بعد معاناة أهل غزة المظلومين والصامدين صمود الجبال الشامخات، وبعد ماجرى ويجري الآن من عدوان همجي واعتداءات ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل خاص وفي ربوع فلسطين الجريحة بشكل عام، لم يعد القرآن يتلى ويرتل ويجود بل أصبح معيارا يمكن الرجوع إليه حتى في التحليل السياسي ولتعريف إصطفافات دولية جديدة بدأ نجمها بالسطوع والتوهج، ومن خلال قوله تعالى في افتتاح سورة الممتحنه” يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق “، حيث تشعرنا تلك الآيات القرآنيات وكأنها نزلت للتو بعدما تتداول السواد الأعظم من منصات ومواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر من خلاله إظهار المحبة والمودة وتبادل القبلات بين بعض المسلمين وحاخامات يهود في دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك في المملكة المغربية من خلال ليس فقط التطبيع والإنبطاح لهذا المغتصب والمعتدي على المقدسات الدينية الإسلامية وعلى حرمة المسجد الأقصى المبارك الذي باركه الله وما حوله في القرآن الكريم ، بل شملت تلك الإتفاقيات كافة الجوانب بين حكومة المملكة المغربية وحكومة هذا الكيان المحتل على الرغم أن حكومتي كلا البلدين تتباهى وتتشدق بإسلامهما، وكذلك حكومة مملكة عربية أخرى لم تكتفي بالتطبيع فقط بل جعلت أراضيها مزارع خصبة للقواعد العسكرية لقوى الشر والهيمنة والعدوان والإستكبار الخاصة بدولة الشيطان الأكبر، على الرغم أن جلالتي مليكيها ينسبون أنفسهم للعائلة المحمدية وهم من رفع القبعات وصافح من تلطخت أيادهم بدم الشعب الفلسطيني من نساء وأطفال، ناهيك عن ضرب القواسم المشتركة وحق الجوار والإيخاء عرض الحائط بين المملكة المغربية وجارتها دولة ملايين الشهداء العظماء بلد الزعيم العربي الكبير هواري بومدين صاحب المقولة الشهيرة “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ” حيث جلبت حكومة المخزن الحاكم في الرباط العدو وجواسيسه وأزلامه ليس فقط ليصبح الآمر الناهي فوق التراب المغربي الشقيق بل لمضايقة الجزائر من كافة النواحي، حيث لم تكتفي حكومة مايسمى أمير المؤمنين بإغراق بلدان الجوار بمئات الألاف من الأطنان من السموم البيضاء والمهلوسات والمؤثرات العقلية المدمرة والقاتلة بل جلبت العدو اللدود إلى الحدود، فأين الإدعاء بالإسلام من قبل أمير مؤمنيها؟
ولم يعد يخفى على أحد أن الداعم للقضية الفلسطينية وللأشقاء الفلسطينيين وللمسجد الأقصى المبارك وللمقدسات الإسلامية في فلسطين الجريحة هي الجزائر وجمهورية إيران الإسلامية؛
الجزائر التي بقيت تصون مقولة زعيمها الراحل وبقيت محافظة على هذا المبدأ البومديني الخالد، إضافة إلى جمهورية إيران؛ كلا البلدين الشقيقين اللذان رفعا راية دعم قضية المسلمين عالياً مستندين ومقتبسين وناهلين من الفكر القرآني والأخذ بالثوابت القرآنية التي تنص وتحض على تلك المواقف الداعمة والمؤازرة والمساندة لقضية المسجد الأقصى المبارك، حيث نجد القواسم المشتركة الدفاعية عن تلك القضية الجوهرية بين البلدين الجزائر وإيران، وهی دولة ليست فقط صديقة للجزائر بل شقيقة تلتزم دائما بالقرآن الكريم وترعى مختلف الجوانب المتعلقة بالحياة القرآنية وتعتبر القرآن العظيم مرجعها الدائم.
تلك الرعاية المتمثلة باستضافة مقرئي ومرتلي ومجودي القرآن الكريم من معظم بلدان العالم العربية الأفريقية الأسيوية وحتى منها الأوربية إلى طهران وعقد مسابقات أجمل التلاوات والقراءات وتكريم المتحصلين على المراكز الأولى في القراءة والترتيل والتجويد، إضافة إلى اللقاء السنوي الخاص بأولئك المتفوقين والفائزين مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية واستضافتهم في سهرة رمضانية وتحفيز الطلاب والشباب لتحفيظ القرآن الكريم، علماً أن لغتهم ليست عربية لكن مع ذلك هناك الألاف من الحفاظ من جمهورية إيران التي أدرجت تعلّم القرآن الكريم ضمن مواد المنظومة الدراسية للبلاد، إضافة لنشاط علمي كبير للجامعات والكليات والمعاهد العليا للدراسات والأبحاث المتخصصة بعلوم القرآن ونشر عدة مجلات وكتب قرآنية في أنحاء البلاد.
كما أن للقرآن الكريم حضور دائم في نمط العيش وحياة الناس العاديين أيضا فمن التلاوة اليومية والمستمرة للقرآن في المساجد بعد الصلوات إلى تعليق اللوحات من الآيات القرآنية المباركة على الجدران في البيوت، ناهيك عن طباعة أعداد كبيرة من المصحف الشريف حيث يبرز دور القرآن الكريم في المجتمع الإيراني، وكدليل على ذلك أيضاً فوز القراء والحفاظ الإيرانيين في المسابقات الدولية للقرآن الكريم وبمراتب عليا بشكل دائم. ناهيك عن الخلفية التاريخية العريقة لهذه التوجهات.
فللعلماء الإيرانيين كانت لهم مساهمة كبيرة في العلوم القرآنية والتفسير، علما أن كبار أئمة الدين كالإمام البخاري ومسلم وعلماء النحو كسيبوية وغيرهم وكالإمام محمد الغزالي والشيخ عبد القادر الجيلاني وغيرهم كانوا من الفرس،حيث لهذه الخلفية دوراً في تمسك المجتمع الإيراني بالقرآن الكريم.
ولعل ذلك التوجه القرآني هو السبب لوقوف طهران مع القضية الفلسطينية، تلك القضية التي خذلها ومع الأسف العديد من المتربعين على عروش العواصم العربية وتخلوا عنها وأداروا لها الظهر في الوقت الذي فتحت طهران ذراعيها واحتضنت هذه القضية واخذت على عاتقها جانب الدفاع عن الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم المشروعة وعن المسجد الأقصى المبارك حيث سلكت إيران هذا الدرب وعلى الرغم من التكالب عليها والضغوطات الهائلة كالحصار الجائر والضغوطات السياسية وتكالب قوى الشر والغطرسة والعدوان والإستكبار والهيمنة وتحريك الفتن وتأجيج الصراعات الداخلية وتحريك الإضطرابات وزعزعة إستقرارها ومحاولة جرها إلى سياسة الفوضى الخلاقة والتوترات الأمنية وهذا مايراه العالم أجمع، وعلى الرغم من كل ذلك أبت حكومة طهران أن تتخلى عن سياستها الشجاعة والسديدة الداعمة والمؤازرة للقضية المركزية الفلسطينية.
والثورة الإسلامية الإيرانية قضت على مصالح قوى الإستكبار والهيمنة والشر والإستعمار والإستعلاء لتلك الدول واقتلعت جذورها وطردت مصالحها وأغلقت سفاراتها في حين إفتتحت سفارة لدولة فلسطين العربية في قلب عاصمة العلم والتعلم والحضارة والتاريخ طهران، حيث اتخذت منذ انتصار هذه الثورة الإسلامية المباركة شعار المناصرة والدعم للقضية الفلسطينية أيضا عملاً بأحكام القرآن الكريم رجوعاً لقوله تعالى “سبحان من أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”…تلك القضية الدينية الإسلامية أولا التي تخلى عنها بعض ممن وصفهم الله بالأشد كفرا ونفاقا الذين أداروا ظهورهم لما يحدث لأشقائهم خصيصا في غزة العزة وغيرها من المدن والبلدات والقرى الفلسطينية المحتله .
والأغرب والأدهى من ذلك قيام بعض حكومات ومشايخ عروش الناتو بزندقة وتكفير والإستهزاء بالمقاومين الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من المدافعين عن حرمات الأقصى والمقدسات الدينية ومن تلك الحكومات من يقدم سلل الأغذية والطعام والفاكهة والخضرة الطازجة ليس لأشقائهم الفلسطينيين المكلومين بل لجلادهم وقاتلهم للعدو المحتل، في مقابل الدعم اللا محدود التي قدمته حكومة طهران خصيصا إلى الحركات الفدائية الفلسطينية المدافعة عن الشرف والكرامة والنخوة العربية الضائعة بجانب شقیقتها الجزائر لما كان في الإمكان لرصاصة واحدة أو قذيفة أن تنطلق أو صاروخ يحج صوب القوات المحتلة لأرض فلسطين المغتصبة.
نعم الوقفات الإيرانية والتي رآها وشهدها العالم أجمع كان لها دور كبير في صنع تلك الإنتصارات لشعب الجبارين الفلسطيني. حيث تعتبر حكومة طهران أن دفاعها عن أرض وشعب ومقدسات فلسطين واجب ديني وقرآني ،لكون المسجد الأقصى يعود لحوالي الملياري مسلم في العالم وواجب الدفاع عنه يقع على عاتق جميع مسلمي وحتى مسيحي العالم. وذلك لوجود بيت لحم مهد السيد عيسى بن مريم المسيح عليه وعلى أمه السلام.
كثيرة تلك المواقف والوقفات والمشاهد التي سوف أمر عليها مرور الكرام، منها إرتداء الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي للوشاح وللعلم الفلسطيني أثناء القمة العربية التي جرت وقائعها على أرض الحجاز، أيضا إنسحاب الوفد الإيراني المشارك في مؤتمر كاب 28 للبيئة الذي إنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تم الإنسحاب لوفد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب حضور رئيس الكيان المحتل لفلسطين، حيث كان هذا الإنسحاب ضربة موجعة لحكومة الكيان وانتصارا سياسيا كبيرا جدا وذكاء وحنكة إيرانية القصد منها لفت أنظار العالم أجمع إلى القضية الفلسطينية وإعادة هذه القضية إلى الواجهة والصدارة الدولية وهذا الذي حصل حقا.
وعلى الرغم من كثرة الحملات الصهيوإمبرياليةغربيةأعرابية مسعورة ومستعرة للنيل من سمعة طهران وتلطيخ سمعتها والإساءة إليها خصيصا بعد نجاح ثورتها الإسلامية التي طردت المصالح والهيمنة الغربية أمريكية وقوى العمالة الشاهنشاهية التي جعلت من إيران أرضا ومزرعة كبيرة خصبة لمصالح القوى الإستكبارية الإستعمارية، ومنذ ذلك الحين أصبح للقضية الفلسطينية الأهتمام الأول وللمسجد الأقصى المبارك والقرآن الكريم الأهمية الكبرى ولمناصرة وللدفاع عن الإسلام الشأن الأكبر.
طهران التي دفعت فاتورة عالية وغالية جدا من دم أبناءها بسبب اصطفافها مع القضية الفلسطينية ومع القضايا الإسلامية وبسبب دفاعها المستميت عن القرآن الكريم. طهران التي نادت ولاتزال تنادي بتوحيد الصف الإسلامي ورأب الصدع ومعالجة والشرخ ونادت بالحوار وحسن الجوار. طهران التي لازالت تشجع على الوحدة والإتحاد وتقريب وجهات النظر والصلح بين المتخاصمين ومد يد الخير للأخيار والوقوف بوجه قوى الشر ومحاربة الأشرار، لقد اتخذت ثورتها شعار “بالأخلاق نجذب القلوب وبالعلم والمعرفة واليقين نجذب العقول” كما طالبت جميع مسلمي العالم بشتى مللهم ونحلهم ومذاهبهم وطوائفهم باللحمة والتراحم فيما بينهم والرحمة لمواجهة مايحاك ضدهم ومواجهة هذه التخمة والزحمة، كما كانت دائما السباقة التي تندد وتستنكر جميع محاولات الإساءة للقرآن الكريم وحرقه من قبل الحاقدين على الإسلام توجه سؤالها لعدد من حكومات الغرب المنافق؛ “أتسمحون بحرق القرآن وتمنعون حرق علم المثلية والشواذ؟”
وهل يوجد أجمل أن نقتدي أولاً بكتاب الله القرآن الكريم وبسيرة رسول الله وكمسلمين جميعا؟ وكما هو المعروف أن الجهل يفتك بصاحبه وماحوله، سياسة التجهيل والتغفيل التي فرضت على العديد من شعوبنا العربية والإسلامية كي لاتدرك تلك الشعوب الحقيقة وتبقى مخدرة وكي لاتنتبه لما يحاك ضدها وضد الإسلام وكي لاتعير تلك الشعوب أي اهتمام بالقضية الفلسطينية.
يجب علينا جميعا الإتصال وعدم الإنفصال عن الواقع وأن نتجنب مايخرج عن أفواه الكثير من أبواق بعض المحطات والمنصات المغرضة المأجورة والمواقع المشبوهة.
آن الآوان لتحشيد الرقمنة وتكريس الأقلام للإيقاع بأعداءنا وفضح مخططاتهم والتسبب لهم بالإيلام وتوحيد راية الإسلام و يجب أن ندرك أن عدونا واحد فقط ؛ هذا العدو الذي اغتصب ونهب وسلب واعتدى وقتل وشرد ونكل ودنس حرمات أقصانا. وظلم أشقاءنا الفلسطينيين ولاننسى أن كل شجرة مثمرة ترمى بالحجارة.
ألا يخجل أو يستحي من يصافح أيادي تلطخت بدماء نساء وأطفال فلسطين؟ ألا يخجل من يطبع مع عدو مدنس للقرآن وللمقدسات الإسلامية هذا العدو الذي ينشر في الأرض الفساد. ويدس سمومه حتى في أفلام عالم الأطفال عالم البراءة عالم البراعم والبرعمات.
لقد سقطت ورقة التوت عن عورات بعض أعراب الكفر والشقاق والنفاق لقد ظهر من هو العدو الحقيقي للشعب الفلسطيني ومن هو الأخ الحقيقي المؤازر لهذا الشعب.
لقد دفعت إيران أثمانا باهضة بسبب مواقفها السديدة. حيث وقعت بين مطرقة الحصار ومواجهة الصراعات والفتن والخلايا التي تحركها الأصابع الصهيو امبريالية وسندان مواجهة حركات وتنظيمات الإرهاب التكفيري الدموي الذي حاول النيل من ترابها الوطني. لکن تمکنت من الصمود بالحفاظ علی المبدا القرآنی والتمسك بهذا المبدأ الإهتمام الأكبر بالشؤون القرآنية والذي يستضيف القارئين من معظم دول العالم ويكرم المتفوقين في التجويد والترتيل والتلاوة بأصوات جميلة كما أن معظم المراكز الأولى لتلك المسابقات يتحصل عليها مقرئين إيرانيين بمسابقات أخرى تنعقد بدول أخرى.
ماذا أيضا عن قيام الرئيس الإيراني رئيسي برفع المصحف الشريف وبكل تفاخر بكتاب الله في مجمع الأمم المتحدة مؤخرا قصد التنديد بالإساءات التي حدثت إلى القرآن الكريم والمصحف الشريف حيث كانت ولاتزال وستبقى إيران دائما في صدارة الدول التي تتخذ على عاتقها واجب الدفاع عن كتاب الله القرآن الكريم والتصدي لكل من يحاول الإساءة إليه. وهل ننسى أو نتناسى من كان السباق في التصدي لسلمان رشدي وكتابه آيات شيطانية الذي أساء من خلاله للقرآن بشكل كبير مرورا بالرسوم المسيئة للرسول محمد (ص) وصولا إلى الإساءات الأخيرة في السويد وبعض الدول الأوربية.
و صورة الرئيس الإيراني رئيسي مع المصحف الشريف في اجتماع الأمم المتحدة قد انتشرت بصورة كبيرة ضمن منصات ومواقع التواصل الإجتماعي وبسبب تلك التوجهات الكبيرة في هذا الشأن من قبل حكومة طهران ومن خلال أوامر وتوجيهات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية السيد الخامنئي والذي يلتقي كما ذكرت مسبقا كل سنة مع القراء والحفاظ لكتاب الله من دول عديدة كما توجد فوق رأسه وبشكل دائم لوحة لآية قرآنية ولعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرف كل تلك التوجهات حيث قام بإهداء سماحته نسخة أثرية قديمة من القرآن من المكتبة الروسية، نسخة طبق الأصل للمصحف الشريف (فاكسي ميل) في زيارته الهامة لطهران وطلبه حرفيا من سماحته أن يتكفله كإبن له ويرعاه حيث قام القيصر الروسي بتقبيل رأسه الشريف معبرا عن تقديره واحترامه وإعجابه بالقرآن وبسماحته بعد إهداءه هذه الهدية القيمة.
وكمسك الختام أنهي مقالتي هذه مستعرضاً رسالة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية سماحة السيد علي خامنئي “أنا لا أصرّ عليكم أن تقبلوا رؤيتي أو أية رؤية أخرى عن الإسلام.
لكن أدعوكم أن لا تسمحوا أن يستفيد هؤلاء من الإدعاءات المرائية للإرهابيين العملاء لهم وتقديمهم لكم باعتبارهم مندوبي الإسلام.
عليكم أن تعرفوا الإسلام من مصادره الأصيلة ومنابعه الأولى. تعرفوا على الإسلام عبر القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم”
عبد الحميد كناكري(خوجة)
قاص كاتب راوي مجاز دوليا وفنان وطني شامل
أ.ش