المقاومة والصمود والتكافل، هي مفردات تأخذ مكانها التدريجي على اللائحة لتختصر حياة أبناء جنوب لبنان خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان.
لم يشأ أبو علي أن يترك المنزل الذي نزح إليه في بلدة البرغلية الجنوبية، بعد استهداف منزله في قريته الضهيرة الحدودية في قضاء صور، الوالد الذي نزح قسراً مع عائلته منذ ما يقارب العام إلى البلدة الجديدة، ونقل معه ما يمتلك من المواشي كونها مصدر رزقه الأوحد. وبعد اشتداد وتيرة العدوان الإسرائيلي، رفض جزء من أهالي البلدة النزوح إلى مناطق أخرى أكثر أماناً، وكان هذا أيضاً حال المزارع الجنوبي الذي استمر في رعي المواشي برغم شدة القصف واقترابه من مساكن المدنيين، فعمد إلى تقاسم إنتاج الألبان والأجبان اليومي مع الأهالي الذين لا يزالون في القرية، خوفاً من عدم قدرتهم على تأمينها من القرى المجاورة بسبب صعوبة التنقّل.
“دمنا واحد ورزقنا أيضاً”، بكلمات قليلة اختصر المواطن الجنوبي موقفه، ليجسّد به جزءاً من مشهد التآخي والتكاتف الحاضر دائماً بين الجنوبيين عندما تزدحم حولهم آلام الحروب والمعاناة.
على أطراف مدينة صور يقع سوق الخضار الكبير المعروف باسم “الحسبة”، خرج يوسف عبد الرؤوف لشراء حاجيات عائلته وأقاربه من أحد التجار في السوق، لكن المشهد هذه المرة كان مختلفاً. يحمل التاجر الأكياس ليملأها بكل ما لديه من خضار وفاكهة، ينقلها الى أصحاب السيارات المركونة أمام السوق من دون أخذ أي مقابل، يسألهم ان كانوا بحاجة إلى كميات أكثر، وإذا حاول أحدهم سؤاله عن ثمنها يرفع له بيده ملوّحاً: “الله يسهّل أمرك، بالصحّة والعافية”.
وفي أحد أحياء مدينة صور، وبعد إقفال العديد من المحال التجارية أبوابها، وضع الحاج فياض كميات كبيرة من صناديق مياه الشرب أمام دكانه لتوزيعها على المارة والسكان الموجودين بالقرب منه، وداخل الدكان خصص مساحة لوضع أصناف عديدة من المواد الغذائية لتوزيعها أيضاً على الزبائن. ينتهي أحدهم من دفع حساب أغراض كان قد اشتراها من الدكان، وقبل خروجه يناديه الحاج مذكراً: “المياه في الخارج للتوزيع وليست للبيع”.
بعد تضرّر منزله في قرية القليلة الواقعة في الخطوط الخلفية، اضطر الطبيب محمد الشمالي لتغيير مكان سكنه، لكنه لم يبتعد عن القرية كثيراً. تضرُّر المستوصف الذي كان يعمل فيه لم يمنعه أبداً من العمل. في مكان سكنه الجديد خصص غرفةً لمعاينة المرضى واستقبالهم بمعدات طبية بسيطة، وطلب من الأهالي تعميم اسمه ورقم هاتفه لأي معاينة أو استشارة طبية مجانية قد يحتاجها أبناء البلدة وغيرهم من أهالي القرى، ولا سيما الصامدين فيها.
وفي إحدى محطات الوقود التي استمرت في العمل في بلدة الصرفند الجنوبية، اصطفت العديد من السيارات بانتظار دورها، ما هي إلا لحظات حتى وصلت سيارات تابعة للدفاع المدني للتزوّد هي أيضاً بالوقود. وبرغم شدة الازدحام بدأت السيارات بالاصطفاف جانباً إفساحاً بالمجال لسيارات الإسعاف. فترى بوضوح الناس داخل سياراتهم وهم يحيّون المسعفين بتحية لا تخلو من الاعتزاز والامتنان.
سارة عليان