تظاهر عشرات الآلاف في تل أبيب مساء السبت، مطالبين الحكومة الإسرائيلية بإبرام صفقة مع حماس لإعادة أبنائهم المحتجزين في قطاع غزة، وفي كلمة ألقتها متحدثة باسم عائلات الأسرى خلال المظاهرة، قالت: “نسمع أصوات الحرب التي لا لزوم لها ونرى مضيعة للوقت”، وفي سياق متصل، طالب متحدث آخر حكومة بنيامين نتنياهو بإعادة أبنائهم أحياء، على غرار ما فعلته حكومات أخرى، وقد رفع والد أحد الأسرى ساعة رملية خلال المظاهرة، رمزًا لتحذير الحكومة من نفاد الوقت وضرورة التحرك الفوري في هذا السياق، بناءً على تقرير موقع (YNET) الإخباري العبري، أفادت مصادر أمنية وعسكرية مطلعة في تل أبيب بأن مسألة المفقودين والرهائن الإسرائيليين قد تطول لعدة أسابيع وحتى أشهر كاملة، وأشارت هذه المصادر إلى أن التحديات التي تواجهها “إسرائيل” في هذا السياق أصعب بكثير من تلك التي واجهتها خلال حرب عام 1973.
الإسرائيليون تائهون في قضية الأسرى
حسب الموقع العبري، نقلًا عن المصادر نفسها، بأن هذا التقدير يستند إلى عدم احتمالية التوصل إلى اتفاق سلام أو مساعدة في البحث عن المفقودين بعد انتهاء الحرب، وخاصة مع حركة (حماس)، وأشارت المصادر إلى أن هذا يشكل فارقًا كبيرًا عن الوضع مع مصر، حيث استمرت مصر في تقديم المساعدة ل”إسرائيل” في البحث عن المفقودين لمدة أربع سنوات بعد انتهاء الحرب، وفي السياق نفسه، نشر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة جديدة للأستاذين في علوم الأمن، كوبي ميخائيل وغابي سيبوني، حيث أكدوا أنه يتعين على دولة الاحتلال إعادة ترتيب سلم الأولويات، ومع ذلك، أشاروا إلى أن هذا لا يعني بالضرورة أن “إسرائيل” ستتخلى عن جميع رهائنها المحتجزين لدى حماس.
وفسّر الأستاذان أن إعادة ترتيب الأجندة الإسرائيلية تعني أن الحفاظ على الحياة يُعتبر قيمة عليا، وأن تحرير الأسرى يشكل هدفًا أساسيًا ولكن ليس بشكل مطلق، كما أكدوا أن ذلك لا يعني أن تحرير الأسرى هو الهدف الرئيسي والوحيد، وأضاف الأستاذان: “قيمة الحياة يمكن أن نحتفظ بها ونحترمها فقط من خلال تأمين الأمن الوطني والجماعي، وهذا الأمر، في هذا الوقت بالذات، يمكن تحقيقه فقط من خلال القضاء كليًا على حركة حماس”، وشدد الباحثان على أن التركيز المركز في هذا الاتجاه يزيد بشكل كبير ومهم احتمالية إطلاق سراح رهائن آخرين خلال الحرب، وأشاروا إلى إمكانية استغلال واستثمار الحكومة الإسرائيلية للظروف المواتية في حال حدوثها، بهدف تأمين إطلاق سراح الرهائن.
وخلص الباحثان إلى أن “إنهاء الحرب الحالية دون هزيمة حماس والقضاء عليها ككيان عسكري وسيادي من شأنه أن يبقي الرهائن في الأسر سنوات طويلة”، وشددا على أن “الشعور بالانتصار لدى حماس سيقود الحركة إلى رفع ثمن تحرير الرهائن الإسرائيليين ويضع “إسرائيل” في موقف صعب، بالإضافة إلى المسّ السافر بقوة ردع الاحتلال في الجبهات الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك، سيؤدي الأمر إلى تعظيم التراجيديا التي يعاني منها الأسرى وأبناء عائلاتهم”، حسب تعبيرهما، وفي سياق آخر، وفي تصريح وصفه الإعلام العبري بالدراماتيكي، أقر المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال دانييل هاغاري، بفشل عملية تحرير رهائن في غزة، دون تقديم مزيد من التفاصيل حول العملية، مكتفيًا بالقول: إنها “فشلت ولم يتم إنقاذ أي رهائن”.
ووفقًا للإعلام العبري الذي يعمل وفقًا لأوامر الرقابة العسكرية الصارمة، نفذت قوات إسرائيلية، محاولة فاشلة لتحرير رهائن في قطاع غزة، أسفرت هذه المحاولة عن إصابة جنديين بجروح خطيرة ومقتل الخاطفين، أعلنت حماس بدورها عن مقتل رهينة خلال العملية، وأفاد الإعلام العسكري التابع لحماس بأن الرهينة يُدعى باروخ ساعر، ولكن الإعلام الإسرائيلي من جهته لم يكشف عن اسم القتيل سوى مساء السبت، حيث أعلن أن باروخ ساعر، هو شاب يبلغ من العمر 25 عامًا من مستوطنة (نتيف هعشراه) في الجنوب، وكل ما تقدم يثبت أنّ الإسرائيليين تائهون في هذه القضية.
مسرحية هزليّة
مؤخرا، صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، هاغاري: “داهمت القوات الإسرائيلية موقعًا لحماس، وقتلت إرهابيين شاركوا في اختطاف واحتجاز الرهائن”، وأفاد هاغاري بأن “الجيش يعمل باستمرار مع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك) لتحديد مكان احتجاز الرهائن ومن يقوم به والتخطيط لمهام الإنقاذ”، ولم يقدم المسؤول العسكري مزيدًا من التفاصيل حول الغارة، مكتفيًا بالقول: إنها “فشلت في النهاية ولم يتم إنقاذ أي رهائن”، وفقًا لأقواله، وكشفت مستشفى (سوروكا) في بئر السبع أن الجنديين المصابين في حالة خطيرة، ويتلقيان العلاج في وحدة العناية المركزة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد التقى مع عائلات الرهائن العائدين في مواجهة وصفت بأنها كانت صاخبة ومليئة بالغضب، حيث غادر العديد من الأقارب الذين حضروا الاجتماع ولديهم انتقادات شديدة للحكومة، وأفاد داني ميران، الذي احتجز مسلحون من حماس ابنه عمري كرهينة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) مع نحو 240 إسرائيليًا وأجنبيًا آخرين، بأنه شعر بأن ذكائه قد أُهان خلال الاجتماع وقرر الانسحاب في منتصفه، وأعرب المشارك الذي انسحب من الاجتماع عن استيائه قائلاً للقناة الـ13 الإسرائيلية: “لن أخوض في تفاصيل ما جرى مناقشته في الاجتماع، لكن هذا الأداء برمته كان قبيحًا ومهينًا وفوضويًا”، وأضاف إن الحكومة قامت بـ”مسرحية هزلية” حول هذه القضية.
وأكمل قائلاً: “يقولون لقد فعلنا هذا، وقمنا بذلك، السنوار هو من أعاد أهلنا، وليس هم، يغضبني قولهم إنّهم أملوا الأمور، لم يملوا أيّ خطوة”، وأصدرت مجموعة تمثل عائلات الرهائن سلسلة من الاقتباسات التي لم تحدد من قائلها وأشارت إلى أنها مأخوذة من تصريحات أدلى بها بعض الرهائن السابقين في الاجتماع، وقالت جينيفر ماستر، التي يحتجز شريكها أندريه رهينة: “كان الاجتماع مضطربًا للغاية، وكان الكثير من الناس يصرخون”، كما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم الأحد أن زعيم حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، قال للمفاوضين المصريين، خلال المحادثات المتعلقة بتبادل الأسرى، أن الحرب لن تنتهي بسرعة.
وهذه المعلومة جاءت في سياق تقرير مفصل عن يحيى السنوار، الذي درس “النفسية الإسرائيلية ويراهن بحياته على ما تعلمه عن إسرائيل” في هذه الحرب، وأوقف السنوار، وفقًا للصحيفة، الاتصالات المتعلقة بتبادل الأسرى مع “إسرائيل” مرات عدة للضغط على تل أبيب وتحقيق هدنة تستخدمها حماس لإعادة تجميع صفوفها، وذلك وفقًا لوسطاء مصريين، وعندما تم إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، جرى ذلك على دفعات على مدار عدة أيام وليس دفعة واحدة، ما خلق أجواء من القلق في المجتمع الإسرائيلي، وقد أبلغ السنوار الوسطاء المصريين أن الحرب لن تنتهي قريباً، وانتهت جولات المواجهة السابقة في قطاع غزة، وقال إن القتال قد يستمر لأسابيع، مشيرًا إلى رغبته في الضغط على “إسرائيل”، وخاصة بشأن المحتجزين الإسرائيليين الذين لا يزالون في حوزة الحركة، وفقًا لما ذكرته “سكاي نيوز عربية”.
بعد نهاية الهدنة الإنسانية واستئناف القتال، أكدت حماس موقفها وأعلنت أنها لن تطلق سراح المزيد من المحتجزين لديها إلا بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وأشارت إلى أن هؤلاء المحتجزين هم عسكريون، بينما تصر “إسرائيل” على أن بعضهم يعتبرون مدنيين، وتتفق “إسرائيل” مع السنوار في رؤيتها أن القتال لن ينتهي قريبًا، وأفادت تقديرات إسرائيلية نقلتها هيئة البث العامة “كان” بأن القتال في قطاع غزة قد يستمر لمدة شهرين إضافيين، ومن المتوقع ألا يكون هناك وقف لإطلاق النار بعد ذلك، بل ستستمر “عمليات التموضع”، وستظل القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، يتعارض هذا الأمر مع المهلة التي قدمها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتل أبيب لإنهاء الحرب بحلول يناير المقبل، وفقًا لتقارير إعلامية، ورغم ذلك، نفى مسؤول في البيت الأبيض تحديد موعد محدد للانسحاب الإسرائيلي.
أ.ش