المنهج التربوي العام في العلاقات الأسرية

إنّ للمنهج المتّبع فى الحياة تأثيراً على السلوك، فهو الذي يجعل الإيمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع، ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة. إنّ وحدة المنهج تؤدّي إلى وحدة السلوك

أولاً: الاتفاق على منهج مشترك

 

إنّ للمنهج المتّبع فى الحياة تأثيراً على السلوك، فهو الذي يجعل الإيمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع، ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة. إنّ وحدة المنهج تؤدّي إلى وحدة السلوك، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن به السلوك من حيث الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة؛ فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والأدوار والواجبات في مختلف الجوانب. والمنهج الإسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنّيها في الأسرة المسلمة، فهو منهج ربّاني موضوع من قِبَل الله تعالى، المهيمن على الحياة بأسرها، لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق، وهو موضع قبول من الإنسان المسلم والأسرة المسلمة، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى. وهذه الخاصية تدفع الأسرة إلى الاقتناع باتّباع هذا المنهج، وتقرير مبادئه في داخلها؛ فلا مجال للنقاش في خطته أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه؛ فهو الكفيل بتحقيق السعادة الأسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة. وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الأدوار، فإنّ تعاليم المنهج الإسلامي تتدخل لإنهائه وتجاوزه.

 

 

ثانياً: علاقات المودّة:

 

من واجبات الوالدين إشاعة الود والاستقرار والطمأنينة داخل الأسرة، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً…)

 

فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين هي علاقة مودة ورحمة، وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للأعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد، وهي رابطة تؤدّي إلى تماسك الأسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموحّد، والمودّة والرحمة تؤدّي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حلّ جميع المشاكل وإزالة العوائق الطارئة على الأسرة، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل، يقول الدكتور سبوك: (اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين، ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة).

 

ويجب على الزوجين إدامة المودة في علاقاتهما في جميع المراحل، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها، والمودة أوجدها الله تعالى، فتكون إدامتها استجابة له تعالى وتقرباً إليه، وقد أوصى الإمام علي بن الحسين عليه السلام بها فقال: ((وأما حقّ رعيتك بملك النكاح، فإن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أن ذلك منة عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها وذلك عظيم..)).

 

ومن العوامل المساعدة على إدامة المودة والحب وكسب ودّ الزوج، هي الانفتاح على الزوج واستجابتها إلى ما يريد، قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: ((خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء، وإذا لبست لبست معه درع الحياء)).

 

فهي منفتحة على زوجها مع تقدير مكانته، وبعبارة أخرى التوازن بين الاحترام وعدم التكلّف.

 

وحدّد الإمام علي بن الحسين عليه السلام العوامل التي تعمّق المودّة والرحمة والحب داخل الأسرة، فقال: ((لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهى الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غنى بالزوجة فيما بينها وين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال، وهي صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينيه)).

 

وعلاقات المودّة والرحمة والحبّ ضرورية في جميع مراحل الحياة، وخصوصاً في مرحلة الحمل والرضاعة، لأن الزوجة بحاجة إلى الاطمئنان والاستقرار العاطفي، وإنّ ذلك له تأثير على الجنين وعلى الطفل في مرحلة الرضاع كما سيأتي.

 

 

ثالثاً: مراعاة الحقوق والواجبات:

 

وضع المنهج الإسلامي حقوقاً وواجبات على كل من الزوجين، والمراعاة لها كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة.

 

ومن أهم حقوق الزوج هو حقّ القيمومة، قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ…).

 

 

فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق، لأن الحياة الأسرية لا تسير بلا قوامة، والقوامة للرجل منسجمة مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكل من الزوجين، وأن تراعي هذه القوامة في تعاملها مع الأطفال، وتشعرهم بمقام والدهم.

 

 

رابعاً: تجنّب إثارة المشاكل والخلافات:

 

إنّ المشاكل والخلافات في داخل الأسرة تخلق أجواءً متوترة ومتشنّجة تهدّد استقرارها وتماسكها، وقد تؤدّي في أغلب الأحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية، وتقويض الأسرة، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأسرة بما فيها الأطفال، حيث تؤدّي الخلافات والأوضاع المتشنّجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي يعيشها بدءاً من أشهر الحمل الأولى، والسنين الأولى بعد الولادة، والمراحل اللاحقة بها.

 

فالشعور بالأمن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناءً سويّاً متزناً، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة.

 

والمنهج الإسلامي مبتنٍ على أُسلوب الحثّ والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث، وأسلوب الردع والذمّ للممارسات الخلافية، أو التي تؤدّي إلى الخلافات.

 

 

خامساً: التحذير من الطلاق:

 

حذّر الإسلام من الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الأطفال وعلى المجتمع، فالطلاق مصدر للقلق عند الأطفال ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي، حيث أن الطفل بحاجة إلى الحبّ والحنان من كلا الوالدين على حدّ سواء، بل مجرّد التفكير بالطلاق يولّد القلق والاضطراب في أعماقه، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلباً على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السويّة، وقد وضع الإسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار انفصام العلاقات الزوجية وتهديم الأسرة، فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ((أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتّى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة)).

 

وحثّ الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق، فدعا إلى توثيق رباط المودّة والمحبّة، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدّي إلى الطلاق، فأمر بالعشرة بالمعروف، قال الله تعالى: (.. وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً).