حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إنجازات كبيرة في مجال الصناعة على مدى 45 عاماً بعد انتصار الثورة الإسلامية، في ظل أصعب العقوبات التي تفرضها الغرب، خاصة الولايات المتحدة.
ويعدّ القطاع الصناعي الإيراني أحد القطاعات الاقتصادية ذات القدرة العالية على الإنتاج، وهناك العديد من المؤشرات التي تدل على هذه القدرة، حيث تحتل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مكانة متقدمة بين دول العالم في قطاعات مثل الإسمنت والصلب والبتروكيماويات والطاقة.
* صناعة الإسمنت
كان إنتاج إيران من الإسمنت في أواخر عهد النظام البائد 7/7 مليون طن سنوياً، وارتفع إلى 17 مليون طن في منتصف الثمانينيات؛ لكن ذروة التطور في هذه الصناعة بدأت من منتصف الثمانينيات، ووصل إنتاج البلاد إلى رقم قياسي بلغ 70 مليون طن في منتصف عقد الألفين.
ووفقاً للتقارير، يوجد في إيران حوالي 76 شركة مصنعة في مجال الإسمنت والكلينكر بسعة حوالي 88 مليون طن. تشمل المواد الخام لصناعة الإسمنت الحجر الجيري، والجبس، والسیلیکون، وخام الحديد، والطين، والمارل، والبوزولان، وخبث المعادن، وغيرها من المواد.
احتلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية المرتبة الرابعة في عام 2012 والمرتبة السادسة في عام 2015 في صناعة الإسمنت؛ لكنها تراجعت إلى المرتبة العاشرة عالمياً، وهي الآن تحتل المرتبة الثامنة على مستوى العالم. ومن بين دول المنطقة، تحتل تركيا فقط مرتبة أعلى من إيران.
بلغ الإنتاج العالمي للإسمنت 1/4 مليار طن في عام 2022، ولا تزال الصين رائدة في إنتاج هذا المنتج بحجم إنتاجي يبلغ 1/2 مليار طن، تليها الهند بإنتاج 370 مليون طن، وفيتنام بإنتاج 120 مليون طن في عام 2022.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا تحتلان المرتبتين الرابعة والخامسة في إنتاج الإسمنت، وتمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من احتلال المرتبة الرابعة بإنتاج 95 مليون طن، بينما احتلت تركيا المرتبة الخامسة بإنتاج 85 مليون طن، وتأتي البرازيل في المرتبة السادسة بإنتاج 65 مليون طن، وإندونيسيا في المرتبة السابعة بإنتاج 64 مليون طن.
وتحتل روسيا وإيران معاً المرتبة الثامنة بإنتاج 62 مليون طن؛ وبينما تمتلك إيران قدرة على إنتاج 88 مليون طن من الإسمنت، إلا أنها تواجه صعوبات في تأمين وقود المازوت والغاز.
* صناعة الصلب
يمكن اعتبار صناعة الصلب أو الفولاذ أحد الركائز المهمة للاقتصاد في أي بلد، حتى أن استهلاك الفرد من الصلب يعتبر مؤشراً لتقييم مدى حجم الصناعة في بلد ما. وتعدّ المنتجات الفولاذية من أهم العناصر التي يتم استخدامها في مختلف الصناعات، ولها استخدامات واسعة النطاق في مختلف جوانب الحياة البشرية، من المباني والسيارات والسفن والطائرات، إلى الأدوات المنزلية الصغيرة مثل الثلاجات وغسالات الملابس، تعتمد جميعها على المنتجات الفولاذية بشكل كبير.
أولت إيران اهتماماً خاصاً بصناعة الفولاذ قبل وبعد الثورة الإسلامية. ووفقاً لإحصائيات World Steel Association، بلغ الإنتاج السنوي للفولاذ الخام في إيران 8/1 مليون طن قبل الثورة، بينما ارتفع هذا العدد إلى 29 مليون طن في عام 2020.
وبحسب إعلان World Steel Association، حققت صناعة الصلب الإيرانية رقماً قياسياً جديداً في الإنتاج السنوي بلغ 1/31 مليون طن من خلال إنتاج 9/2 مليون طن من الفولاذ الخام من 1 إلى 31 ديسمبر 2023. وبعبارة أخرى، زاد إنتاج إيران من الفولاذ الخام أكثر من 17 مرة خلال الأربعين سنة الماضية، حيث قبل الثورة الإسلامية، كانت حصة إيران في الإنتاج العالمي من الفولاذ الخام 4/0%؛ لكنها وصلت الآن إلى 4/1%.
تمتلك الصين 3/54% من إنتاج الصلب العالمي، وتحتل الهند المرتبة الثانية بنسبة 6/5% من الإنتاج العالمي، وتحتل اليابان وأمريكا وروسيا وكوريا الجنوبية وألمانيا وتركيا والبرازيل المرتبة الثالثة إلى التاسعة عالمياً، وتحتل إيران المرتبة العاشرة في إنتاج الصلب في العالم. ومرة أخرى، تركيا فقط هي التي تقع في المنطقة في مرتبة أعلى من إيران.
تهدف ايران إنتاج 55 مليون طن من الفولاذ بحلول عام 2026. ويقدر طلب السوق المحلي على منتجات الصلب بما يتراوح بين 20 إلى 24 مليون طن. ونظراً إلى نمو إنتاج الصلب المحلي، أصبحت إيران إحدى الدول المصدرة لهذه الصناعة. وتحتل إيران المرتبة السادسة عشرة بين الدول المصدرة للصلب. وتعد إيران من بين أكبر 10 منتجين عالميين في صناعة الصلب، فيما لم يسلم هذا القطاع من العقوبات الأمريكية.
* صناعة البتروكيماويات
تعتبر صناعة البتروكيماويات من الصناعات التي محط اهتمام القوى العظمى. وحققت الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أعلى مبيعات من المنتجات البتروكيماوية في عام 2019 على التوالي.
واليوم، تصنف الدول الآسيوية الناشئة ضمن المراكز العشرة الأولى من حيث مبيعات المنتجات البتروكيماوية، إلى جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان.
تعتبر صناعة البتروكيماويات من الصناعات البارزة في العقود القليلة الماضية، وقد أدى اهتمام الدول الخاص بهذه الصناعة إلى ازدهارها وتوسعها في العالم، والآن تعتبر هذه الصناعة ثالث أكبر صناعة في العالم بعد صناعة المواد الغذائية وصناعة السيارات.
وبحسب إحصائيات وزارة النفط الإيرانية، كان يبلغ إنتاج إيران من البتروكيماويات قبل الثورة 6/1 مليون طن سنوياً. ومع انتصار الثورة الإسلامية، حظيت صناعة البتروكيماويات باهتمام جدي.
تسببت الحرب المفروضة على البلاد من قبل النظام البعثي البائد في ركود تطوير صناعة البتروكيماويات في إيران. وخلال هذه الفترة، على الرغم من اكتمال خطة تطوير البتروكيماويات في شيراز، توقف بناء ميناء الإمام الخميني(رض) للبتروكيماويات. ومع انتهاء الحرب المفروضة، استمرت إعادة إعمار المجمعات المتضررة في الحرب حتى عام 1974 وفق خطة التنمية الأولى، واستغلال بعض المشاريع الأساسية، منها إصفهان للبتروكيماويات وأراك للبتروكيماويات، واستكمال مجمع ميناء الإمام الخميني(رض) حدث في هذا الوقت.
في خطة التنمية الثانية، تم تكثيف تنفيذ خطط التنمية وزيادة الإنتاج ووصل الإنتاج إلى 12 مليون طن في العام الأخير من الخطة الثانية (1979). استمر الاستثمار في صناعة البتروكيماويات في الثمانينيات والتسعينيات، بحيث يعمل حالياً 70 مجمعاً بتروكيميائياً في صناعة البتروكيماويات الإيرانية.
أنتجت صناعة البتروكيماويات في إيران ما يقرب من 70 مليون طن من المنتجات البتروكيماوية في عام 2022 بنشاط 70 مجمعاً (أي 43 مرة قبل الثورة)، بينما لديها طاقة تبلغ حوالي 92 مليون طن.
حالياً، 27% من الطاقة الإنتاجية للبتروكيماويات في منطقة غرب آسيا تقع تحت سيطرة إيران، وحصة إيران في العالم تبلغ 7/2%. وفي غرب آسيا، تحتل المملكة العربية السعودية مرتبة أعلى من إيران.
وخلافاً لقطاع السيارات، الذي يركز أكثر على السوق المحلية، فان صناعة البتروكيماويات الإيرانية موجهة نحو التصدير وتبلغ حصتها 21% من صادرات البلاد غير النفطية.
أحد أسباب أهمية تطوير صناعة البتروكيماويات بالنسبة لإيران هو تقليل تأثير العقوبات. ونظراً لسياسة الضغط الأقصى التي تتبعها الحكومة الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أثرت بشكل خاص على قطاع النفط الإيراني، فقد فتحت إيران حساباً خاصاً لصناعة البتروكيماويات.
أحد الأسباب الرئيسية هو أن صناعة البتروكيماويات يغذيها النفط، والجمهورية الإسلامية هي واحدة من أكبر منتجي النفط، والتي لا تستطيع تصدير الكثير من نفطها بسبب العقوبات، لذلك فان إنتاج النفط واستخدامه في صناعة البتروكيماويات يعد أحد سبل تحييد العقوبات الأمريكية.
* قطاع الطاقة
مما لا شك فيه أن قطاع الطاقة، خاصة النفط والغاز، هو أهم قطاع في الاقتصاد الإيراني لأن معظم دخل البلاد يأتي من هذا القطاع. وتمتلك إيران، بعد فنزويلا والمملكة العربية السعودية وكندا، رابع أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم بواقع 160 مليار برميل.
ولا تزال إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي مؤكد من الغاز في العالم، وقد بلغ احتياطي الغاز الإيراني مستوى 98/33 تريليون مترمكعب في عام 2022. وتحتل روسيا المرتبة الأولى في العالم باحتياطي يبلغ 75/47 تريليون مترمكعب.
تظهر نتائج اكتشافات النفط والغاز أن 25% من الاحتياطي النفطي تم اكتشافه بعد انتصار الثورة. أما في قطاع الغاز، فان معظم الاكتشافات (75%) كانت مرتبطة بالفترة التي تلت انتصار الثورة الإسلامية. ويأتي تطوير قطاع النفط والغاز الإيراني في وقت تواجه فيه هذه القطاعات أشد العقوبات من الغرب ولم يتم إدخال التكنولوجيا الحديثة إلى قطاع النفط والغاز الإيراني.
ويظهر هذا الوضع أنه على الرغم من أن الاعتماد على الاقتصاد النفطي يشكل ضرراً وتهديداً خطيراً للاقتصاد الإيراني، إلا أن قطاع النفط والغاز لا يزال لديه قدرة مهملة يمكن، مع رفع العقوبات، أن تلعب دوراً أكثر بروزاً في الاقتصاد الإيراني، خاصة مع زيادة الطاقة الإنتاجية في صناعة البتروكيماويات.
في الختام، يمكن القول أنه على الرغم من أن الضغوط الاقتصادية هي أهم التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنه تم اتخاذ إجراءات قيمة في مختلف المجالات الاقتصادية في السنوات الـ45 الماضية، حتى تتمتع إيران بمراكز عالمية عالية في بعض الصناعات.
مما لا شك فيه أنه لولا العقوبات القاسية التي فرضها الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لكان للجمهورية الإسلامية الإيرانية سجل أفضل بكثير في المجال الاقتصادي.
د.ح