عند تنفيذ عدوانها ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، اتّخذت “تل أبيب” إجراءات غير عادية، خصوصًا مع تصريحات سريعة أدلى بها الإمام السيد علي خامنئي أشار فيها إلى رد حتمي ومباشر على أيدي “مجاهدينا”، كما عبّر. ومنذ اللحظات الأولى، تبين أن خطأ في التقدير قد ارتكبته “تل أبيب”، وعليه بدأت “الماكينة” الأميركية العمل عبر تواصل غير مباشر مع طهران لتجنيب “إسرائيل” الضربة.
لم يتبدل مشهد الأنباء الواردة من طهران، ثمة رد آت، وتوقيته وهدفه وكيفيته تحدد في العاصمة الإيرانية التي تعرضت لضربة مباشرة. لكن الأبرز هو حرب الأعصاب التي يسرع بها الإيرانيون، وهي التي يمكن تبيانها من تخبط لدى قادة الكيان، الذين سارعوا إلى طمأنة الجمهور، إما بالتخفيف من حجم الرد، أو بإطلاق وعيد برد على الرد وفي المنطقة التي قد ينطلق منها في إشارة إلى الأراضي الإيرانية، حيث تشير التوقعات كافة إلى ذلك.
الأميركيون بدورهم، وعبر مختلف أركان الإدارة الحالية، وعلى رأسهم “جو بايدن”، اكدوا على ما يسمونه “دعم أمن إسرائيل” في مواجهة التهديدات الإيرانية و”ووكلاء إيران”، كما يعبرون، وهو ما يبين عن تغطية ولو غير مباشرة على ما قامت به “تل أبيب”، الذي لم يلق إدانة أميركية. ومع تقدم الوقت، يلحظ زيادة مساحة الارتباك داخل الكيان. مستوطنون أصيبوا بهلع، وقادة مرتبكون، وصل الحد بهم إلى القول إننا لم نعلن عن قصف القنصلية الإيرانية، كما قال وزير الخارجية، وهو تصريح ينم عن اعتراف بخطأ بالتقدير قد ارتكب.
لكن الأكثر استغرابًا، هو ذهاب صحف إسرائيلية، وهي خاضعة للرقابة، وبعضها تزوده الاستخبارات بما يجب قوله، إلى القول: “إن إيران أجلت هجوما ضدّ “اسرائيل” في اللحظة الأخيرة بسبب التحذيرات الأميركية لكنّه لا يزال متوقعًا”.
وما ذكرته يديعوت أحرونوت يبين عدة أمور:
*محاولة طمأنة المستوطنين الذين ارتعبوا منذ اللحظات الأولى للتصريحات الإيرانية حول حتمية الرد.
*محاولة هز الثقة بين شعوب المنطقة والجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعمة للمقاومة، وهو اسلوب اعتمد على مدى سنوات.
*إظهار طهران متردّدة في تنفيذ ما تريد، ما يعني أنها مردوعة عن الذهاب بعيدًا.
*إظهار الأميركي عامل ردع أساسيًّا في مواجهة طهران.
صحيح أن “يديعوت أحرونوت” قالت إن ذلك لا ينفي احتمالات الرد الإيراني، لكن الأصح أن الرواية التي قدمتها فاقدة لعناصر المصداقية، خصوصًا أن واشنطن نفسها تعرضت قواعدها لضربات عام ٢٠٢٠ ولم تحرك ساكنًا. والأهم، أن حسابات الرد تخضع لموازين قوى، تشير الدلائل إلى أنها لا تميل لمصلحة الأميركيين الذين يتخبطون في مواجهة صنعاء وحدها، فكيف إذا ما توسعت المواجهة؟ عليه، فإن الرد المرتقب، ليس من المنطقي القول إنه احتمال، إنما هو حتمي، وقرار توقيته بيد طهران وحدها.
أ.ش