جواهر عَلَويَّةٌ..

الشكَّ يُفقد الراحة النفسية والفكرية للانسان

الشكَّ يُفقد الراحة النفسية، والفكرية للانسان، ويجلب إليه الهَمَّ والغَمَّ، ويوقعه في العَمى، ويصيِّره نَهْباً لكل الفِتَنِ ما ظهر منها وما بَطَن.

2022-12-20

الْشَّكُ ارْتِيابٌ واضطراب في النفس، وابتعاد الطمأنينة عنها، وذلك أخوف ما يخافه المَرء على نفسه، إذ الطمأنينة نعمة، بل من أجَلِّ النعم، يقابلها القلق والاضطراب وفساد البال، وهو من أسوأ الأحوال التي إن عصفت بالإنسان أحالت حياته إلى جحيم لا يهدأ ثورانه، وقلق يجلب إليه المخاوف، وقد يأخذه بعيداً في طريق الضلال والضياع، وقد يقطع علاقاته مع الناس، بل حتى مع أقرب المقربين إليه، فيعتزلهم جميعاً، إذ يخافهم جميعاً.

الشكَّ يُفقد الراحة النفسية، والفكرية للانسان، ويجلب إليه الهَمَّ والغَمَّ، ويوقعه في العَمى، ويصيِّره نَهْباً لكل الفِتَنِ ما ظهر منها وما بَطَن، وهذا ما نَبَّه إليه الإمام زين العابدين (ع) في مناجاة المطيعين إذ يناجي الله قائلاً: “وَاقْشَعْ عَنْ بَصائِرنا سَحابَ الارْتِيابِ، وَاكْشِفْ عَنْ قُلُوبِنا أَغْشِيَةَ الْمِرْيَةِ وَالْحِجابِ، وَأَزْهِقِ الْباطِلَ عَنْ ضَمائِرِنا، وَأَثْبِتِ الْحَقَّ فِي سَرائِرِنا، فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الْفِتَنِ، وَمُكَدِّرَةٌ لِصَفْوِ الْمَنائِحِ وَالْمِنَنِ”.

لذلك لا يريح الإنسان شيء مثلما يريحه اليقين، فبه يستقر ويطمئن، ولمّا كان الإنسان ميالاً بطبعه البشري إلى أن يكون اجتماعياً متواصلاً مع أبناء جنسه، يعينهم ويعينونه، ويخدمهم ويخدمونه، اقتضى ذلك أن تقوم العلاقة بينه وبينهم على الانسجام والوئام، والأنس والمحبة، والصدق والثقة، ولا يكون ذلك إلا على قاعدة اليقين، فإذا كان الشك هو الحاكم على تلك العلاقة فسدت واستحالَت تَوَتُّراً وريبة وخوفاً دائماً، لذلك نهى الله تعالى عن سوء الظن، وأمر باجتنابه بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ”﴿12/ الحجرات﴾ فالآية الكريمة تعلم المؤمنين أن ينَظِّفوا مشاعرهم وضمائرهم، فتأمرهم باجتناب كثير من الظن، فلا يتركوا أنفسهم تنتهبها الشُكوك والظنون والهواجس، ولما كان معظم الظنِّ سيء فليجتنبوا الظنَّ كله، لأنهم لا يدرون أي ظَنٍّ يكون سيئاً آثماً، وبهذا تبقى قلوبهم بريئة من الهواجس والشكوك، بيضاء صافية نقية تُكِنُّ الوِدَّ لغيرها، وتتعامل معهم بثقة وطمأنينة لا يعكرهما قلق وتوجُّسٌ وشكٌ.

وتنهى الآية الكريمة عن التجسس، وهو الآخر فعل ينطلق من الريبة والشك، ويُوجِدُ الريبة والشَّك والقلق بين الناس، والغيبة كذلك، فإنها تعدم اليقين فيهم، وتحيل حياتهم إلى رَيبٍ يتنقل بينهم، فلا يطمئن أحد إلى أحد، إذ كل فرد منهم يتوقع أن تنشب في بدنه مخالب الفَرد الآخر لتمزقه شَرَ مُمَزَّق، فعندَما تكونُ الأمورُ مُلقّحةً بالشكِّ، ويكونُ الشَّكُّ غطاءً لها، تُحجبُ كلُّ حسنةٍ ويظهرُ كلُّ قبيحٍ ويُفضحُ كلُّ مستور، فأي حياة اجتماعية ستكون تلك الحياة؟!

كذلك العلاقة بالله تعالى يجب أن تقوم على اليَقين، إذ لا تستقيم العلاقة معه بغير اليقين، أما ذاك الذي يشك في وجود الله، أو في حكمته وعلمه ورحمته، أو في فعل من أفعاله أو صفة من صفاته فلن يستقر على حالٍ، بل يبقى مدى عمره قلقاً مضطرباً، لذلك نًبَّه القرآن الكريم في عشرات من آياته الكريمة إلى ضرورة أن يسعى الإنسان إلى تحصيل ذلك اليقين من خلال التفكُّر في آيات الله التي بثَّها في الآفاق وفي الأنفس، ومن خلال التدبُّر فيما يدعوه إليه في كتابه الكريم من عقائد وأحكام وقِيَمٍ أخلاقية.

وهكذا الحال في كل شأن من شؤونك الحياتية فعليك ألا تنطلق إلا من اليقين، فلا موقف تأخذه إلا وأنت موقن من صحته، ولا خطوة تخطوها إلا إذا تيقنت من كونها صائبة، ولا لقمة تأكلها إن لم تتيقن من حِلِّيتها، فإن كنت شاكاً فيها فالأولى ألا تفعل ولا تخطوا ولا تأكل كي لا توشك أن تدخل بها منطقة الحَظر والخطر، وقد روى الإمام الحسَنُ المجتبى (ع) قال: “سَمِعتُ جَدّي رسولَ اللهِ (ص) يَقولُ: “دَعْ ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ، فَإِنَّ الشَّكَّ رِيبَةٌ، وإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِيْنَةٌ”. والصدق في الحديث بمعنى العلم واليقين.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي