصل والقيادة، ومصرون على النجاح، وأكثر إحساساً بالرضا عن أنفسهم، وأكثر توافقاً، وأقل عرضة للوقوع في دائرة الاضطرابات النفسية.

 

كما أثبتت العديد من الدراسات أن بناء شخصية الطلاب وتنمية مهاراتهم الاجتماعية والوجدانية يحسن من مستواهم الأكاديمي، ويزيد من قدرتهم على التحصيل العلمي، وفي دراسة قام بها باحثون من جامعة “ولاية أريغون” أن برنامج”Positive Action” والذي يهدف لتنمية الشخصية والمهارات العاطفية والاجتماعية لطلاب المدارس الابتدائية كان له أثر في تحسين نتائج الاختبارات الأكاديمية بنسبة تصل إلى 10٪ في اختبارات الرياضيات والعلوم والقراءة الوطنية الموحدة، بالإضافة إلى تحسن بنسبة 21٪ في اختبار الولاية للقراءة، و70٪تحسن في السلوك، و15٪ تحسن في عدم الغياب عن المدرسة.

 

 

مفهوم الذكاء الوجداني

 

يعد الذكاء الوجداني من المفاهيم الحديثة نسبياً والذي حظي باهتمام كبير من الباحثين في المجالات التربوية والنفسية، وربما يرجع هذا الاهتمام إلى أهمية الذكاء الوجداني في توفير فرص متعددة للنجاح في حياة الأفراد، وفي عام 1990-1993م قدم “ماير وسالوفي” مفهوم الذكاء الوجداني باعتباره شكلا من أشكال الذكاء الاجتماعي، ويرجع الفضل في انتشار مفهوم الذكاء الوجداني إلى العالم دانيال جولمان Goleman)) والذي أصدر عام 1995م كتابه “الذكاء العاطفي” ، وأشار فيه إلى أن الذكاء العاطفي يتنبأ بـ 80٪ من نجاح الإنسان، بينما يتنبأ الذكاء المعرفي (نسبة الذكاء العام) بما نسبته 20٪، مستنداً بذلك على نتائج بحوث استمرت لسنوات طويلة.

 

كما ينبع مفهوم الذكاء الوجداني جزئياً من إسهامات “جاردنر” في نظريته عن الذكاءات المتعددة والتي وضع معالمها في كتابه “أطر العقل” عام 1983م، وقد أشار أن لكل إنسان سبعة ذكاءات يؤدي كل منها دوراً محدوداً، وهي الذكاء اللغوي، والمنطقي، والموسيقي، والمكاني، والجسمي، والحركي والشخصي والاجتماعي، ثم أضاف الذكاء الطبيعي (Gardner,2000).

 

حيث بنى “جولمان” فهمه للذكاء الوجداني وفقاً لنظرية الذكاءات المتعددة، لاعتماد الذكاء الوجداني على نوعين منها وهما الذكاء الشخصي والذكاء الاجتماعي.

 

وتعددت مسميات الذكاء الوجداني فتارة يُطلق عليه (الذكاء العاطفي) وتارة (الذكاء الانفعالي)، وهو عبارة عن مجموعة من السمات المزاجية والاجتماعية التي تؤثر على تنوع المحتوى الوجداني للأفراد من حيث دقة فهمهم ووعيهم لمشاعرهم، ويؤدي ذلك إلى مستوى أعلى للتعامل مع المشكلات التي تواجه حياة الأفراد.

 

 

أ.ش