مع انطلاق الفعاليات الدولية للإحتفاء باليوم العالمي للأديان في ثالث يوم أحد من يناير/كانون الثاني من كل عام، والذي وافق 15 يناير/كانون الثاني 2023، يجدد العراقيون تأكيدهم على التمسك بروح التعايش والوئام فيما بينهم.
تنوع الأديان
يمتاز العراق بأنه موطن الأديان السماوية والأرضية، كما نشأت فيه العديد من المذاهب وخاصة الإسلامية، لأنه هو مهد الحضارات وفيه أُطلق السؤال الوجودي الأول عن ماهية هذا الكون ومن خالقه، وقد تجسد هذا الأمر في الحضارة السومرية قبل أكثر من 3500 سنة قبل الميلاد، فأصبحت هذه البقعة مركزاً دينياً قبل آلاف السنين وحتى يومنا هذا، بحسب الكاتب العراقي سلام حربة.
ويشير حربة إلى أن العراق كان يضم المجالس والمدارس الدينية والفكرية والثقافية لكل المِلل والنِحل، من الأديان السماوية، اليهودية والمسيحية والإسلام، والديانات غير السماوية من الصابئة المندائية والزرادشتية والمانوية والبهائية وغيرها، وكثير من المذاهب الإسلامية.
وبحسب حربة، فإن “اليهودية هي أقدم ديانة سماوية في العراق، حيث تشكلت أصولها وتلمودها في أرض بابل، أما المندائية فهي عراقية بامتياز، وهي أقدم من اليهودية، وكذلك انتشرت في العراق قبل اليهودية: الديانة الزرادشتية المجوسية، وما زال تأثير هذه الديانة على بعض المذاهب الإسلامية الموجودة في العراق”.
وينبّه الكاتب إلى أن العراق كان مزدهراً بتنوع ثقافاته وأديانه، ولكن في الأزمان الأخرى القريبة أصبحت مصدر تفكك وتشتت للنسيج الاجتماعي للبلدان، لأن الاحزاب الدينية سحبت هذه الأديان والمذاهب إلى مصالحها الذاتية والحزبية، وابتدأ الصراع المدعوم من قوى داخلية وخارجية لا تريد للعراق ولا لأديانه ومذاهبه خيرا، بحسب حربة.
تعايش فريد
ويقول مؤسس معهد دراسات التنوع الديني الدكتور سعد سلوم إن التعايش الديني ساد العراق خلال القرون الماضية، فالعراق هو مركز الحضارة الإسلامية في الفترة العباسية، ووصفه المؤرخون الأجانب بأنه مكان يمتاز بتعايش الأديان المختلفة، وما بين المذاهب داخل الدين الواحد، وما بين حتى الملل والنحل والمذاهب الفلسفية.
ويبين سلوم أنّ العراق بلد متعدد الأديان والقوميات والطوائف، حيث الجوار الجغرافي والمدن والقرى والنواحي والأقضية كانت تشهد على العيش المشترك بين جماعات مختلفة من الناحية الدينية والعرقية، فتأثرت مكونات العراق ببعضها من ناحية العادات والتقاليد بشكلٍ كبير.
ويضرب سلوم مثالاً من منطقة سهل نينوى شمال البلاد، والذي يضم المسيحيين بطوائفهم المختلفة والشبك والتركمان والأكراد والكاكائيين والإيزيديين، ويقول “نلاحظ تأثر نمط العمارة المتشابه، مثل بعض القباب التي تعتبر بمثابة مساجد للشبك لكنها أشبه بالعمارة الإيزيدية، أو مثلا نجد العديد من الأجيال القديمة من المسيحيين كانت تلبس اللباس العربي الذي تجده في جنوب العراق، بالإضافة إلى الكثير من الأعياد المشتركة أو الطقوس المرافقة للأعياد التي فيها تشابهات كثيرة”.
ومن أبرز الصور المشرقة -بحسب سلوم- أن تشاهد في العديد من نواحي العراق ومدنه الجامع مقابل الكنيسة وغيرها من المعابد ضمن رقعة جغرافية واحدة، وهذا مثال واضح على التعايش.
ويرى سلوم أنّ من دلالات ذلك أن العراق ليس بلد المكون الواحد أو المكونين أو الثلاثة، بل هو بلد تعددي، إذ إن جذوره بالأصل تعددية، وهذه التعددية لم تستثنِ من حيث المبدأ منذ القدم أي جماعة دينية أو عرقية أو لغوية، وتمثل التراث المشترك الذي ينعكس على سلوك العراقيين وتطلعهم للمستقبل.
الواقع والمستقبل
ويرى الأكاديمي والباحث في العقائد والأديان الدكتور ثابت مهدي الجنابي، أن استقرار الأوضاع في العراق اليوم أعاد التعايش الديني إلى ما كان عليه سابقاً، رغم المخاوف التي أصابت بعض الأقليات الدينية التي كانت على حذر من العودة، لكن هذه المخاوف قد تبددت شيئاً فشيئاً.
ويضيف أنّ تحسّن الظرف الأمني وتوفر الخدمات والعمل على مدّ جسور الثقة والتواصل الهادف بين جميع مكونات الشعب الواحد، دفع أغلب العائلات النازحة من الأقليات الدينية إلى العودة والاستقرار في مناطقها دون أية مشاكل تذكر.
ويكشف الجنابي عن مبادرات من أعلى المستويات في الدولة لإعادة الأقليات المهاجرة، وهناك مشروع تتبناه مستشارية الأمن القومي التي عملت وما زالت تعمل بشكل متواصل على إعادة النازحين والمهجرين إلى مناطق سكناهم، وتأمين جميع إحتياجاتهم، فضلا عن توفير الخدمات اللازمة التي من شأنها أن تعمل على تشجيع وتسريع إعادتهم إلى أحضان الوطن.