على العدو ومن خلف العدو أن ينتظر رداً آتٍ حتماً إن شاء الله وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان” في هذه الكلمات وما سبقها وتلاها من خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خارطة طريق لمرحلة جديدة واضحة يعلمها محور المقاومة جيداً ويجهلها “الإسرائيلي” ومن خلفه كما كان يجهل عواقب عدوانه على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومساسه بشرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واغتيال ضيفهم على أرضهم. وهنا لا بدّ من التشديد على مغبّة هذا الفعل المشين في منطقتنا المشرقية والتي اشتهرت عبر التاريخ بإكرام الضيف وليس دفنه!.. ومن يمسُّ الضيف بأذى كأنما مسًّ أهل الدار المضيف، ولدى الشرقيين فإنّ مسّ الشرف لا يوازيه سوى الدماء، أليس الرسول الكريم بخلقه من قال “من دخل دارَ أبا سفيان فهو آمن” فما بالك بمن يقتدي بالتعاليم الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعليه فإنّ الرد الإيراني حتمي مزدوج المفعول الأول نصرة لفلسطين والثاني نصرة لشرفها..
أما فيما يتعلق بالرسالة التي حملها الخطاب الموجه بشكل مباشر دون الحاجة إلى قراءة ما بين السطور، بأنّ الرّد على هذه الجريمة (الاعتداء على الضاحية، قتل المدنيين، اغتيال السيد فؤاد شكر) منفصل عن العمل بجبهة الإسناد اللبنانية لغزة وليس له علاقة بها، توضّح أنّ ما أراده نتنياهو (ومن يقف وراءه) من هذا العدوان على الضاحية وطهران وقبله اليمن وخلاله العراق في مسعى منه لخلط الأوراق، وحرف انتباه جبهات الإسناد عن غزّة وإيقاعها في فخ الرد الفوري ما يؤدي إلى حرب شاملة يكون فيها “الإسرائيلي” هو “الضحية” أمام المجتمع الدولي خاصة وأنّ الذريعة التي تذرع بها لعدوانه على الضاحية الجنوبية كـ”حق الرد” هي “قتل الأطفال” في مجدل شمس، والدلائل كثيرة على قيام “إسرائيل” نفسها بتلك المجزرة لتضاف إلى سجل جرائمها المرتكبة في الأراضي المحتلة ولبنان والاستفراد بغزة قد ذهب سُدىً، كما ذهبت مع أدراج الريح آماله بأن يحصل على “نصر وهمي” ينزله من على الشجرة أمام حكومته ومستوطنيه تحت عنوان “القضاء على القادة لدى حماس وحزب الله”..
وبالتالي لم ينزل نتنياهو عن الشجرة وبات بين خيارين أحلاهما مر إن أنهى العدوان على غزة فهو أمام الرد الحتمي من اليمن وإيران وحزب الله والعراق كرد موحّد أو متعدد ولقيادات المقاومة الاختيار، وإن استمر بالعدوان فهو أمام استنزاف قد دخل مرحلة جديدة لم يعد يحتمل دفع أثمانها، والمبدأ الذي يحكم المرحلة الجديدة “الغموض الاستراتيجي” بكافة أبعاده سواء غموض الهدف أو القوة أو التكنولوجيا المستخدمة والذي يتيح لدول محور المقاومة التعامل مع “إسرائيل” بحكمة وتعقّل والانتقال إلى استراتيجية التحركات من مرحلة جبهات الإسناد إلى المعارك المفتوحة ضمن المعركة الكبرى مقابل هواجس “إسرائيلية” وحالة من الذعر يعيشها الكيان دونما إدراك لأي فعل وأي فاعل وأي معركة يواجه فمن يلعب بالنار يحترق ونتنياهو أشعل ناراً ستحرقه مع كيانه..
ويبدو أنّ نتنياهو يجهل قدرات المحور، وهذا ما يؤكد هزيمته، فيما الأخير يعي جيداً قدراته وقدرات عدوّه وفق ما يقوله يقول “صن تزو” في فن الحرب “إن كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك، وتجهل قدرات خصمك، فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك، وتجهل قدرات عدوك… فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة!”.
وهنا نشير إلى أنّ حزب الله لا يريد الحرب ولكنه لا يخشاها، ومن يريدها الإسرائيليون لكنهم يخشون غموضها ومفاجآتها، وعليه فمن المرجّح أن يكون الرد قوياً ورادعاً وخلّاقاً بكامل تفاصيله بما يُعقّد الحسابات الإسرائيلية ويضعها أمام خيارات أقلها هزيمة مرحلية وأسوأها مواجهة حرب تحرير شاملة فزوال كيانهم.. وهنا نقول بأنّ كل الاحتمالات واردة ولا نستبعد أن يلقى نتنياهو نفسه مصير سلفه رابين..
ليثبت محور المقاومة بالقول والفعل أنّه ضليع في فنّ الحرب كمهارته في السلم، ناهيك عن سيطرته الجوية والبحرية من خلال جبهة اليمن وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، مضيفاً نظرية جديدة في الجيوبولتيك مفادها أنّ “المنطقة المشرقية هي منطقة المصير والحسم”.. وفي خطاب السيد اليوم رسم لمعالم المرحلة المقبلة وكيفية الحسم وماهية المصير ..!