في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان وشعبه، لم تكد تسلم بلدة بقاعية من غاراته العنيفة التي طالت بيوت الناس وأرزاقهم، مُخلّفة عشرات الشهداء ومئات الجرحى الذين توافدوا إلى مستشفيات بعلبك الهرمل، التي لم تتوقّف عن نجدة المصابين وتقديم العلاجات اللازمة.
مستشفيات البقاع في قلب المعركة: التحديات صعبة
فوجئت المستشفيات في البقاع إبان العدوان الإسرائيلي كسائر المناطق اللبنانية بالأعداد الكبيرة للجرحى، وفق ما يؤكده مدير مستشفى البتول في الهرمل علي شاهين في حديثه للميادين نت، فسارعت إلى إعطائهم الأولوية، وأوقفت إداراتها جميع العمليات الجراحية العادية بغية مواكبة أي طارئ، وتقديم الخدمات العلاجية لجرحى العدوان.
ويؤكد شاهين أن مستشفيات البقاع لا تزال قادرة حتى اللحظة على القيام بعملها، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المستشفيات لن تتمكّن من تغطية النفقات كلّها وتأمين المستلزمات كافّة وحدها في حال تأجّجت نيران الحرب، وتدفّق المزيد من الجرحى إلى المستشفيات. وتطرّق شاهين إلى أنّ “الخوف يكمن في سيناريو استنزاف الطواقم الطبية، وفقدان المستلزمات الطبيّة والأدوية”.
وهي أزمة ليست وليدة الحرب الحالية، إذ تعود الى فترة زمنية بعيدة، وهي مرتبطة في الأساس بكون المستشفيات في منطقة البقاع تعيش حرماناً تاريخياً على الصعد كافّة. إذ ثمة نقص في بعض الاختصاصات الأساسية في منطقة البقاع، مثل جراحة الشرايين والدماغ والأعصاب، بحسب شاهين، قائلاً إنّ طبيباً أو اثنين عليهم التنقّل بين مستشفيات المنطقة كلها والمنتشرة على مساحة 1433 كيلومتراً مربعاً.
ففي حادثة تفجير البيجر، لم يتمكّن عدد من الأطباء من ذوي الاختصاصات النادرة في المنطقة من تلبية المستشفيات كلها في وقت واحد، حيث كانت الأخيرة تعجّ بالجرحى الذين يتطلبون جراحة أو متابعة عاجلة.
الأمر عينه يشير إليه مدير مستشفى رياق في البقاع محمد عبد الله، إذ يحذر من مغبة نقص الأوكسجين على سبيل المثال، في حال تواصلت الحرب لأسابيع أو زادت حدّتها، مما سيؤدّي حتماً إلى “تهديد حقيقي لكامل القطاع الطبي، وهو أحد السيناريوهات السيئة التي قد تواجه المستشفيات والكوادر الطبية في المنطقة، بغض النظر عن القدرة الاستيعابية للمستشفيات التي لا تزال تحت السيطرة حتى اللحظة”.
المستوصفات والصيدليات مغلقة
أما عن المستوصفات والعيادات والصيدليات فوضعها متأزم، إذ يشير أهالي المنطقة إلى أنّ غالبية الصيدليات مقفلة في الوضع الراهن، ما يعني شحاً وعدم القدرة على الوصول إلى الأدوية للجميع على حد سواء.
الوضع السيئ هذا ينسحب على العديد من المستوصفات في منطقة البقاع التي أقفلت تماماً مع اشتداد حدة الغارات، أما التي فتحت أبوابها فتعاني نقصاً في عدد الممرضات والممرضين والكادر الطبي، إذ تفيد وفاء، وهي مسؤولة في العمل الاجتماعي في المنطقة، بأنّ الموظفين في المستوصفات التي لا تزال تعمل حتى الآن عددهم قليل، وهم يعملون على مدار الساعة لتغطية النقص الحاصل في الكادر الطبي.
كل هذا يأتي بينما لا تزال أعداد الجرحى تتدفّق إلى المستشفيات، ما يعني زيادة الضغط عليها في ظل المعاناة التي لحقت بالجسم الطبي في البقاع.
وتشير هيفاء، وهي ممرضة في إحدى المستشفيات البقاعية، إلى أن حالات الجرحى التي يستقبولنها بشكل يومي بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل تترواح بين متوسطة وخطيرة، وتشمل حروقاً في الأجساد، كسوراً في الأيدي والأرجل، بتراً بالأطراف، وجروحاً عميقة، بعضها يحتاج إلى عمليات جراحية معقّدة أو سحب شظايا الصواريخ منها.
تعاون مع وزارة الصحة
في ظل هذه التحديات، أدّت الخبرات التي راكمتها مستشفيات البقاع في الحروب المتعاقبة على لبنان، كحرب تموز 2006 والحرب السورية، وتحديداً إبان المعارك التي دارت على الحدود اللبنانية السورية وفي القصير على سبيل المثال، دوراً مُهمّاً في بلورة تجربة حقيقة للتعامل مع ظروف مشابهة في أي زمان، بحسب تأكيد مدراء مستشفيات في المنطقة.
في السياق، يشير مدير مستشفى دار الأمل في مدينة بعلبك علي علّام، إلى أن المستشفيات جاهزة وتعمل ليل نهار، كما أن التنسيقَ بين بعضها البعض جارٍ على قدم وساق، في حين يلفت مدير مستشفى رياق محمد عبد الله إلى أن الطاقم الطبي والتمريض كان جاهزاً على مدار الساعة، وقد استقبل أكثر من 200 جريح منذ بدء العدوان، بينهم عدد كبير من الأطفال الجرحى والنساء.
وأشاد علّام بالتعاون مع وزارة الصحة، التي وضعت خطة كوارث مسبقاً، وتواكب حالياً المستشفيات يومياً في ظل هذه الظروف الاستثنائية، والتي تتطلب أعلى درجات التضامن والتلاحم والصمود.
هداية طه