الصهيونية والنازية.. وطريق الهلاك

النازية التي هزمت منذ أكثر من 70 عاماً لا يزال الإسرائيليون يعملون على إعادة إحيائها، إذ تحضر التجربة النازية ورموزها في كل الخطابات والأدبيات الإسرائيلية.

2024-07-30

لا يملّ الإسرائيليون من استحضار النازية في خطابهم، وصولاً إلى أنَّ بعض الكتاب الإسرائيليين رأوا أن هناك محاولة مستمرة في “إسرائيل” لإعادة إحياء النازية ورموزها لتبرير المجازر والجرائم التي لم يتوقف الإسرائيليون عن ارتكابها منذ انطلاق الحركة اليهودية، إلا أن المقاربة الإسرائيلية للنازية لا تقف عند هذا الحد العدائي.

 

المفارقة أن الطرفين يتشابهان إلى حد التطابق، ولكليهما سلوك إجرامي يكاد يكون واحداً من حيث الشكل والمضمون. تؤكد الوقائع التاريخية هذا الأمر، وتؤكد الحرب الإسرائيلية على غزة وصول هذه الحقيقة إلى ذروتها.

 

يشير المفكر المصري عبد الوهاب المسيري في كتابه “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ” إلى هذه الحقيقة، ويخلص إلى أن فكرة أن حل “المشكلة الفلسطينية” يتحقق من خلال إلغاء وجود الشعب الفلسطيني ليست سوى مقولة تخص فكر النازية التي تقوم على إلغاء كل عقبة تقف أمام مشروعها.

 

ويرى المسيري أن الحركة الصهيونية كانت رائدة في تكريس ممارسات الإلغاء والإقصاء والتهميش التي مارستها بعد ذلك الفاشية والنازية، وأن الصهاينة بدأوا باتباع ذلك الأسلوب قبل سنوات عديدة من ولادة الحركات الفاشية والنازية.

 

كما أكدت دراسات عديدة أن الأمور تخطت مجرد التشابه أو التطابق، وأن تعاوناً نشأ بين الطرفين، وصولاً إلى عقد اتفاقات بينهما.

 

الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان من أوائل الذين أشاروا إلى هذا التعاون. لدى عباس أطروحة قدّمها لمعهد موسكو عام 1982 عن العلاقات بين الصهيونية والنازية، ثم حولها إلى كتاب عام 1984 بعنوان: “الوجه الآخر: العلاقات السرية بين النازية والصهيونية”. تحدث عباس عن الاتفاق الذي وقع بين الحركة الصهيونية وقادة الرايخ الثالث عام 1933، والذي يقضي ببيع اليهود ممتلكاتهم للألمان في مقابل تسهيل ترحيلهم إلى فلسطين.

 

البريطاني اليساري كين ليفينغستون ذكر الكثير من تفاصيل هذا التعاون النازي الصهيوني، واعتبر أن “الصهاينة هم المجموعة اليهودية الوحيدة التي كان هتلر مستعداً للعمل معها”، وتحدَّث عن تفاوض الصهيوني العمالي حاييم أرلوسوروف على اتفاق أسَّس، بحسب ليفينغستون، لما سمّاه “تاريخاً حقيقياً من التعاون”.

 

أرلوروسوروف هذا كان ضحية أول عملية اغتيال في تاريخ الصهيونية لدوره في التوصل إلى هذا الاتفاق.

 

لم يؤدِ الاغتيال إلى نهاية القصة الصهيونية النازية. أكدت الوقائع أن للقصة وجوهاً وفصولاً مختلفة. الكذب أحدها. كذب نتيناهو وأسلافه من القادة الإسرائيليين يشبه إلى حد التطابق الكذب الذي اعتمدته النازية، والذي تحدثت عنه الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنة أردنت في كتابها المثير للجدل “إيخمان في القدس”.

 

تقول أرندت: “أصبح الكذب جزءاً لا يتجزأ من الشخصية القومية الألمانية. أثناء الحرب، كانت الأكذوبة الأكثر تأثيراً في عامة الألمان هي شعار “حانت معركة القدر بالنسبة إلى الشعب الألماني”؛ ذلك الشعار الذي أطلقه هتلر أو غوبلز، والذي يوحي أول ما يوحي بأن تلك الحرب لم تكن حرباً، وثانياً أن القدر، وليس ألمانيا، هو الذي أشعلها، وثالثاً أنها كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الألمان الذين كانوا مطالبين بإبادة أعدائهم، وإلا تعرضوا هم أنفسهم للإبادة”.

 

لقد طور الصهاينة، كما النازيون، الكذب إلى عملية ممنهجة. هذه المسألة يوضحها أفراهام بورغ في كتابه “هزيمة هتلر”، والذي سبب صدمة في “إسرائيل” لدى صدوره عام 2007، فكاتبه الذي كان رئيساً للكنيست يشن فيه هجوماً على الصهيونية.

 

يتحدَّث بورغ عن اعتماد الإسرائيليين وتبنّيهم نهجاً انتهجه النازيون ببراعة، وهو “تحويل كل ما هو منحرف وفاسد إلى التجسيد الأمثل للسلامة العقلية والنفسية”، وهذا ما أدى، في رأيه، إلى “أن يبتلع الألمان كل ما قيل لهم”.

 

هذه العملية سُمّيت بـ”مغسلة الكلام الألمانية” التي هدفت إلى غسل دماغ الناس. يضيف بورغ “أن مغسلة الكلمات الإسرائيلية هي واحدة من أكثر مغاسل الكلام تطوراً في العالم”. وكما النازيون، يكثر الإسرائيليون من الكلام عن “حروب الحياة والموت”، وعن خطر “الإبادة” الذي يتهددهم باستمرار.

 

تصل عملية غسل الكلام إلى مستوى سوريالي حين نرى، وفق بورغ، “أن الجيش الإسرائيلي، وهو من أكثر جيوش العالم هجومية واعتداء، ما زال يحمل رسمياً اسم جيش الدفاع”.

 

لا يقتصر التشابه بين النازية والصهيونية على الاعتماد على مغسلة الكلام. يتحدث بورغ عما هو أخطر. يقول: “في أثناء تحرير كتاب هزيمة هتلر، اكتشفت أن الهياكل الحكومية والاجتماعية والقومية الأقرب شبهاً إلى هياكلنا هي تلك التي سادت في ألمانيا الموحدة بدءاً من صعود الرايخ الثاني وحتى حلول زمن الفوضى والاضطراب الذي أفرز النازية”.

 

ويتوقف بورغ عند التشابه الكبير في مسألة دور المؤسسة العسكرية في التجربتين. يوضح أنَّ “الجيش يبقى الركيزة الأساسية لحياة المواطن الإسرائيلي ولهويته، وتعدّ بعض وحدات الاستخبارات والتقنية العسكرية بمنزلة طريق معبر للحصول على أعلى المراكز في مجال صناعة التكنولوجيا، كما أن الكثير من الوظائف الكبرى في مجال الإدارة العامة يشغلها كبار قدامى الضباط بالجيش، مثل النواب والوزراء، وصولاً إلى رؤساء الحكومات”.

 

يرى رئيس الكنيست الأسبق أن “الجيش الإسرائيلي بمنزلة “أرضٍ خصبة لاستنبات رجال الدولة”، ويضيف: “لسنا أول من ابتدع المجتمع ذا الطابع العسكري، فقد سبقنا إلى ذلك آخرون، في مقدمتهم الدولة الألمانية النازية”.

 

هذه النازية التي هزمت منذ أكثر من 70 عاماً لا يزال الإسرائيليون يعملون على إعادة إحيائها. تحضر التجربة النازية ورموزها في كل الخطابات والأدبيات الإسرائيلية.

 

في العام 1982، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان مثلاً، وصف بيغن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بـ”الحيوان ذي القدمين”، وهو التوصيف نفسه الذي كان يطلقه على هتلر. كما وصف رئيس حكومة “إسرائيل” الأسبق ميثاق منظمة التحرير بكتاب “كفاحي” لهتلر.

 

أيضاً، قال بيغن للرئيس الأميركي آنذاك ريغن إنه كان يشعر أثناء العمليات كأنه يهاجم هتلر في مخبئه في برلين. هذا الكلام ردّ عليه أحد الكتاب الإسرائيليين اليساريين آموس أوز في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إذ نشر مقالاً بعنوان “هتلر مات يا سيادة رئيس الوزراء”، وجاء فيه: “السيد بيغن.. مرة أخرى، ومثلما دائماً كان دأبك، ها أنت تكشف لعامة الناس عن نزعة عجيبة فيك؛ نزعة تجنح إلى إعادة إحياء هتلر لتتمكن من قتله”، وأضاف: “تلك النزعة التي تهدف إلى بعث هتلر وتصفيته مراراً وتكراراً هي نتاج قلق نفسي قد يعبّر عنه الشعراء، ولكن تلك النزعة إذا ما راودت رجال الدولة فهي خطر مدمّر يسوق البلاد على طريق الهلاك”.

 

بعد أكثر من 40 عاماً على هذا التحذير، يستمرّ “رجال الدولة” في “إسرائيل” باعتماد المنهج نفسه. خطاب نتنياهو في الكونغرس هو أحد أقوى الأدلة على ذلك. ويبدو أن لدى نتنياهو أكثر من غيره من المسؤولين الإسرائيليين نزعات عديدة مدمرة ستسوق “إسرائيل” إلى الهلاك، وبوتيرة أسرع مما توقعها أوز.

 

المصدر: بثينة عليق/ الميادين

الاخبار ذات الصلة