إن الاسلام يحترم العقل ويرفعه الى أسمى المراتب، ويدعو الى إدامة التفكر في خلق الله، وفي الآفاق والأنفس، ويعتبر التفكر عبادة، بل يقدم عبادة التفكر في القيمة والثواب على كل العبادات الأخرى.
ورُوِيَ عن الإمام علِيٍ (ع) أنه قال: “ضَيَاعُ العُقُولِ فِي طَلَبِ الفُضُولِ”.
الفُضُول جمع فضل، والفضل في اللغة: المِزْيَة والزيادة من كل شيء، والبقية من الشيء لا يحتاج لها.
والفُضول غلب استعماله على ما لا خير فيه حتى صار بالغَلَبة كالعلم لهذا المعنى، والفُضولي: هو مَن يشتغل بما لا يعنيه، نسبة له إلى الزيادة عن الحاجة أو البقية من الشيء.
ومِمّا لا شكَّ ان تفكير المرء يتأثر بما يتعامل معه من أفكار، وما يطلبه من معارف وعلوم، وما يهتم به من أمور، والعقل قد ينمو وقد يضعف، ونموه ناتج ما يهتم به من علوم وضَعفه كذلك. فكلما اقبل المرء على طلب العلوم النافعة واطلع على تجارب ناجحة واهتم بالمعارف الضرورية له كان ذلك سببا لزيادة عقله وقوة تفكيره واتقاد ذهنه.
يقابله شخص يشغل عقله بالمهاترات والترهات وما لا يفيد علمه ولا يضر جهله، وما لا يعنيه من قريب أو بعيد، وما لا يزيد في دينه ودنياه، يقضي أوقاته في المزاح واللعب واللهو واللغو فمن المؤكد ان يضمر عقله مع الأيام وتضعف قدرته على التفكير.
العقل آلة تنمو على الاستعمال، كلما أعمل المَرء عقله بقضايا تتطلب التفكير والتحليل والتركيز كلما اتَّقدَ وشَعَّ وازداد قوة، وهناك اليوم الكثير من التطبيقات والبرامج التي تهدف إلى تنمية العقل وزيادة نسبة الذكاء لدى الإنسان وكلها تقوم على مبدأ إشغال العقل بقضايا مهمة تتطلب التفكير والتحليل.
إن من صفات المؤمن انه يستثمر عقله وذهنه في الأهم من الأمور ثم المهم، ويشغل نفسه بمعاليها ويبتعد عن السَّفاسف ومحقرات الأمور، ويترك ما لا جدوى منه ولا نفع فيه، او يمكن الاستغناء عنه، ويدرك أن عمره قصير مع جهله بمنتهى أجله فلا يضيعه في الفضول، والعمر أغلى وأعَزّ ما يملكه، وما يذهب منه لا يرجع أبداً.
كما يدرك أن العقل من أعظم وأغلى مواهب الله له، فلا يهدر هذه الهبة على ما لا يعنيه وما لا يفيده، فيضيع تلك الهبة العظيمة، ويفوت عليه النفع والخير الذي يأمله، كما جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) حيث قال: “مَنِ اشتَغَلَ بِالفُضولِ ، فاتَهُ مِن مُهِمِّهِ المَأمُولُ”.
ولذلك تراه دائم التفكير فيما يجب أن يفكر فيه وفيما يحتاج إليه من أمور الحياة.
إن الاسلام يحترم العقل ويرفعه الى أسمى المراتب، ويدعو الى إدامة التفكر في خلق الله، وفي الآفاق والأنفس، ويعتبر التفكر عبادة، بل يقدم عبادة التفكر في القيمة والثواب على كل العبادات الأخرى، وقد جاء في الحديث: “تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سًنَةّ” فحري بنا قارئي الكريم أن نحفظ عقولنا بصيانتها عن الفضول أياً يكن.
السيد بلال وهبي
أ.ش