كيف نُفكّر في تربيتنا لأطفالنا؟ وهل هناك خطّة أو هدف وضعناه للقيام بهذا الأمر؟
كيف نُفكّر في تربية أبنائنا؟ نقول: “إنني أريد أن يكون ولدي هكذا؟”؛ فماذا فعلنا من أجل تحقيق ذلك؟ كيف نرى تسكّع الأبناء هنا وهنالك إلى ساعة متأخّرةٍ من الليل؟ هل سنفتح أبوابنا وصدورنا لهم إن جاؤوا في أيّ ساعةٍ من ليلٍ؟
ما الأفعال التي نتقبّلها من أطفالنا وإلى أيّ حدٍّ؟ وأيُّ الأفعال نَصفها بالأخلاقيّة أو غير الأخلاقيّة؟ وما الأفعال التي نستحسنها فيهم ونستقبحها منهم؟ وإلى أي حدٍّ سنسمح لهم فيما يفعلون؟ وعلى أيّ قاعدةٍ نعتمد في مسألة التدخّل في أزيائهم؟
هل فكّرنا حتى الآن فيما نفعله إن لم نرتضِ شأنًا من شؤونهم؟ هل عثرنا على حلٍّ لهذا؟ كم من الأبواب طرقنا، وإلى كم من المتخصّصين لجأنا؟ وكم من الدمع سكبنا في سبيل البحث عن حلٍّ؟
إن كثيرًا من الآباء يعانون اليوم من بعض أولادهم، فيا تُرى ما الذي فكّرنا فيه لمعالجة أخطائهم؟
إن هذا الموضوع يعنينا كما يعني أقاربنا وجيراننا بل وكلّ أمّتنا، لكن هل سعينا كي نصِلَ إلى حلٍّ في الحقيقة لكلّ هذه الأمور؟
فإن لم تكن لدينا خطّةٌ أو هدفٌ في هذا الموضوع فهذا يعني أننا أصبحنا -كما ذكر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نتبع سننَ مَن قبلنا شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ، فانسقنا إلى جهنّم وبئس المصير.
والواقع أن كل هذا يرجع إلى ابتعادنا عن الله تعالى ورسوله(ص) والقرآن الكريم وخضوعِنا لأهوائنا ورغباتنا.
إن كثيرًا من الآباء يعانون اليوم من بعض أولادهم، فيا تُرى ما الذي فكّرنا فيه لمعالجة أخطائهم؟ لا تُقَلِّلوا من أهمّيّة التفكير في هذا الأمر.
أجل، لا بدّ لنا أن نفكّر هكذا، ونرجع إلى أنفسنا ونطرح هذا السؤال: ماذا يمكن أن نفعل حقًّا في مثل هذا الأمر؟ فيا ترى هل نحن متسامحون أم جُفاةٌ أم غيرُ مبالين؟ هل نكتفي بمشاهدة ما يجري في بيوتنا في صمتٍ وتبلّدٍ للشعور؟ أم هل نبحث عن حلٍّ لكل صغيرةٍ وكبيرةٍ في البيت؟
يمكننا أن نُطنِبَ في هذا المضمارِ فنطرحَ على أنفسنا تساؤلاتٍ أخرى، نحو: هل تتبّعنا طفلنا كالحارس الأمين؟ وهل بذلنا جهدًا للتعرّف على أصدقائه؟ وهل استطعنا أن نمهّد له الجوّ المناسب دائمًا؟ وما نوعيّة الناس الذين عرّفناه بهم حتى الآن؟ فإن لم نفعل هذا فمع مَن يلهو ويلعب؟ هل يكفي أن نسجّله بمدرسةٍ أو نعهد به لمعلّمٍ أو نلحقه بدورةٍ لحفظ كتاب الله تعالى؟ وهل يكفي أن ندلّه على المسجد ونعهد به إلى الإمام؟
إن لم نضع لأنفسنا مبادئ وخططًا بشأن المستقبل فعلينا أن نتأهّب للانجراف -مذهولين- من الغد إلى المجهول.
ولا تقل أهمّيّة البحث عن جواب هذه الأسئلة المتداخلة عن أهمّيّة قيام حياتنا الذاتيّة على النظام والعمق والإخلاص والمثابرة والجاذبيّة.
ضرورة التخطيط لتربية الأبناء
من المهمّ أن نجعل لحياتنا مبادئَ نسير عليها منذ البداية؛ أجل، علينا أن نقول في أنفسنا: “يجب أن أخطّط لهذه السنة على هذا النحو، وللسنة القادمة على هذا الشكل، وللسنة التي بعدها على هذا المنوال”، فإن فعلنا هذا ألفينا ما هو معلومٌ لنا من الخطط والمشاريع، واتّخذنا القرار الصائب بسهولةٍ ويسرٍ، وما وقعنا في حيرةٍ من أمرنا، ولكن إن لم نضع لأنفسنا مبادئ وخططًا بشأن المستقبل فعلينا أن نتأهّب للانجراف -مذهولين- من الغد إلى المجهول، تخيلوا أنّ هناك أمورًا متراكمةً مجهولةً داهمت حياتكم فجأة، عند ذلك هل ستأخذون في الصراخ والعويل؟ أم ماذا ستفعلون! إذًا لا بدّ أن تُعِدّوا العُدّة حتمًا قبل وقوع كلّ هذا.
إذا نظرنا إلى حال العالم الإسلاميّ فسنرى أن الأبناء والأحفاد يحترقون في نفس الفرن الذي شُوِي فيه الآباء، وبينما يحترق أحدهم ترى الآخر ينظر إليه في غاية اللامبالاة.
فلننظر الآن إلى حال العالم الإسلاميّ الذي يبلغ مليارًا ونصف مليار مسلم، وعندها سنرى أن الأبناء والأحفاد يحترقون في نفس الفرن الذي شُوِي فيه الآباء، وفي نفس النار التي اكتووا هم بها، وبينما يحترق أحدهم ترى الآخر ينظر إليه في غاية اللامبالاة، وفي حين أن الأمّة أو الأمم تغوص في الوحل نفسه نجد الآخرين ممّن يأتون بعدهم يسيرون على منوالهم تمامًا بلا وعيٍ فيغوصون في نفس المستنقع الوخِم، ويتجرّعون نفس البؤس المرير، ولا يَبقَون في أذهان البشر إلا كذكرياتٍ بغيضةً.
يقول النبي(ص) في معرض الإخبار والإنذار كما سردنا آنفًا: “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ”(متفق عليه).
يمكن أن نستنبط من هذا الحديث تحذيرًا فحواه: “خذوا حذركم، وانتبهوا، وسيروا كما لو أنكم تسيرون في حقل ألغامٍ، واحتاطوا فلربّما ينفجر فيكم لغمٌ في أيّ لحظةٍ”.
فتح الله كولن