“الإدارة الذاتية” شمال شرق سورية: تراجع تكتيكي لا يُلغي الانتخابات

"الإدارة الذاتية" تتحسس خطورة الموقف وتبدو في حال من الارتباك، حيث أعلنت في البداية أنها ستجري انتخابات بلدية في تموز الماضي في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرتها في حلب والرقة ودير الزور والحسكة، قبل أن تتراجع لاحقًا وتؤجلها للشهر الماضي بذريعة الاستجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة فيها، ومن ثم أعلنت عن تأجيلها لأجل غير مسمى.

2024-09-14

بعد أن تم تأجيلها لمرّتَين متتاليتَين، عادت ما تسمى “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية للتأكيد على أنها ستُجري الانتخابات البلدية في المناطق التي تسيطر عليها، مع التخفيف من حدّة تحديها للرافضين لهذه الانتخابات عبر تحويلها من انتخابات شاملة إلى أخرى متدرجة على مدى زمني طويل نسبياً وتشبه عملية ملء الشواغر.

 

انحناءة لم تغيّر من نظرة دمشق الرافضة للحالة الانفصالية برمّتها ولم تخفف من غضب أنقرة التي تتوعّد “الإدارة الذاتية” بعمل عسكري.

 

وفي الوقت الذي حذّرت فيه روسيا هذه الإدارة من مصير مشابه لما جرى مع حلفاء واشنطن في أفغانستان، سجّلت وزارة الخارجية الأميركية اعتراضًا على هذه الانتخابات بدعوى أنها لم تحقق الشروط المناسبة لإجرائها.

 

 

رفض أميركي

 

وقالت وزارة الخارجية الأميركية إنّ تقييم واشنطن يُشير إلى عدم استيفاء الشروط اللازمة لإجراء “انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة” في سورية، بما في ذلك في شمال البلاد وشرقها.

 

وذكر بيان الخارجية أن الولايات المتحدة “لا تدعم الإعلان الأخير الصادر عن الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سورية الذي دعا اللجنة العليا للانتخابات لبدء الإستعدادا ت للإنتخابات البلدية”.

 

المحلل السياسي إسماعيل مطر، أكّد في حديثه لموقع “العهد” الإخباري أن “الإدارة الذاتية” تتحسس خطورة الموقف وتبدو في حال من الارتباك، حيث أعلنت في البداية أنها ستجري انتخابات بلدية في تموز الماضي في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرتها في حلب والرقة ودير الزور والحسكة، قبل أن تتراجع لاحقًا وتؤجلها للشهر الماضي بذريعة الاستجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة فيها، ومن ثم أعلنت عن تأجيلها لأجل غير مسمى.

 

وأضاف مطر أن “الإدارة الذاتية” تحاول من خلال إبرام المواعيد المتتالية لهذه الانتخابات استشفاف ردود الفعل المحتملة عليها وسقف هذه الردود المتوقعة لتبني على الشيء مقتضاه، مشيرًا إلى أن الموقف الأميركي الذي دعم الإدارة الذاتية في صراعها مع العشائر العربية المدعومة من دمشق قد لا يجنح في الوقت الحالي على الأقل إلى مسايرتها في موضوع الانتخابات لاعتبارات ترتبط بالعلاقة مع تركيا وحاجته لها في العديد من العناوين السياسية القائمة.

 

وختم مطر حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن “الإدارة الذاتية” ستحاول تمرير الانتخابات البلدية في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، في الوقت الذي يغيب عنها أن هذه المرحلة الحساسة في البيت الأبيض قبيل الانتخابات الأميركية قد تكون هي نفسها التي تمنع “الإدارة الذاتية” من تحقيق طموحها بإجراء الانتخابات.

 

 

تراجع تكتيكي

 

الصحفي المتخصّص في الشأن التركي سركيس قصارجيان يرى أن قرار “الإدارة الذاتية” الخاص بإجراء الانتخابات بعد تأجيلَين، كان قرارًا مفاجئًا وغير متوقع لأن التأجيل بالأساس جاء بضغوط وتهديدات تركية ورفض إقليمي بشكل عام بالإضافة إلى العامل الأساسي وهو الرفض الأميركي.

 

وفي حديث خاص لموقع العهد الإخباري، أشار قصارجيان إلى أنّ كثيرًا من المحللين اعتقدوا بأن الفكرة قد تم إلغاؤها في الأساس، ولكن القرار الأخير ذهب إلى صيغة انتخابات أكثر محلية فمنح الإدارات الذاتية أو المحلية في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” صلاحيات لإجراء انتخابات كل إدارة بإدارتها، بمعنى أنها لن تكون عملية انتخاب شاملة، وقد تقوم على مدى شهرين أو ثلاثة أشهر من أجل عدم التركيز على العملية برمتها، وإنما ستكون انتخابات ملء الشواغر على أمل أن يكون رد فعل المعترضين على هذه الانتخابات أخف.

 

وأضاف الصحفي المختص في الشأن التركي بأنه وكما في السابق سيكون هناك المزيد من التهديدات التركية ضد “الإدارة الذاتية”، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن تحقيق هذه التهديدات على أرض الواقع وفي أرض الميدان يحتاج إلى ضوء أخضر روسي وأميركي، مشيرًا إلى أنّ الضوء الأخضر الروسي موجود ولكن الضوء الأخضر الأميركي بعيد المنال حاليًا، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، حيث إن هوية الرئيس الأميركي الجديد غالبًا ما تُحدث فارقًا في الموقف الأميركي من مثل هذه القضايا.

 

وأعرب قصارجيان عن اعتقاده بأن تركيا ستحاول بشكل عام إبداء ردود أفعال غاضبة، لأن هذه الانتخابات تتعارض مع الخطاب المستخدم من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السياسة الداخلية، والذي يعتمد في الأساس على شد العصب القومي ومحاولة كسب المزيد من أصوات اليمينيين في تركيا على اعتبار أن اليمين التركي في الأساس يتغذى على الإنجازات ضد الأكراد والحركات الكردية.

 

الاخبار ذات الصلة