لا شك في أن الثورة الإسلامية في إيران، وكما قال الإمام الخميني(قدس)، مستلهمة من نهضة عاشوراء الحسين(ع)، التي تتطابق معها في الخلفية والنهج والأهداف. وأن ما يستدعي التأمل في هذا الصدد هو أن كلتا الثورتين قامتا بوحي من استلهام تعاليم الإسلام التي تدعو إلى الاصلاح والتغيير في المجتمع، والقابلة للاقتداء والاتباع في كل عصر وزمان.
لقد كانت الثقافة العاشورائية أحد العوامل المهمة والمؤثرة في الحرب ضد النظام البهلوي البائد. وخاصةً في السنة التي قامت بها الثورة الاسلامية في عام 1978م حيث تحولت مراسم العزاء إلى مسيرة سياسية استفتاءً حول النظام ، وألحقت بالنظام ضربات موجعة. وأصبحت المراكز والحسينيات مثل حسينية “إرشاد” ومسجد “أراك” و”المسجد الأعظم” وغيرها من أهم المراكز للتجمعات السياسية المناهضة للنظام المستبد.
وفي مناسبة أربعين الإمام الحسين (ع) وجه الإمام الخميني(قدس) للشعب الإيراني رسالة يوضح فيها حجم المآسي التي طالت الشعب الإيراني من حكم النظام البهلوي البائد ويدعوهم إلى الثورة ضده، معلناً أن دماء شهداء مواجهة هذا النظام الظالم هي امتداد لدماء شهداء كربلاء الطاهرة، واعتبر أن ذكرى أربعين الإمام الحسين(ع) هذا العام استثنائية، وإن المشاركة وتنظيم المسيرات والمظاهرات الحماسية في هذه الأربعين واجب ديني ووطني.
هذا وقد سهل استبداد النظام البهلوي البائد ومواجهة الحكومة لمراسم العزاء واجتماعات وخطب عاشوراء عمل علماء الدين على تشجيع الناس للثورة ضد النظام. وبالإضافة إلى تنظيم حملات صارمة ضد النظام وبرامجه المناهضة للدين، حاول العلماء إحياء الشعائر الدينية رغم الضغوط السياسية. إن تواجد رجال الدين خلال أيام محرم وصفر في المدن والقرى، والذي أكد دائمًا على القضايا السياسية والاجتماعية في إيران وتعريف الناس على الثورة وأحداث اليوم، كان يحفز المشاعر والعواطف الدينية لدى الناس حول القضايا القائمة، هذه المعرفة دفعتهم للتحرك وإعلان معارضتهم عبر المظاهرات والاحتجاجات الشعبية لإعتبار “المجلس الملكي” غير شرعي، وإعلان دعمهم لإقامة جمهورية إسلامية.
أثار توقع النظام البهلوي البائد بمشاركة كثيفة للأهالي في إحياء أربعين الإمام الحسين(ع) لعام 1978 بناءً لطلب الإمام الخميني(قدس) وتشجيع وطلب العلماء الدين، الذُعر بين مسؤولي النظام. كانوا يعلمون أن هناك مظاهرة واسعة النطاق كانت تنتظرهم، وبالنظر إلى الظروف السائدة في البلاد والمزاج الخاص السائد، اضطرت الحكومة إلى إصدار تصريح للمظاهرة.
ومن جهةٍ أخرى، في هذه المرحلة كان الجنرال الأمريكي “روبرت هايزر” متواجدًا في طهران وكانت مهمته منع انهيار الجيش بعد هروب الشاه والتنسيق معهم لدعم حكومة بختيار. وتماشيًا مع هذه السياسة، قام بتنظيم اجتماع مع قادة الجيش قبل يوم واحد من مناسبة الأربعين، وناقش الوضع في البلاد وعواقب مسيرة الأربعين.
واعتقد بعض مسؤولي الجيش، أن حكومة رئيس وزراء الشاه “بختيار” ستسقط في يوم الأربعين وسيشارك مليوني شخص في المظاهرات في طهران. وجرى خلال هذا اللقاء الحديث عن دور الجيش في السيطرة على الأوضاع. واقترح “هايزر” جمع كل الجنود من الشوارع وحصر تواجدهم في المناطق العسكرية والمدنية الحساسة؛ بحيث إذا حدث شيء ما، يتم الحفاظ على المرافق الحيوية. حتى أن هايزر اقترح على بختيار إعلان قواعد التظاهر في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وتحذير الثوار من أنه سيتم التعامل مع أي أعمال عنف بقسوة. وعمل بختيار بنصيحته وشدد في خطاب متلفز على ضرورة التعامل مع أي سلوك خارج عن النظام في يوم الأربعين.
وفي يوم أربعين الإمام الحسين(ع) تجمع الناس من جميع أنحاء إيران في موكب مهيب تنفيذاً لتعليمات الإمام الخميني (قدس). وفي هذا الاجتماع الضخم والمسيرات المليونية، طالب المتظاهرون بإسقاط الحكومة البهلوية وحكومة بختيار العميلة، وإقامة حكومة إسلامية، وعودة الإمام (قدس) إلى وطنه. وكان طوفان الحاضرين في هذا اليوم كبيراً لدرجة أن صحيفة كيهان ذكرت في عنوانها الأول هذه المسيرة بأنها “أعظم مسيرة دينية وسياسية في التاريخ”.وكانت مظاهرات يوم الأربعين ضخمة للغاية لدرجة أن “هايزر” اعتبر ذلك اليوم “أسوأ من يوم فرار محمد رضا بهلوي من إيران”.
وضعت هذه المظاهرات المليونية حدًا للنظام البهلوي البائد. وبعد 22 يومًا فقط من هذه المظاهرة الضخمة، حققت الثورة الإسلامية النصر. كتب الجنرال قره باغي في مذكراته عن تبعات هذه المظاهرات: “إن هذه المسيرة مثل مظاهرات أيام تاسوعاء وعاشوراء، اعتُبرت نجاحاً كبيراً للمعارضة، و مع وجود قوة عسكرية حكومية في البلاد، فهو سبب آخر لضعف الحكومة وعجزها وهزيمة القوات المسلحة مرة أخرى”.
وفي هذه المناسبة، كُتبت صفحة ذهبية أخرى في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية، وسرعت هذه المسيرة إسقاط النظام البهلوي البائد ومهدت الطريق لانتصار ثورة شباط /فبراير 1978م.