لقد كنا أمواتا فأحيانا الإمام..

الوفاق: اثبتت الثورة ان الإسلام عقيدة وفكر قادر على ادارة الشعوب وتنظيم امورها وشؤونها بافضل وجه، وقادر على التطور والتقدم والتأقلم مع متطلبات العصر وتوفير الرفاهية الحياتية والانسانية وتحقيق الإستقرار والأمن والسلام

د. أحمد الزين – لندن

 

بمناسبة الذكرى السنوية الـ 45 لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران وعمُّ فرحة احتفالات ”عشرة الفجر“، نبارك لإيران قيادة وحكومة وشعبا لهذا الإنجاز العظيم الذي حققه مؤسسها الإمام الراحل والقائد السيد الخميني (قده)، والتي شكلت تحولا سياسيا إقليميا وعالميا وحدثا تاريخيا وإستراتيجياً، أعادت مجد الإسلام من غياهب الجاهلية والتخلف والرجعية الى مضامير العلم والتقدم والحضارة الانسانية، والتي بفضلها أستعاد الشعب الايراني عزّته وكرامته وحريته وإستقلاليته بعد عقود طويلة من سياسات الظلم والبطش والطغيان من قبل حكام وملوك الشاهنشاهية وانظمتهم الملكية الاستبدادية المرتهنة والتابعة للسياسات الامريكية-الصهيونية.

 

وقد أثبتت الثورة الاسلامية المباركة قدرة الشعوب المستضعفة على التحرر والنهوض والعودة الى حكم الشعب واستعادة حق تقرير مصيره بنفسها. كما اثبتت الثورة ان الإسلام عقيدة وفكر قادر على ادارة الشعوب وتنظيم امورها وشؤونها بافضل وجه، وقادر على التطور والتقدم والتأقلم مع متطلبات العصر وتوفير الرفاهية الحياتية والانسانية وتحقيق الإستقرار والأمن والسلام..

 

وهذا ما نعاصره من خلال القفزة النوعية للجمهورية الإسلامية في إيران، وانتقالها الى مصاف الدول الكبرى بل تضاهيها في الطفرة البحوثية والانجازات العلمية والاختراعات المتطورة في مجالات الصحة والادوية والنقل والزراعة والصناعة والاسلحة المتقدمة. وبفضل الثورة الإسلامية المباركة، فقد حققت إيران تقدما كبيرا وانجازات باهرة خلال فترة الـ45 عاما في مجالات المسيرات والطائرات والصواريخ البالستية ذات المدى والدقة العالية، كما حققت تقدما كبيرا في المجالات الجوية والفضائية والبحرية، والسفن القتالية الدفاعية والإلكترونيات والغواصات والاقمار الصناعية والانشطة النووية السلمية وتقنية النانو.. حتى أصبحت قوة إسلامية عظمى.

 

ومن تجليات وبركات هذه الثورة هي تعزيز وحدة المسلمين والعمل الجاد لتوحيد الكلمة وتفعيل التقارب بين المذاهب الاسلامية وغير الاسلامية والتعاون والتنسيق والحوار بين الشعوب بمختلف تياراتهم ومكوناتهم ومعتقداتهم.. حيث يقول الإمام الخميني (قده): ”نحن مع الجميع على السواء لا نفرق بين أحد”.

 

ولا شك، من احدى تأثيرات الثورة الاسلامية هي قيام الصحوات الاسلامية والفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية، والتي لم تنحصر في حدود ايران الجغرافية، بل تجاوزتها الى مناطق واسعة في منطقة غرب آسيا والعالم، حيث تركت تأثيراتها الايجابية على شعوب المنطقة وأحرار العالم وأعطت أملا للمظلومين والمستضعفين والمحرومين بالاقتداء بهم كنموذج ملموس ومثال حيّ وتجربة ناجحة أمام أعينهم.. فكانت دافع لهم على التحرك والنهوض وقيام التظاهرات والاعتصامات والصمود والمواجهة ومقارعة الظلم والفساد والاضطهاد والطغيان في بلدانهم، وبذل التضحيات من أجل التغيير والإصلاح وفلك الحرية المقيدة والديمقراطية المفقودة واستعادة حقوقهم المدنية المسلوبة من حكم الشعب والمصادرة من تلك الانظمة الظالمة بسبب إحتكار واستبداد الحكام الفاسدين والظالمين والطغاة.. (الانظمة الخليجية.. نموذجا).

 

ومن أهم الإنجازات ما بعد الثورة على مستوى المنطقة إنشاء محور المقاومة والممانعة ودعمه وصعوده وتراكم قدراته وطاقاته وتعدد جبهاته ونقل الخبرات والعتاد الى المقاومين والمجاهدين في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين الذين استطاعوا كسر شوكة الصهاينة وتحقيق الانتصارات تلو الانتصارات وتحرير الارض في لبنان، وخلق قوة توازن الردع ومعادلة توازن الرعب مع العدو الامريكي وذراعه الكيان الصهيوني، كما انه بفضل توحيد الموقف ووحدة المسار والمصير لمحور المقاومة استطاعوا دحر مشروع محور الشرّ الامريكي الصهيوني والإرهاب السعودي التكفيري، ووقف تمدد الإرهابيين وزحفهم نحو مدنهم وعواصمهم وإفشال مشاريعهم الاحتلالية التقسيمية التدميرية لسرقة نفطهم وثرواتهم وإسقاط أنظمتهم المعادية لهم في كل من سوريا والعراق واليمن..

 

أن إعتقاد إيران الراسخ بالدين الإسلامي المحمدي الاصيل هو الذي جعلها كالجبل الأشم والشامخ تصمد أمام الحصار الامريكي والعقوبات الاقتصادية الظالمة من قبل القوى الاستكبار على مدى الـ 45 عاما، ورغم كل هذه المشاكل والتحديات الكبيرة ومؤامرات الاعداء لا تزال إيران تحافظ على الفطرة السليمة والكرامة الانسانية، وتعمل على تطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة والعدل في العالم وتطالب بتحرير الإنسان من الظلم والعبودية والاستبداد والطغيان، وتحرص على ترسيخ مبدأ حسن الجوار والسيادة والسلام واحترام الدول وإقامة العلاقات المتكافئة فيما بينها.

 

ومن القيم والمبادىء التي اعتمدته وتعتمده الجمهورية الاسلامية في ايران، احترام الدستور، وإجراء الانتخابات، وتداول السلطة، والفصل بين السلطات، وحرية الاعلام، وحماية حقوق الانسان، وحقوق الاقليات، وهي مبادىء مارسها الشعب الايراني على مدى 45 عاما. كما تبنت إيران في عقيدتها ودستورها مبدأ نصرة المستضعفين في العالم ومساعدة الشعوب المظلومة والمقهورة في تقرير مصيرها وحقها في العيش بعزّة وكرامة وعلى رأس قضاياها نصرة قضية الشعب الفلسطيني المسلوب منه حريته وأرضه، والتي قدمت ولا تزال تقدم له ولمقاومته الباسلة في غزة وفلسطين كل الدعم السياسي والمعنوي والمالي والعسكري والخبرات والتدريب والمساندة من اجل تحرير أرضه من المحتل الصهيوني الغاصب.. وما شاهدناه من تنفيذ عملية “طوفان الاقصى” في غلاف غزة في 7 اكتوبر 2023، وما تبعها من تداعيات الحرب وتجسيد وحدة الساحات واشتعال جبهات محور المقاومة الداعمة والمساندة، من اليمن والعراق وسوريا الى لبنان، نصرة لأهل غزة وفلسطين، ما هي الا أحدى تجليات وبركات هذا الثورة الإسلامية المباركة..

 

شكرا إيران.. على هذه الثورة المباركة التي أغنت العقول بالفكر والعلم والمعرفة والثقافة، وأرفدت الشعوب والمجتمعات بالتقدم العلمي والتطور والاختراعات والابتكارات.. وزادت شعوبنا إيمانا ويقينا من خلال تجاربها الغنية والبراهين الساطعة والادلة الدامغة والتطبيقات الحسيّة.. والتي أنبثق من رحمها أيضا قيام نظام جمهوري سياسي إسلامي انتخابي مزج بين “حاكمية الله” و”حاكمية الشعب”، وبين احكام الدين الثابتة، وبين متغيرات المجتمع والحياة، وهو نظام فريد ومتميز نابع من نظرية “ولاية الفقية”، التي طرحها الامام الخميني (رض)، وكما قال الامام القائد السيد الخامنئي في 4/6/2002: ” لقد تجلى إبداع الإمام الخميني في إيجاد إطار محكم للثورة الإسلامية وعدم السماح لها بأن تُهضم في معدة القوى والتيارات السياسية الشرقية والغربية المتسلطة. لقد كانت تعاليم الإمام ونهجه هي التي لقنت الناس شعار “لا شرقية، لا غربية، جمهورية إسلامية”، وشعار “استقلال، حرية، جمهورية إسلامية” هذه الشعارات كانت تعني أن هذه الثورة تستند إلى أصول ثابتة ومحكمة لم تكن ترتبط بأصول الإشتراكية التي كان يتبناها المعسكر الشرقي في ذلك اليوم، ولم تكن كذلك ترتبط بأصول الرأسمالية الليبرالية التي اعتمدها المعسكر الغربي. هذا هو سبب العداء والخصومة التي أظهرها الشرق والغرب لهذه الثورة”.

ومن تجربة الجمهورية الاسلامية على مدى الـ 45 عاما، أثبتت بان الإسلام هو دين الرحمة والانسانية والتسامح والحوار والحضارة والبناء والعمران، ومنهج حياة ونظام إسلامي قابل للحياة يطفو على المسرح السياسي الاقليمي والعالمي، ويُرسّخ لقِيَم الحقِّ والخير والحرية والعدل والسلام والمساواة بين الناس جميعا، وهو بعيد كل البعد عن دين العنف والتطرف والتخلف ودين الجهل والقتل والموت والإرهاب والإنتحار والتكفير والتدمير الذي كان يروّج له دين الإسلام الاميركي-الوهابي-الخليجي-التكفيري!!

 

وبالفعل صدق من قال: “لقد كنا أمواتا فأحيانا الإمام”..

 

أ.ش