الحرب في أي مكان، عندما تحدث تزيد من انعدام الأمن الغذائي. عادة ما يكون تأثير الصراعات على الأمن الغذائي محليًا أو وطنيًا أو إقليميًا. و منذ بدء الحرب التي ورطت فيها اوروبا اوكرانيا مع روسيا، تأثر الأمن الغذائي ليس فقط داخل أوكرانيا ولكن إلى حد ما في جميع أنحاء العالم.
تأثر القطاع الزراعي الأوكراني في الحرب، لاسيما أن الزراعة هي المصدر الرئيس للدخل في أوكرانيا، حيث كانت توفر 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي و 41٪ من إيرادات التصدير قبل الحرب. قُدرت الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي الأوكراني في أوائل عام 2023 بنحو 40.2 مليار دولار. زاد هذا الوضع سوءًا تقريبًا طوال العام عندما أنهت روسيا صفقة البحر الأسود للحبوب في يوليو 2023 وعززت الحرب الخسائر الأوكرانية،كما بدأت أوكرانيا بتصدير المزيد عبر البلدان المجاورة للاتحاد الأوروبي عبر البر، مما أدى إلى نزاعات تجارية وهدد الدعم الأوروبي الموحد لأوكرانيا وخفض موارد الاتحاد الأوروبي هناك.
وكان من المتوقع أن تصدّر أوكرانيا 37.6 مليون طن تقريبًا من الحبوب بحلول نهاية عام 2023، مما يمثل انخفاضًا بنحو 25.5٪ مقارنةً بالفترة 2020-2021، من جهة أخرى ساعد هذا على زيادة صادرات روسيا. وفي موسم النمو 2023-2024، من المتوقع أن تسجل روسيا رقمًا قياسيًا عالميًا بصادرات 50 مليون طن من القمح، أي بزيادة قدرها 28٪ عن صادرات روسيا قبل الحرب وأكثر من أربعة أضعاف صادرات أوكرانيا في 2023-2024.
في حين انخفضت حصة أوكرانيا في السوق الزراعية، توسعت حصة روسيا في الجنوب العالمي. قبل الحرب الروسية الأوكرانية، كانت تستورد 33 دولة، بما في ذلك العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، 30٪ أو أكثر من القمح من روسيا وأوكرانيا. وفقًا لتقديرات غير رسمية، زادت صادرات روسيا إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أفريقيا منذ بدء الحرب.
روسيا تتغلب على محاولات عزلها دولياً
مع هذه الزيادة الواضحة، تسعى موسكو لمواجهة السعي الأميركي لعزلها دوليا، عن طريق صادراتها الغذائية، ففي منتصف عام 2023، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا “لديها القدرة على استبدال الحبوب الأوكرانية”، حيث كان من المتوقع أن يكون المحصول الروسي هذا العام ممتازًا مرة أخرى.
حققت محاولات روسيا لمواجهة الخطط الأميركية نجاحاً في عامي 2022 و2023، كان العديد من الدول التي صوّتت ضد قرارات الأمم المتحدة لإدانة ماسمي بالعدوان الروسي هي دول اعتمدت على روسيا لاستيراد المزيد من القمح. و كان العديد من تصريحات قادة هذه الدول تتبنى الموقف الروسي و بأن الدول الغربية فرضت حظرًا على صادرات الأغذية والأسمدة الروسية وأضرت بشعب روسيا.
أدت الحرب إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي العالمي. قد تعتمد دولة ما على الواردات لاحتياجات مختلفة، مثل الطاقة أو الأسلحة، لكن تعطيل إمدادات الغذاء يمكن أن يثير سريعًا الاستياء الشعبي، وفي بعض الأحيان يشكل تهديدًا لسيطرة الزعماء الأقوياء. عززت الأحداث في السنوات الأخيرة هذه المسألة وجعلت القادة متشوقين لتأمين مصادر الواردات، حتى من دول مثل روسيا.
كما استفادت روسيا من اعتماد الدول غير الآمنة غذائيًا على مواردها لزيادة صادراتها. ففي سبتمبر 2023، أعلن بوتين اتفاقًا بين روسيا وتركيا وقطر لنقل مليون طن من الحبوب الروسية إلى “الدول الأشد حاجة” في أفريقيا. كانت الدول الخمس المستفيدة من هذه المساعدات – جمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا ومالي والصومال وزيمبابوي – قد صوّتت لصالح روسيا في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا.
فشل التكتيكات الأميركية
عندما بدأت الحرب الروسية الاوكرانية ارتفعت الأسعار العالمية للأغذية إلى أعلى مستوى لها، ومنذ ذلك الحين قادت الولايات المتحدة حملة دبلوماسية عامة لإلقاء اللوم على موسكو في هذا الأزمة. من مجموعة السبع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والتفاعلات اللا حصر لها على المستوى الرفيع، أدانت الولايات المتحدة الهجمات الروسية على القطاع الزراعي الأوكراني، وحصار صادرات الحبوب الأوكرانية، وسوء التغذية الناجم عن ذلك في جميع أنحاء العالم.
رافقت الولايات المتحدة كلامها بالميزانيات والتخطيط الجديد لمعالجة انعدام الأمن الغذائي المتزايد، بما في ذلك توسيع Feed the Future منظمة الأمن الغذائي إلى ثماني دول جديدة. تشمل مبادرات الولايات المتحدة زيادة التمويل لبرنامج الأغذية العالمي، وإظهار الولايات المتحدة كأكبر مانح (تحتل روسيا المرتبة 44 في قائمة أكبر المانحين لبرنامج الأغذية العالمي)، وإعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن مبادرة جديدة لتحسين إنتاج المحاصيل الزراعية في البلدان الأفريقية، ورؤى المحاصيل والتربة المتوافقة التي تم الالتزام بها حتى الآن بمبلغ 160 مليون دولار.
في العلن، تهدف هذه المخططات إلى زيادة الأمن الغذائي والتغذية بين أكثر الأشخاص ضعفًا في العالم وتحسين أنظمة الزراعة في بلدانهم، والحد من اعتمادهم على الواردات من أجل الأمن الغذائي. إلا أن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة في مواجهة تكتيكات روسيا من خلال مساعدات لتعزيز الأمن الغذائي غير واضح. على سبيل المثال، لم يتم وضع أي بلد من بلدان Feed the Future في شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط، حيث شهدت حصة سوق روسيا أسرع نموا، على الرغم من أن بعض مبادرات الولايات المتحدة تستهدف هذه المنطقة.
من جهة أخرى أعلنت الولايات المتحدة مبادرة المرونة الزراعية لأوكرانيا في منتصف عام 2022 والتزمت حتى الآن بمبلغ 350 مليون دولار لدعم هذه المبادرة، و على الرغم من أن هذه المساعدة تمثل جزءًا صغيرًا من الميزانية اللازمة لإعادة بناء القطاع الزراعي ، وحتى جزءًا صغيرا أيضاً من إجمالي ميزانية الولايات المتحدة التي تدفع بها الى اوكرانيا و تزودها بالسلاح و المساعدات العسكرية لتستمر الحرب التي ورطتها بها، لم يخصص الكونغرس الأمريكي ميزانية أكبر للقطاع الزراعي الأوكراني حتى الآن.
أ.ش