الإجتماع عند كبار السن مراسم ضاربة في اعماق التاريخ

“يلدا” في ايران والعالم.. طقوس وعادات تراثية

يحتفل الإيرانيون منذ آلاف السنين بليلة يلدا، آخر ليلة في الخريف، وهي أطول ليلة في العام وأحلكها ظلاماً.

2022-12-23

يوم الأربعاء الماضي الموافق 21 ديسمبر/كانون الأول، صادف ليلة يلدا التراثية في ايران، وسُجلت ليلة يلدا على أنها التراث غير المادي التاسع عشر لإيران إلى جانب أفغانستان في قائمة التراث العالمي غير المادي لمنظمة (اليونسكو).

يحتفل الإيرانيون منذ آلاف السنين بليلة يلدا، آخر ليلة في الخريف، وهي أطول ليلة في العام وأحلكها ظلاماً.

بعض الطقوس والعادات في ثقافة وعادات كل أمة لها جذور تاريخية وثقافية، وهي تعرض جوانب من المعتقدات القيمة والقديمة في ثقافة الأمم، والتي قد تجاوزت معتقداتهم الدينية والتقليدية وتظهر الهوية الثقافية والتاريخية لذلك المجتمع، وتعود هذه الطقوس القديمة التي تقام في أطول ليلة في العام إلى سبعة آلاف عام.

من جهته قال نائب وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية “علي دارابي”: يلدا هو في الأساس احتفال ليلي موجه نحو الأسرة وهذا مهم لنا، لأن الإيرانيين ملتزمون بتكريم الآباء والشيوخ وكذلك الحفاظ على التراث الثقافي.

سوق قائم في تجريش

يعد حفل ليلة يلدا أحد أكثر التعاليم التقليدية أصالة وقيمة في المعتقدات التقليدية للإيرانيين القدماء، والذي يحمل عرضاً دقيقاً ودائماً لثراء الثقافة والعادات الإيرانية.

منذ ما يقرب من عدة آلاف من السنين، في آخر ليلة من فصل الخريف، احتفل الإيرانيون بليلة يلدا، وهي أحلك وأطول ليلة في العام، وتم اجراء العديد من الطقوس والعادات معاً في هذه الليلة التي لا تنسى، وهي ليلة جميلة يتم الاحتفاء بها في مختلف المدن الإيرانية و كل مدينة من هذه المدن لها تقاليدها الجميلة الخاصة بها ولا نريد هنا التحدث عن كل واحدة منها بصورة منفردة، لأنها معروفة وتم الحديث عنها في كثير من المقالات.

ولكل من الطقوس والاحتفالات الإيرانية جذور حكيمة وغامضة تجعل الإيرانيين يحققون كل الخير الذي ولد من تلك الطقوس خلال الاحتفال. إحدى هذه الاحتفالات هي ليلة يلدا، التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين قبل الميلاد.

من بين الطقوس الشائعة والمشهورة في ليلة يلدا، يمكن أن نذكر رواية القصص من قبل الشيوخ وكبار العمر في كل عائلة وتناول الوجبات الخفيفة وقراءة أشعار حافظ الشيرازي، وتعد قراءة الشاهنامة جزء لا ينفك من برامج ليلة يلدا، والتي لاقت رواجاً منذ فترة طويلة.

ليلة يلدا برؤية الثقافة الإيرانية لهذا الحدث الطبيعي تعتبر من أهم الاحتفالات الإيرانية بعد عيد النوروز، وهي نتيجة استمرار وانعكاس الهوية الثقافية الإيرانية القديمة.

اقتباس آخر عن ليلة يلدا هو أن المسيح (ع) ولد في يوم الانقلاب الشتوي، ونرى أنه يتم الاحتفال بعيد الميلاد و ليلة يلدا بفاصلة أيام معدودة، ويحتفل المسيحيون الإيرانيون بعيد الميلاد بالإضافة إلى الاحتفال بليلة يلدا.

ونظرا لأهمية ومكانة هذه الطقوس لدى الإيرانيين سجلت منظمة التراث الثقافي احتفال ليلة يلدا كأحد الطقوس القديمة لإيران في تقويم هذه الحدود والمنطقة عام 2008 م.

يلدا في طهران

ويعد تكريم هذه الطقوس فرصة كبيرة للحفاظ على الثقافة الأم ووحدة وتعايش جميع الأعراق في أرض إيران العظيمة.

لا تزال طقوس يلدا تُروى في كل منطقة من مناطق إيران اعتماداً على ثقافة تلك المنطقة أو المحافظة مع القصص المتعلقة بها، على سبيل المثال، قصة حسين كرد شبستري وهي قصة شائعة في محافظة آذربايجان وقصص الشاهنامة كذلك شائعة في محافظة خراسان.

كما انعكست ليلة يلدا على نطاق واسع في مجال الأدب والفن الإيراني، وقد ذكر الفنانون مختلف العادات والجوانب في هذه الطقوس الإيرانية في مناسبات مختلفة.

مهرجان يلدا العالمي

يقام حالياً معرض ومهرجان “يلدا الإيراني والدولي” في طهران ليستضيف المواطنين والسياح ومحبي الطقوس والثقافة الإيرانية الغنية.

وسيقام مهرجان “يلدا العالمي” الأول للأفلام والتصوير، للإيرانيين حول العالم برعاية الوكيل الثقافي للمديرية العامة للعلاقات العامة والإعلام بوزارة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية، وذلك بمناسبة السنة الأولى من تسجيل ليلة يلدا كتراث ثقافي غير مادي للايرانيين في اليونسكو.

وسيقام هذا المهرجان في إيران وخارجها في نفس الوقت، وتشارك أكثر من 80 مستشارية ثقافية ايرانية من جميع أنحاء العالم لإقامة هذا المهرجان خارج إيران.

ليلة يلدا في البلدان الأخرى

تحتفل الحضارات المختلفة بآخر ليلة من فصل الخريف بعيد ميلاد الشمس وتتشابه طقوس العديد من هذه الاحتفالات مع احتفال ليلة يلدا الإيرانية، وحتى في بعض الحالات، يمكن إثبات تأثير الثقافة الإيرانية القديمة كأصل في هذه الطقوس.

منذ حوالي 4000 عام، في مصر القديمة، أقيم الاحتفال بـ “ولادة الشمس من جديد”، بالتزامن مع ليلة يلدا، وفي هذا الوقت من العام، اعتاد المصريون الاحتفال بانتصار النور على الظلام لمدة 12 يوماً كعلامة على 12 شهراً من السنة الشمسية.

أيضا يحتفلون بـ ” 12 سعفة” لتزيين المكان، واحتفلت الحضارات المختلفة بآخر ليلة من الخريف كعيد ميلاد للشمس.

ويتم احياء ليلة يلدا في بلدان أخرى ولها مكانة خاصة، منها إقامة طقوس ليلة يلدا في طاجيكستان، باكستان، أفغانستان وحتى في دول مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية واسكتلندا وروسيا وبوليفيا وبيرو والإكوادور وأفريقيا بأسماء وطقوس مماثلة، وهذا بحد ذاته يخبرنا عن العصور القديمة التاريخية لهذه الطقوس والعادات والتقاليد الإيرانية في العالم.

العادات والأعياد المشتركة بين ايران والعراق

على أعتاب ليلة يلدا إغتنمت “الوفاق” الفرصة وأجرت حواراً مع أستاذ اللغة الفارسية في جامعة بغداد الدكتور ايفان كريم الفيلي، وسألناه حول ليلة يلدا في البلدان العربية وخاصة العراق.

وعندما سألناه: هل تقام مراسم ليلة يلدا في البلدان العربية وخاصة في العراق، قال الدكتور الفيلي: تقام بشكل مقتصر جداً على القومية الكوردية لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الايرانية وتوجد مشتركات كبيرة بينهما.

الدكتور ايفان كريم الفيلي

وحول العادات والتقاليد المشتركة قال: من التقاليد المشتركة والاعياد هي المناسبات الدينية ومنها عيدي الفطر والأضحى وبداية السنة الهجرية والمولد النبوي الشريف وغيرها.

وأضاف: هنالك بعض العادات والتقاليد المشتركة ومنها أعياد نوروز يتم الاحتفال بها في العراق، وكذلك يتم الاحتفال باخر  يوم الاربعاء قبل عيد نوروز في بغداد ويسمونه (جمبر سوري) وهو تعریب لکلمة (جهارشنبه سوري). اضافه الی الاعیاد الاخری التي تم ذکرها.

وفيما يتعلق باستقبال العراقيين لبدء فصل الشتاء، هكذا رد علينا بالجواب: يستقبل العراقيون بشكل طبيعي من خلال تهيئة الملابس الشتوية والاحتياجات الخاصة لمواجهة هذا الفصل البارد.

أما حول الثقافة المشتركة بين ايران والدول العربية قال الدكتور “الفيلي”: المشتركات كبيرة ويمكن العمل عليها وتعزيزها من خلال تبادل الثقافات وإقامة الفعاليات والنشاطات الثقافية ويمكنها أن تلعب دورا كبيرة في ترسيخ العلاقات.

وأخيراً حول مدى اقبال الطلاب العراقيين لتعليم اللغة الفارسية والتعرف على الثقافة الايراينة، قال: إقبال الطلبة لتعلم اللغة الفارسية جيد جدا لعدة أسباب منها الذهاب للدراسة في ايران وكذلك التعرف على الثقافة الايرانية والتاريخية لذلك تعتبر اللغة حلقة الوصل للتفاهم وإيصال الأفكار و التبادل الثقافي.

ليلة يلدا في طاجيكستان

يلدا الإيرانية، بتاريخها الممتد 7000 عام، يتم الاحتفال بها أيضاً في دول آسيا الوسطى مثل طاجيكستان. في هذا البلد وخاصة في طاجيكستان الناطقة بالفارسية، يحتفلون بليلة يلدا من خلال التجمع حول طاولة يلدا ووضع الرمان والبطيخ الأحمر والمكسرات والوجبات الخفيفة في المائدة.

من الطقوس الأخرى لهذه الليلة طبخ الخبز اللذيذ ، و يقوم بعض كبار السن في القرى بملء جدران النوافذ بالجلد، ويعلقونها لتتدلى من السطح ويقومون برَش القمح في ساحة البيت، وفي هذه الليلة، يأخذون بالتنبؤ بأحداث العام المقبل.

وأما في باكستان يقضي الباكستانيون ليلة يلدا مع الصلاة والدعاء لفترة طويلة، وفي هذه الليلة يذهب الرجال إلى الحمام الشتوي وبعد الاستحمام يبدأ الاحتفال ويستمر هذا الاحتفال المصحوب بالألعاب النارية بعشاء لذيذ، ويضع الناس طاولة خاصة بيلدا ويملأونها بالفواكه والمكسرات اللذيذة.

الثمرتان الرئيسيتان على المائدة هما الرمان والبطيخ الأحمر، ويعتبر احمرارهما رمزا لإحمرار الشمس، ويقضي الناس هذه الليلة بالتأكيد مع شيوخ العائلة ويقضون أوقاتاً سعيدة.

ليلة يلدا في شرق آسيا

ليلة يلدا في شرق آسيا تعني خبز الأرز اللذيذ! ويعير سكان شرق آسيا أهمية كبيرة لليلة يلدا ويقضونها بمهرجانات خاصة

نظراً لأن الأسرة مهمة جداً في شرق آسيا، يجب أن يجتمع أفراد العائلة معاً في هذه الليلة، ويعمل الصينيون احتفالاً خاصاً لقضاء ليلة يلدا ، يجتمعون معاً ويشربون شاياً خاصاً مع خبز الأرز.

في كوريا الجنوبية، يتم تناول نفس خبز الأرز، لكن خبز الأرز هناك مصنوع من الفاصوليا الحمراء، وبالطبع، لدى الكوريين عادة أخرى مثيرة للاهتمام، وهي سكب الماء حول المنزل لدرء وإبعاد قوى الشر.

لدى الصينيين أسطورة تقول إن روح الصياد تذهب في هذه الليلة إلى منزل القرويين للعثور على طعام لفصل الشتاء البارد.

ويطلق اليابانيون على ليلة يلدا اسم “توجي” ويقضونها مع تقاليد خاصة، وبداية يذهبون الى الحمام

ويستفيدون من نكهة النارنج ليكونون برائحة طيبة في هذه الليلة، ويعتقدون أنه من خلال القيام بذلك ستزول عنهم الطاقات السلبية ولن يصابوا بالبرد حتى نهاية الشتاء، ويتناولون الفواكه والخضروات .

ليلة يلدا في اسكتلندا

في اسكتلندا، تقام مراسم ليلة يلدا، على غرار احتفال الإيرانيين في أخير يوم الأربعاء في السنة التي تُسمى “جهارشنبه سوري”! وبمجرد حلول ليلة يلدا، يذهب الشخص الذي يجب أن يكون شعره أسود وطويل إلى الباب الأمامي لمنزل الجيران للحصول على طعام لذيذ.

وأما في بوليفيا والبيرو والإكوادور، في ليلة يلدا لديهم عادة مشتركة، وهي لف حبل حول الشمس! ومن أجل وضع أيديهم على الشمس، يذهبون إلى أعلى الجبال لإلتقاط الشمس في احتفال رمزي ورؤيتها على الصخور! وبفعلهم هذا يجعلون الأيام أطول! تعد مرتفعات ماتشو بيتشو واحدة من الأماكن القديمة والشهيرة في بيرو المستخدمة في لف الشمس.

ليلة يلدا في افريقيا

من بين الاحتفالات المختلفة التي حددناها لكم في هذه القائمة، ربما يكون أكثرها إثارة هو المهرجان الذي يقام في المناطق الغربية من إفريقيا. هذا المهرجان له زي خاص ولكنه غريب يشبه الحيوانات أو العناصر مثل الشياطين والملائكة.

يذهب الناس إلى الشوارع مرتدين هذه الملابس المضحكة ويستعدون لموسم الشتاء من خلال عزف الموسيقى.

ليلة يلدا في روسيا

يحتفل بعض الروس بليلة يلدا بالصلاة وتناول الخبز والجبن والعسل. إنهم يضيئون الشوارع في أطول ليلة في العام ويصنعون ملفات تعريف الارتباط محلية الصنع لبعضهم البعض.

 

المصدر: الوفاق/خاص

الاخبار ذات الصلة