“الحرب الإسرائيلية على غزة غيّرت ملامح حياتنا، وتسببت لنا بكوارث نحتاج إلى عقود من أجل الخروج منها، وكان آخرها إصابة طفلتي شذا ذات التسعة أعوام بالتهاب الكبد الوبائي”. بحرقة وألم شديدين يروي مؤمن أبو عمرة للميادين نت تفاصيل معاناته في الحرب.
أبو عمرة، نزح مع عائلته من مدينة غزة نحو رفح جنوباً، أصيبت طفلته شذا بالكبد الوبائي، نتيجة تنقلهم بين مراكز الإيواء، التي تنعدم فيها الخدمات الصحية وتغيب النظافة العامة، وتتكدس القمامة في مختلف الأرجاء، وهي بيئة مناسبة لانتشار الأمراض والميكروبات.
وفق المكتب الإعلامي الحكومي، فإن 8 آلاف نازح أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائي، وأصيب 400 ألف بالأمراض المعدية والخطيرة، فيما تتزايد التحذيرات من انتشار أمراض أخرى مثل الكوليرا والجدري والسل.
وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أكدت بدورها انتشار وباء التهاب الكبد الوبائي في مناطق النزوح بمدينة غزة من النوع (A)، وذلك نتيجة الاكتظاظ غير المسبوق للسكان والنازحين وتدني مستويات النظافة في أماكن النزوح.
ويؤكد أبو عمرة، لـلميادين نت، أنه وبعد الكشف الطبي تأكد إصابة طفلته بالكبد الوبائي، وأنها بدأت رحلة علاج صعبة للغاية، خاصة في ظل ازدحام المستشفيات بالمرضى والمصابين والنقص الحاد بالأدوية وفقدان بعضها.
ولا يقتصر تدني الوضع الصحي على هذا المرض، وفق أبو عمرة، الذي يشير إلى أن آلاف النازحين أصيبوا بأمراض خطيرة أخرى، خاصة وأن النفايات تتكدس بالقرب من الخيام ومراكز الإيواء، والنظافة منعدمة بشكل تام.
الخمسيني فؤاد شحادة، أصيب هو الآخر بالتهاب الكبد الوبائي، وأكد أن وجوده في أحد مراكز الإيواء المكتظة بالنازحين في مدينة رفح جنوب القطاع كان السبب الرئيسي لذلك، خاصة وأنه قبل الحرب كان يولي اهتماماً كبيراً بصحته ونظافته الشخصية.
“لا نحصل على الماء الصحي، والنظافة العامة معدومة للغاية، وهناك الكثير من العوامل التي تساعد على انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة في ظل غياب أي دور للمؤسسات الصحية والإغاثية، وهذا كله تسبب لنا بانتشار الأمراض”، يقول شحادة.
ولا يخفي شحادة، مخاوفه من إصابة أفراد عائلته الاثني عشر بالتهاب الكبد الوبائي أو أمراض أخرى، خاصة وأن مراكز الإيواء تزداد سوءاً يومياً بعد يوم، ولا يوجد مأوى آخر لعائلته يمكن أن يحصنهم من تلك الأمراض.
مدير الأوبئة والأمراض المعدية بوزارة الصحة في غزة، غسان وهبة، اتهم “إسرائيل” بالتسبب في تفشي مرض الكبد الوبائي في قطاع غزة، خاصة وأن حكومة الاحتلال تمنع وضع الكلور في المياه، وتعيق وصول المياه الصالحة للشرب إلى السكان.
ويوضح وهبة، لـلميادين نت، أن “الاكتظاظ الشديد للنازحين في مراكز الإيواء والمدارس في مناطق الوسط والجنوب، وانعدام النظافة العامة وتكدس النفايات أدى إلى انتشار الميكروبات والأوبئة والأمراض والهواء الملوث”.
وتسبب كل ذلك، وفق وهبة، في نقص المناعة وانتقال الأمراض بشكل سريع للغاية، خاصة الأمراض الميكروبية، محذراً من خطورة تفشي أمراض أخرى مثل الكوليرا والسل وغيرهما من الأمراض التي تتسبب بانعدام النظافة.
ويؤكد المسؤول الطبي، أن “القطاع سيشهد انتشاراً للعديد من الأمراض خاصة الكبد الوبائي والكوليرا والسل، وأن وزارة الصحة سجلت إصابات بها”، لافتاً إلى أنه بعد توقف الحرب ستتكشف الكارثة الطبية في القطاع.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أصدرت في وقت سابق، تحذيرات للنازحين في مراكز الإيواء والمدارس التابعة لها بمدينة رفح، في ما يتعلق بانتشار فيروس الكبد الوبائي، وأوصت باتباع مجموعة من التعليمات للوقاية من الإصابة به في ظل الأزمة الطبية القائمة وعدم توافر الدواء.
مدير عام الرعاية الصحية الأولية بغزة، موسى عابد، يشير إلى أن أعداد المصابين أكبر بكثير من المعلن عنها رسمياً، خاصة في ظل صعوبة توثيقها بسبب الاستهداف المستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلي للمنظومة الصحية.
ويفيد عابد بأن “العينات العشوائية التي جرى جمعها من مراكز الإيواء وبعض المناطق المكدسة بالنازحين، تظهر انتشاراً مهولاً لاتهاب الكبد الوبائي والأمراض المعدية”، قائلاً: “ما تم تسجيله مع بداية العام الجاري 6 أضعاف ما سجل خلال العام الماضي”.
ويضيف: “ما سجل خلال الشهرين الأولين للحرب على غزة من الأمراض المعدية والتهاب الكبد الوبائي يعادل ما سجل في القطاع خلال العشرين عاماً الماضية”، في إشارة إلى أن أعداد المصابين مهولة للغاية وتنذر بكارثة كبرى.
وتعاني مستشفيات القطاع من تكدس المصابين والمرضى بسبب حرب الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يضعف قدرتها على التعامل مع تفشي الأمراض أو اتخاذ إجراءات احترازية ضد ذلك، ما ينذر بجعل غزة منطقة غير صالحة للحياة من الناحية الصحية.
أ.ش