الإسلام ورعاية المسنين

المسن طاقة وثروة اجتماعية، ينبغي الاستفادة منها بما يناسب الظروف الراهنة، سواء في القيام ببعض الأعمال التطوعية أو إسداء النصح والمشورة وتقديم الآراء والخبرات التي ترتبط بمجالات تخصصهم وفهمهم. لذلك فقد جاء في الحديث الشريف " رأي الشيخ ولا جلد الصبي "

استفحال النـزاعات العائلية والاجتماعية، يدفع بشكل أو بآخر إلى إهمال المسنين وعدم الالتفات إلى متطلباتهما وحاجاتهما النفسية والاجتماعية والجسدية. لذلك نرى أن إصلاح الأوضاع الاجتماعية، وتنظيم المحيط الأسري وتوعيته، يساهم في تطوير مستوى الرعاية لدى المسنين. فالأسرة بما تشكل من علاقات وبيئة، هي المسؤولة الأولى…

عديدة هي العوامل التي تدفعنا إلى دراسة مشروع الإسلام في رعاية الشيوخ والمسنين. ولعل من أهم هذه العوامل هي ضرورة إبراز نظرية الإسلام في هذا المجال، وللمساهمة الإيجابية والعملية في صناعة الوقائع والحقائق المجتمعية، التي تزيد من الوحدة الاجتماعية، وتكثف أطر التعاون والتكافل، وتنهي العديد من المشكلات القائمة.

 

والدين الإسلامي يسعى عبر توجيهاته ونظمه الاجتماعية والأخلاقية، أن يشيع أجواء الرحمة والاحترام والعطف والإحسان في العلاقات الداخلية بين أبناء المجتمع الإسلامي. وذلك لأن هذه الأجواء هي التي تتمكن من امتصاص كل السلبيات وتجاوز كل العقبات، التي تحول دون المزيد من التلاحم والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد.

 

لذلك جاء عن رسول الله (ص) ” رحـم الله ولدا أعان والديه على بره، ورحم الله والدا أعان ولده على بره، ورحم الله جارا أعان جاره على بره، ورحم الله رفيقا أعان رفيقه على بره، ورحم الله خليطا أعان خليطه على بره، ورحم الله رجلا أعان سلطانه على بره “.

 

وبهذا تتشكل خريطة اجتماعية متكاملة، كل دائرة تسند الأخرى، وكل فرد يسعى نحو دعم الآخرين. فإعانة الآخرين وفق هذا المنظور، هي بوابة إعانة الذات.

 

وبهذه الروح والأخلاقية، تنمو قيم الخير والفضيلة في الوسط الاجتماعي، وتتضاءل كل مظاهـــر الأثرة والأنانية والجشع. لذلك جــاء في الحديث الشريف “أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا، وأوسطهم أخا، وكبيرهم أبا، فارحم ولدك وصل أخاك وبرّ أباك”.

 

فالاحترام يولد الوئام والتآلف، والتحقير مهما كان شكله ومستواه، يصنع البغضاء والتشنج والعصبيات المقيتة. لذلك نجد أن التوجيهات الإسلامية تؤكد على قيمة الاحترام والبر والإحسان، وتنبذ بكل المستويات أساليب التحقير والإهانة والتكبر.

 

 

المسن والواقع الاجتماعي:

 

مع التطور العلمي والصحي، ارتفع عدد المسنين في العالم. “إذ تشير الإحصاءات الدولية إلى أن عدد المسنين (60 سنة فأكثر) على مستوى العالم بلغ (250) مليونا عام 1960م، ثم ارتفع هذا العدد إلى (376) مليونــا عام 1980م. كما تشــير التقديرات الحالية (عام 2000) أن عدد المسنين في العالم (600) مليون، ثم إلى (950) مليونا عام (2020). وفي المقابل ترتفـــع نسبة المسنين إلى سكــان العــالم من (2,8%) إلى حوالي (5,12%) عام (2020) “.

 

ولم يحدثنا التاريخ الإنساني عن ظاهرة تزايد عدد المسنين بهذه الكمية، بمثل ما هو متوفر في عصرنا الحاضر.

 

وهذه الحقيقة (تزايد عدد المسنين في العالم)، ينبغي أن تنعكس على الأنظمة الاجتماعية والخدمات والمهن الإنسانية التي تتعامل مع المسنين. إذ كلما ارتفعت أعداد المسنين، تعددت وتنوعت الحاجات والمتطلبات، الأمر الذي يجعل من رعاية المسنين قضية ملحة على المستويين الاجتماعي والإنساني.

 

ولابد أن ندرك أن التقدم في العمر والوصول إلى سن الشيخوخة، ليس مشكلة بذاتها، وإنما ما نود قوله، أن لكل فئة عمرية مشكلاتها التي ينبغي أن تتظافر الجهود لعلاجها بما يتناسب وطبيعة الفئة العمرية. وإزاء هذه التحولات الاجتماعية السريعة التي نشهدها، ينبغي أن نلتفت إلى هذه المشكلة، للعمل على تطوير المهن الإنسانية وأساليب الخدمة الاجتماعية، لتوفير أرقى حالة ممكنة في رعاية المسنين.

 

ولا بد أن ندرك في هذا الإطار، أن استفحال النـزاعات العائلية والاجتماعية، يدفع بشكل أو بآخر إلى إهمال المسنين وعدم الالتفات إلى متطلباتهما وحاجاتهما النفسية والاجتماعية والجسدية. لذلك نرى أن إصلاح الأوضاع الاجتماعية، وتنظيم المحيط الأسري وتوعيته، يساهم في تطوير مستوى الرعاية لدى المسنين.

 

فالأسرة بما تشكل من علاقات وبيئة، هي المسؤولة الأولى عن رعاية المسنين لديها. فمؤسسات الإيواء ليست بديلا عن الأسرة في هذا المجال، وذلك لأن الأسرة تمتلك مواصفات لا تملكها مؤسسات الإيواء. لذلك ينبغي أن تلتفت كل الأسر، إلى ضرورة العناية بالشيوخ والمسنين، لأنها هي البيئة المثلى لتوفير كل أشكال الرعاية للمسن.

 

“ولقد أكد الإسلام على هذا النمط من الرعاية وأولاه عناية خاصة بحيث جعله الأمان للإنسان حينما يصل إلى هذه المرحلة من العمر، إن جميع برامج وأجهزة رعاية المسنين على تنوعها ومهما كان مستوى أدائها مرتفعا وكفاءة العمل بها عالية، لا يمكن أن توفر للمسنين ما توفره الأسرة لهم من حب حقيقي وعلاقات حميمية، وأمان ومشاعر إنسانية،كما أن كفالة الأسرة لمسنيها ورعايتها لهم لا تعود فائدته على المسن وحده، إنما تعود على أفراد الأسرة جميعا صغارا وكبارا. فهي تنمي ذلك الشعور بالانتماء الإنساني الذي لا بد وأن ينمو في الأســرة حتى يمتد من أفرادها إلى جيرتهم ومجتمعهم ووطنهم الأكبر “.

 

لذلك “تشير نتائج العديد من الدراسات والبحوث، إلى كبار السن الذين يوجد لديهم أبناء بالغون يفضلون تلقي الرعاية في بيوت أبنائهم، رافضين أي شكل من أشكال الرعاية المؤسسية الداخلية المغلقة متى توافرت الظروف لذلك”.

 

فاستمرار المسن في نفس المناخ الأسري الذي أمضى فيه حياته، يبعث على اطمئنانه النفسي وتوافقه الاجتماعي.. فرعاية المسنين تبدأ من الأسرة نفسها، بحيث يتحمل عضو أو أكثر من الأسرة مسؤولياتهم تجاه رعاية الآباء والأمهات المسنين.

 

وفي هذا الإطار “كشف استطلاع رأي لعينة من كبار السن في سلطنة عمان عن رفض أغلبيتهم الرعاية خارج بيئاتهم الأسرية”.

 

 

رعاية المسنين والنظريات العلمية:

 

إن العناية بالدراسة العلمية للشيخوخة تعتبر من ظواهر القرن العشرين، حيث بدأ الاهتمام بهذا النوع من الدراسة من جانب علم الشيخوخة وعلم الشيخوخة الاجتماعي منذ الخمسينات في المجتمع الأمريكي. وذلك بفعل التغيرات الهائلة التي حدثت في نسيج النظام الاجتماعي والاقتصادي الأمريكي آنذاك. فمع تفتت الأسرة كنواة اجتماعية، برزت هذه المشكلة في المجتمع الأمريكي، لذلك توجهت التخصصات العلمية الاجتماعية لدراستها ووصفها، والوصول إلى حلول علمية لها تنسجم والمتغيرات الاجتماعية الجديدة.

 

وطرحت في الساحة العلمية ثلاث نظريات فيما يخص المسنين والرعاية الاجتماعية. و هذه النظريات هي الآتي:

 

 

نظرية فك الارتباط:

 

وهي من أقدم النظريات في علم الشيخوخة، وتنص على أن عملية التقدم في السن باعتبارها تتضمن بالضرورة تقليص النشاط أو الانسحاب الذي لا بد منه من جانب المسن، الأمر الذي يؤدي إلى الحد تدريجيا من تفاعله مع المحيطين به في الوسط الاجتماعي. فالانسحاب يحرر المسن من الضغوط التي يفرضها عليه المجتمع من أجل الاستمرار في الإنتاج، كما أنه يهيئ الفرصة للأجيال الشابة لكي تحل محل المسنين وتقوم بالأدوار المطلوبة.

 

أثارت هذه النظرية كثيرا من الجدل، وكانت عرضة لانتقادات شديدة على أساس أن حتمية فك الارتباط أو الانسحاب أمر غير مقبول.

 

إضافة إلى أن الاتجاه السائد اليوم في المجتمعات المعاصرة على خلاف ذلك. حيث يشجع المسنون على الاعتماد على الذات والاندماج في الحياة وممارسة الأنشطة لأطول فترة ممكنة. وإنه ليس من مصلحة المسنين تحقيق هذا الانسحاب.

 

 

نظرية النشاط:

 

وظهرت هذه النظرية في منتصف الخمسينات من القرن العشرين، وتقوم على التسليم بأن للمسنين نفس الحاجات الاجتماعية والنفسية المرتبطة بممارسة الأنشطة المختلفة، مثلهم في ذلك مثل الفئات العمرية الأخرى.

 

فالشيخوخة السوية تتطلب المحافظة على مختلف الأنشطة والاتجاهات التي سادت في حياة المسن في أواسط العمر وذلك لأطول فتة ممكنة. وبناءا على هذه النظرية يصبح السبيل إلى شيخوخة ناجحة، هو المحافظة على أعلى درجة من النشاط. إذ كلما تدنى هذا النشاط، انعكس سلبا على التكيف مع الحياة، وما يترتب على ذلك من عدم إحساسهم بالنفع وبالتالي عدم رضائهم عن تلك الحياة.

 

 

نظرية الاستمرار:

 

وتقوم على الجمع بين الاستمرارية في عملية التنشئة الاجتماعية وبين مفهوم مراحل الحياة في علم نفس النمو، ليصبح جوهر النظرية هو استمرار أنماط السلوك في مراحل العمر المتتالية. ويرى أصحاب هذه النظرية من علماء الاجتماع أن تجارب الفرد في مرحلة ما من حياته تعد للدور أو الأدوار المطلوبة منه في المرحلة التالية، بل إن تربية الأطفال تسهم في استمرار عملية التنشئة الاجتماعية، من خلال إعداد الطفل للمراحل المتعاقبة من الحياة. وبناء على ذلك يفسر أصحاب النظرية ما قد يصاحب التقاعد من مشكلات، على أساس أن التقاعد لا يحقق الاستمرار، بل قد يعد انقطاعا عن مراحل العمر السابقة (توقف العمل كدور هام في الحياة، عدم الحاجة إلى مهارات العمل، ضعف دوافع الإنجاز والنجاح).

 

وحفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات، التي توضح الأعراض التي تصيب الإنسان في مراحل العمر المتتالية. فقد قال تعالى [والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير].

 

وقال تعالى [الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير].

 

وقال عز من قائل [ذكر رحمت ربك عبده زكريا، إذ نادى ربه نداء خفيا، قال رب إني وهن العظم مني وأشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا].

 

فالشيخوخة ليست نشاطا دائما، وليست انسحابا تاما من الحياة. وإنما هي مرحلة من مراحل عمر الإنسان. ينبغي أن تستثمر في العبادة وفعل الصالحات وممارسة الحياة بما يناسب الوضع النفسي والجسدي للإنسان الذي وصل إلى هذه المرحلة من العمر.

 

فالانسحاب من الحياة بدعوى الشيخوخة والتقاعد، يفضي إلى ضياع الوقت وبالتالي جزء من عمر الإنسان فيما لا فائدة منه.

 

والعمل الشاق الذي لا يتحمله الإنسان الشيخ والمسن أيضا فيه ظلم إلى الإنسان وذلك لأن لبدنك حق عليك.

 

وإن التقدم في العمر والوصول إلى مرحلة الشيخوخة، تختلف من شخص لآخر، وتتأثر حياة كبار السن بالعديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية.

 

فالمجتمع الذي تسوده أخلاق الأثرة والأنانية والمصلحة الضيقة، لن يجد المسنون فيه رعاية لائقة ومناسبة. كما أن المجتمع الذي تسوده قيم العدل والإحسان والإيثار، فإنه سيبدع الكثير من أشكال الرعاية لكل الحلقات الضعيفة في المجتمع، ومن ضمنهم كبار السن. لذلك فإن مجموع العوامل الاجتماعية والثقافية، تأثر سلبا أو إيجابا في مستوى الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للمسنين.

 

وإن المسن القادر على العطاء، حينما يتوقف ويخلد إلى الركود والهمود ويتعذر بتقاعده دون تشغيل طاقاته واستثمار إمكاناته، سيصاب بالعديد من الظواهر المرضية سواء على المستوى النفسي أو المستوى الجسدي. لذلك ينبغي لنا كمجتمع أن نبحث عن التدابير اللازمة والأطر المناسبة، لكي يستمر المسن في القيام ببعض الأعمال المناسبة، وذلك ضمن إطار وسياق تنموي – اجتماعي، لا يستثني كبار السن عن القيام بالأدوار المطلوبة.

 

ولعل من المناسب أن نشير إلى ضرورة إنشاء مراكز أو نواد للمسنين لمساعدتهم على الاستمرار في النشاط العقلي والجسمي والنفسي. ومن الأهمية بمكان أن تكون أنشطة هذه المراكز والأندية ملائمة نفسيا وجسديا واجتماعيا للمسنين. وذلك لأن لكل فئة عمرية متطلبات معينة لا بد من الوفاء بها.

 

ومن الضروري أن يكون لدى المسن الاستعداد والقدرة على المحافظة على أسلوبهم في الحياة عند التقاعد.

 

ولابد من إدراك أن المسنين ليسوا فئة متجانسة مع بعضها البعض. فلكل مسن ظروفه الخاصة وأوضاعه الموضوعية التي تحدد بشكل أو بآخر الطريقة المثلى للتعامل معه.

 

وما نود قوله في هذا المجال: أن العمل على إخراج المسن من حالة العزلة، وإدخاله في الدورة الاجتماعية الطبيعية بما يناسب إمكاناته النفسية والجسدية وتاريخه الاجتماعي، يعد جزءاً أساسيا من مفهوم رعاية المسنين في المنظور الإسلامي. وذلك لأن الشعور بالعجز والبطالة والكسل والاعتماد على الآخرين، هو الذي يساهم في تردي أوضاع المسنين في الكثير من البلدان والمجتمعات. ولا بد أن ينظر الإنسان المسلم ” إلى التقاعد عن العمل الرسمي أو اعتزال الخدمة على أنه متغير إيجابي في حياته يحرره من قيود الوظيفة ويطلق لطاقاته وقدراته العنان في أعمال تعود بالنفع عليه وعلى أسرته ومجتمعه وأمته ودينه. إن الإسلام يرى أن مهمة الإنسان في الحياة الدنيا هي خلافة الله في الأرض [وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة]، وإن دوره في أداء هذه المهمة وغايته منها هو عبادة الله عز وجل: [ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ]. ومفهوم العبادة في الإسلام يتسع حتى إنه يشمل جميع الأعمال والأنشطة والمشاعر وحتى الرغبات التي يطلق لها العنان في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله.

 

ومن هنا فالعمل جزء من العبادة في تصور الإسلام، ويرتبط العمل في القرآن الكريم بالإيمان ويرتبط بقيمة أخرى هي إتقان العمل واستمراريته حتى ” ولو قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فــإن استطاع ألا يقـوم حتى يغرسها فليغرسها “، كما جاء في الحديث الشريف”.

 

فالمسن طاقة وثروة اجتماعية، ينبغي الاستفادة منها بما يناسب الظروف الراهنة، سواء في القيام ببعض الأعمال التطوعية أو إسداء النصح والمشورة وتقديم الآراء والخبرات التي ترتبط بمجالات تخصصهم وفهمهم. لذلك فقد جاء في الحديث الشريف ” رأي الشيخ ولا جلد الصبي “..

 

 

التعاون والتكافل:

 

فالإسلام حينما أكد على قيمة التعاون، إنما أكدها من أجل أن يتعاون الإنسـان المسلم مع إخوانه وأبناء مجتمعه وأمته في مواجهة أعباء الحياة ماديا ومعنويا. والتكافل كقيمة دينية واجتماعية، جاءت لتؤكد هذه الحقيقة.

 

فقيمتي التعاون والتكافل، تدفعان الإنسان المسلم إلى رعاية ذوي الحاجات وعلى رأس هؤلاء كبار السن، الذي ينبغي أن يتعاون أبناء المجتمع الواحد لرعاية احتياجاتهم المادية والنفسية والصحية والاجتماعية.

 

 

الاحترام المتبادل:

 

وذلك لأن سيادة هذه القيمة في علاقتنا الاجتماعية، يزيد من الأواصر الاجتماعية، ويمتص العديد من السلبيات والمشاكل، وذلك لأن ” جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء عليها “.

 

والقاعدة الأساسية التي تنطلق منها مقولة وضرورة الاحترام المتبادل في العلاقات الاجتماعية، هو إننا جميعا بحاجة أن ننظر إلى الآخرين نظرتنا إلى أنفسنا، وأن نتعامل مع الآخرين، كما نحب أن يتعامل معنا. فقد جاء إعرابي إلى النبي (ص) فقال: ” يا رسول الله علمني عملا أدخل به الجنة فقال ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم “.

 

فالاحترام المتبادل في العلاقات الاجتماعية بين مختلف الدوائر والشرائح، يبدأ من الإنسان نفسه. فهو الذي ينبغي أن يبادر إلى صياغة العلاقة مع غيره وفق ما يحب ويتطلع أن تكون علاقة الآخرين معه.

 

وجماع القول: أن احترام الآخرين والإحسان إليهم، هو الذي يقود إلى المحبة والوئام. ولا يمكننا أن نصل إلى التعاون والسعادة في المجتمع بإهانة الآخرين وحرمانهم من العطف والاحترام.

لذلك فإن المطلوب، هو احترام المسنين وتقديرهم ومحبتهم والتفاهم معهم والتعايش معهم، وذلك لأن هذا الاحترام بكل صوره وأشكاله هو رمز الفلاح والسعادة والتآلف في الأسرة والمجتمع.

 

ولنتذكر جميعا أن احترامنا وبرنا وتواضعنا لآبائنا، هو الذي يغرس في نفوس أبنائنا هذا السلوك الحسن. فقد جاء في الحديث الشريف ” بروا آبائكم تبركم أبناءكم “.

 

و”إن العمر ليقضي سراعا، ولن يمضي وقت طويل حتى يمسي الشباب كهولا والكهول شيوخا. فيا شباب اليوم وكهوله فكروا بغدكم وبيوم شيخوختكم، فبروا بآبائكم وأمهاتكم كما يأمر بذلك القرآن الكريم واحفظوا لهم حقوقهم الإنسانية، كي يحسن إليكم في الغد أبناؤكم ويحفظوا لكم حقوقكم “.

 

ولعل من الأخطاء الشائعة في مجتمعنا، الربط بين كبر السن والعجز وعدم القدرة على العطاء. إذ أن الإنسان في التصور الإسلامي مطالب بالعمل و العطاء إلى آخر لحظة من لحظات حياته مادام ذلك ممكنا. لذلك نجد أن بعض المسلمين في صدر الإسلام لم يكن يمنعهم من الخروج إلى الجهاد بلوغهم مرحلة الشيخوخة. فالقدرة لا ترتبط أبدا بالسن، فالتقدم في العمر لا يعني دائما العجز، ولا يعني التوقف عن العطاء.

 

والمسن وحتى يحافظ على صحته وسلامة جسمه، بحاجة أن يمارس بعض الأنشطة الخفيفة التي تحرك جسمه، ولكـن هذه الأنشطة ينبغي أن تمارس بدون إجهاد و تكلفة.

 

فلابد أن يبتعد المسن عن الأعمال الشاقة، والتي تتطلب جهدا متواصلا، والاكتفاء بأداء الأعمال المناسبة ذات الجهد القليل.

 

فالاعتدال في كل شيء، هو واجب المسن، حتى يحافظ على نفسه و صحته، فينبغي أن يكون معتدلا في عمله، وأكله، وإشباع غرائزه.

 

لذلك نجد أن التوجيهات الإسلامية، ذمت ذلك الشيخ (المسن) الذي يقوم بارتكاب الذنوب دون أن يردعه دين أو خلق إنساني.

 

لذلك من الضروري للمسن أن يغتنم فرصة عمره وفراغه، لتقوية صلته بالله عز وجل، وكسب العلم النافع، و أداء الفرائض و السنن الربانية.

 

 

محمد محفوظ