الاحتلال يستنزف يوم الفلسطيني في الضفة.. آلاف الحواجز تعرقل الحياة العادية

التغيّرات التي طرأت على أحوال الطرق بفعل الحواجز العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً بعد 7 أكتوبر لم تُعق حركة المواطنين فقط، بل تسبّبت بأعباء اقتصادية واجتماعية، حيث ارتفعت كلفة التنقّل على المواطنين، بسبب إغلاق الطرق الرئيسية وتحويل مسار المواصلات.

“أصبح الحاجز عبارة عن استنزاف لأيامنا وأوقاتنا خلال تنقّلنا للعمل أو لقضاء الحاجات الأساسية، موت بطيء على الحواجز، هكذا أشعر كلّ يوم”، بهذه الكلمات عبّرت سلمى (اسم مستعار)، واصفة وضع الطريق خلال انتقالها من قريتها دير جرير (تقع القرية في الخط الشرقي لمدينة رام الله) إلى مدينة رام الله، إذ تستغرق المسافة زمنياً للانتقال من القرية إلى المدينة في الظرف الطبيعي ما لا يزيد عن نصف ساعة.

 

لكن، وبعد السابع من أكتوبر عام 2023؛ عقب بدء معركة طوفان الأقصى، حوّل الاحتلال الإسرائيلي مناطق الضفة الغربية إلى سجن كبير تتحكّم به عبر الحواجز العسكرية، سواء تلك النقاط التي كانت موجودة قبل بدء الحرب أو الجديدة التي تمّت إضافتها، وهي الحواجز المتنقّلة، من أجل التحكّم وضبط قدرة الفلسطينيين على التنقّل والحركة بسهولة.

 

وقالت سلمى في حديثها للميادين نت: “تنقّلي من القرية إلى مركز المدينة أصبح يأخذ مني وقتاً طويلاً ولم يعد الأمر كما كان قبل الحرب، فأصبحت الطريق تستغرق أكثر من ساعة وفي أيام معيّنة تأخذ ساعتين أو أكثر، وهو ما أصبح يشكّل عبئاً كبيراً”.

 

التغيّرات التي طرأت على أحوال الطرق بفعل الحواجز العسكرية الإسرائيلية لم تُعق حركة المواطنين فقط، بل تسبّبت بأعباء اقتصادية واجتماعية، حيث ارتفعت كلفة التنقّل على المواطنين، بسبب إغلاق الطرق الرئيسية وتحويل مسار المواصلات إلى الطرق الالتفافية.

 

وبشأن هذا الأمر، قال السائق شادي الرموني، الذي يعمل كسائق عمومي على خط المواصلات العامة إلى قرى شرق مدينة رام الله: “قبل الحرب لم تكن هنالك حواجز متنقّلة بين القرى داخل محافظة رام الله والبيرة، ولكن بعد طوفان الأقصى تمّ وضع حواجز جديدة وهي الحواجز المتنقّلة بين القرى، بالإضافة إلى إغلاق الطريق الرئيسي الذي كنّا نسلكه وهو المدخل الشمالي لمدينة البيرة – طريق مستوطنة بيت إيل- أو كما هو متعارف عليه طريق (DCO)، ونتيجة هذا الإغلاق اضطررنا للذهاب من الطرق الالتفافية التي تستغرق وقتاً أطول، إذ أصبحت الطريق تستغرق من ساعتين إلى ثلاث ساعات، وهو ما أثّر علينا كسائقين عموميين وعلى الناس من الناحية الاقتصادية”.

 

وأوضح الرموني أن أثر تغيير مسار خط المركبة العمومية أدى إلى زيادة كلفة المواصلات على الراكبين، وهو ما أدى إلى تقليل استخدام المواطنين للمواصلات العامة، ما تسبّب بتدنّي الدخل الخاص بالسائقين. وبذلك تكون الهندسة المكانية للطرق التي فرضها الاحتلال من خلال الحواجز العسكرية أداة استعمارية للتحكّم بتفاصيل الحياة اليومية للفلسطينيين، عبر استنزاف وقتهم ومواجهتهم العرقلة اليومية المستمرة خلال ممارستهم حياتهم اليومية.

 

 

زيادة عدد الحواجز وتأثيرها على المواطنين

 

لم تقتصر عملية زيادة الحواجز العسكرية الإسرائيلية فقط على محافظة مدينة رام الله والبيرة، بل على جميع المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، فبحسب آخر إحصائية صدرت عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد بلغ عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية 840 حاجزاً وبوابة. وبذلك أصبح الانتقال من مناطق شمال الضفة الغربية وجنوبها ذهاباً وإياباً نحو محافظة رام الله عبارة عن مسار طويل يستغرق وقتاً إضافياً يحتاج تكلفة تشغيلية إضافية للمواصلات العامة، وكلفة مادية على المواطنين بسبب الحواجز التي نصبت في الطرق بين محافظات الضفة الغربية.

 

ففي حديث مع أمير داوود، مدير عام التوثيق والنشر في هيئة الجدار والاستيطان، قال للميادين نت: “وضع الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 142 بوابة حديدية على قرى وبلدات ومدن فلسطينية، في زمن قياسي، من أجل إخضاع الفلسطينيين وضبط حركتهم. لذلك فإن منظومة الإغلاق هي عبارة عن مجموعة مركّبة من الطبقات تمثّل العقوبة الجماعية، وعلى رأسها مسألة الإغلاق (أي الحواجز والبوابات) والتحكّم بحركة المواطنين، وضرب اقتصاد الفلسطينيين”.

 

“لم يكن الأمر كذلك خلال العقدين الماضيين”، أضاف داوود، وبحسب مدير عام التوثيق والنشر في هيئة الجدار والاستيطان، “كان الإغلاق يقتصر على مستوى المحافظات ويتم إغلاق المفاصل الرئيسية في الضفة الغربية والقدس المحتلة. أما اليوم فقد طوّر الاحتلال منظومة الإغلاق لتصبح على مستوى المدينة والقرية والبلدة، أي على مستوى المفاصل الصغيرة، وأصبحت تقوم بإغلاق القرية بشكل محكم، كما البلدة والمدينة وهذا هو الجانب المستحدث؛ أي نزول فكرة الإغلاق إلى مستوى التجمّعات الصغيرة في القرى والبلدات”.

 

وأشار السائق إلى خط رام الله – نابلس، معتصم محمد محمود، إلى صعوبة التنقّل بين مدينتي رام الله ونابلس بسبب الحواجز: قائلاً: “أصبح التنقّل عبر الحواجز عبارة عن معاناة منذ السابع من أكتوبر، فأحياناً تكون هنالك خمسة حواجز أو أربعة أو فقط اثنين. نمرّ عبر عدة حواجز خلال الانتقال بين رام الله ونابلس؛ منها حاجز عورتا والمربعة وزعترة، وأحياناً حاجز عين سينيا الذي يُدخلنا إلى مدينة رام الله، وتستغرق الطريق عدة ساعات”.

 

وفيما يتعلّق بانعكاس الحواجز على الوضع الاقتصادي، فقد أوضح السائق معتصم أنّ خط عمل المواصلات العامة قد انخفض إلى النصف وأقلّ، “فقبل الحرب كان السائق يعمل بمعدل خمس إلى ست مرّات (أي حمولة السيارة ذهاباً وإياباً)، بينما بعد الحرب تقلّص عدد الحمولة، مما أثّر على الدخل المادي للسائقين بالتوازي مع تأثير ذلك على المواطنين الذين أصبحوا يدفعون كلفة مواصلات أعلى بمعدل زيادة 4 شيكل على الأجرة الأساسية”.

 

أما فيما يتعلق بالتنقّل من مناطق جنوب الضفة الغربية مثل منطقة الخليل إلى مدينة رام الله فقد قال السائق على خط الخليل- رام الله، فايز الجنيدي: “زاد عدد الحواجز بشكل كبير، وهي الحواجز التي يتمّ نصبها في الطريق مثل حاجز على مدخل الخليل الشمالي: راس الجورة ويفتح بساعات معيّنة، ومن ثم حاجز على طريق جناتا، بالإضافة إلى الحواجز الأساسية مثل حاجز الكونتينر، ثم حاجز جبع وبعده طريق مخيم قلنديا وقد نصب الاحتلال فيه حاجز قلنديا العسكري الذي يمثّل نقطة دخول لحملة الهوية الزرقاء والتصاريح لمدينة القدس، وإغلاق الحواجز يؤدي إلى خلق أزمة سير خانقة”.

 

وقد أثّرت الزيادة في كلفة النقل من خلال المواصلات العامة على فئة طلبة الجامعات الذين يتنقّلون من مدنهم وقراهم إلى الجامعة بشكل يومي. في السياق، قالت قمر الشافعي، منسّقة مجموعة أخوات دلال التابعة لحركة الشبيبة الطالبية في جامعة بيرزيت: “لقد أثّرت الحواجز على قدرة الطلبة على الوصول إلى الجامعة بسبب عمليات الإغلاق المتكررة لها، بالإضافة إلى رفع سائقي المركبات العمومية لكلفة المواصلات العامة نتيجة اللجوء للطرق الالتفافية، ما أدى إلى عدم قدرة غالبية الطلبة على التكيّف مع هذا التغيّر الاقتصادي، في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد بسبب الحرب. وحتى عند تفكير الطلبة ببديل آخر مثل المواصلات الخاصة فتكون مكلفة أكثر من ناحية مادية، ما يجعل الخيارات البديلة محدودة”.

 

 

استنزاف يومي في سياق الحياة الاجتماعية

 

لا يتوقّف تأثير الحواجز الإسرائيلية على الجوانب الاقتصادية فقط، بل سعت المنظومة الأمنية الإسرائيلية للتحكّم من خلالها بهندسة الحياة الاجتماعية اليومية للفلسطينيين المارّين عبر هذه الحواجز، محدثة بذلك حالة قلق دائمة بسبب الوضع المجهول لحالة الحواجز.

 

وفيما يتعلق بعملية الإغلاق باعتبارها انعكاساً لفكرة وهدف الحواجز الإسرائيلية، قال أمير داوود: “الخطر في موضوع الإغلاق، هو أنه مؤقت، لكن الاحتلال يتحكّم بأوقات الإغلاق، فالحواجز والبوابات دائماً موجودة ولكن إغلاقها والتحكّم بمسار حركة المواطنين الفلسطينيين يرتبط بمزاجية الاحتلال، وتبقى رهن جندي عمره 18 عاماً يغلق الضفة الغربية أو يفتحها بشكل تام. ولذلك فإن سرعة الاحتلال بفرض الإغلاق واختياره توقيته هو أخطر ما في موضوع الإغلاق”.

 

ودفع هذا الأمر المواطنين الفلسطينيين بمختلف مواقعهم المهنية والأدوار المجتمعية إلى تقليص أنماط التفاعل الاجتماعية الخاصة بهم، واقتصار خروجهم على الأمور الضرورية والمستعجلة. وأوضحت نجد علوي، وهي مواطنة من قرية دير جرير شمال شرق مدينة رام الله أنه “بسبب الحواجز الإسرائيلية زاد وقت الطريق من قريتي إلى المدينة إلى أكثر من ساعة كل يوم، أدى هذا إلى التأثير على حياتي الاجتماعية اليومية، فأصبحت أقلّص العديد من أنشطة وفاعليات أود أن أشارك فيها، وبتّ ألغي العديد من الأمور التي أكون قد خططت لها، وذلك لأن وجود الحاجز يدفعني للتفكير أكثر من مرة بقراري بالخروج لقضاء حاجة متعلقة بي أو قضاء زيارة اجتماعية خارج القرية. فأنا كصحافية قد أبلّغ بأحداث طارئة باللحظة نفسها لكن لا أتمكّن من الوصول إليها، بسبب زيادة عدد الحواجز الإسرائيلية”.

 

ويعبّر صالح زياد زيتاوي السائق على خط طولكرم- رام الله عن الوضع، قائلاً: “هنالك ركّاب يتعبون جداً، جسدياً ونفسياً، ولا يتحمّلون طول مسافة الطريق، أما على صعيدي الشخصي فأنا لا أحبّ أن أذهب من الطرق الالتفافية فهذا متعب ومرهق ولكن لا يوجد بديل”. أما فايز الجنيدي السائق على خط الخليل- رام الله، فقد قال عن الوقت الذي تستغرقه الطريق: “بعد الحرب تأثّرت حياتي الاجتماعية اليومية والنفسية جداً؛ فقد أصبحت أبدأ العمل منذ ساعات الفجر من أجل بدء رحلتي من الخليل إلى رام الله من أجل أن أحجز دوراً للعمل، وبسبب قلة حركة المواطنين أبقى أنتظر لوقت طويل، وقد لا أصل قبل صلاة العشاء إلى المنزل، وهذا كله مرتبط بالقدرة التشغيلية للسيارة، فالوقت الضائع كله على حساب وقود السيارة، وهذا يضاف إلى الكلفة الاستهلاكية اليومية”.

 

فيروز سلامة

 

أ.ش

المصدر: الميادين