الشعب الفلسطيني منذ سنة ١٩٤٨م، وهو يجاهد ويضحي من أجل تحرير أرضه، وقد قدم القرابين تلو القرابين، ولازالت الرحلة الطويلة في المقاومة والنضال لم تنته بعد، لكنها على أعتاب الفتح المبين، وما عملية “طوفان الأقصى” إلا عملية عسكرية ممتدة في طريق تحرير فلسطين من براثن الصهاينة وحماتهم المستعمرين.
وصف موجز لعملية “طوفان الأقصى”
في ساعات الصباح الأولى من يوم السابع من أكتوبر سنة ٢٠٢٣م شنت كتائب الشهيد القسام بقيادة محمد الضيف هجوماً على الكيان الصهيوني، كانت كل المجموعات المهاجمة من المقاومة الإسلامية لا يتجاوز عددهم 750مقاتلاً، وقد قتلوا عدداً كبيراً من الصهاينة، وأسروا 240 من الجيش والاستخبارات العسكرية وبعض المستوطنين المسلحين.
إنّ عملية “طوفان الأقصى” كانت محدودة وناجحة، لكنها كشفت عن ضعف قدرات الكيان الصهيوني وقوته التي تبجح بها طويلاً.
الأسباب
كان الإحتلال الصهيوني ولازال يمارس عمليات القتل والإذلال للشعب الفلسطيني بشكل يومي؛ وزاد على ذلك بانتهاك حرمة المسجد الأقصى، وهدم البيوت، والاعتقالات في صفوف الشعب الفلسطيني، ناهيك عن الإغتيالات التي تستهدف قادة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية .
ماذا يفعل الشعب الفلسطيني أمام تلك الجولات الصهيونية المسعورة، هل يسكت ويخضع ثم يخضع ثم تسلب حقوقه؟! أم يقف بإباء وشموخ لمواجهة العدو ولو بعملية محدودة؟!
لقد اختار أبناء غزة عدم الخضوع للذل والهوان، وكان ذلك الرد المزلزل الذي أصاب العدو الصهيوني في مقتل، وعندها ثارت ثائرته لايفرق بين طفل أو امرأة أو رجل أعزل أو مقاتل، فقد سل سيفه، وسلط ناره على الجميع دون استثناء .
الأهداف والآثار
بعد مضي سنة على عملية “طوفان الأقصى”؛ لم يستسلم أبناء الشعب الفلسطيني، وقدموا أنفسهم فداءً لفلسطين، وقد أثبتوا للقاصي والداني أنهم أمة لازالت حيّة تدافع عن كرامتها وعزتها ومقدساتها، ولاتستهل الهوان، ولن تقبل أن تكون كالوتد تتلقى الضربات فقط؛ فقد قتل العدو أكثر من 41 ألف فلسطيني وكان أكثرهم من النساء والأطفال والمدنيين العزل، وجرح وأصيب حوالي 135 ألف شخص فضلاً عن 10 آلاف مفقود لم يعلم مصيرهم لحد هذه اللحظة، وهدم العدو الصهيوني المتوحش منازلهم، ومستشفياتهم، وجامعاتهم، وحرق مخياماتهم، وأتى على محطات الكهرباء والإتصالات والدوائر الخدمية فأصبحت هشيماً تذروه الرياح، وليس هذا فحسب، بل حاصرهم حصاراً شديداً وقطع عنهم الماء والغذاء والدواء، لكنهم مع كل هذه الضغوط الهائلة؛ بقوا مقاتلين وصامدين.
إنّها جولة الباطل وظلمه، قد ألقت بظلها على أولئك المظلومين الذين بقوا شامخين كالجبال الشماء، لكنها جولة ما تلبث أن تنتهي وسيبزغ الفجر بصولات أهل الحق قريباً .
النتائج
لقد حرّكت عملية “طوفان الأقصى” ضمير الأمة الإسلامية؛ بل ضمير الإنسانية، ودفعت بالقضية الفلسطينية إلى الواجهة في جميع أنحاء العالم، بعد أن خطط لها العدو أن تكون في هامش المحافل الدولية والمجتمعات الإنسانية، لقد أيقضت تلك الفجائع التي أنزلها العدو الصهيوني الضمير الإنساني، وتحركت الشعوب وأصبحت على بصيرة مما يجري على فلسطين .
لقد قذف “طوفان الأقصى” بما يسمى “السلام الإبراهيمي” إلى مزبلة التاريخ؛ وكشف زيّف إدعاءات العدو الهمجي الذي لبس ألف قناع وقناع.
لقد كانت خدعة أراد الصهاينة وحماتهم الغربيين تمريرها بإسم السلام والإعتدال؛ فإذا بذلك العدو الصلف الذي لبس لباس السلام يكشف عن هويته، ويقذف آلاف الأطنان من الحديد والرصاص على الأبرياء في غزة ولبنان وسورية.
لقد كشف “طوفان الأقصى” عن وجود ثلة مقاومة تتوزع على جغرافية الأمة الإسلامية تقاتل العدو وتقدم التضحيات، ومن خلفهم وجود أمة كبيرة من الناس تستنكر بقلوبها وألسنتها وأقلامها.
إنها الأمة الواحدة؛ أمة الأحرار والشرفاء تتعاطف بقلوبها وألسنتها وأموالها وتظاهراتها ومواقفها في نصرة فلسطين ولبنان “ولكل درجات مما عملوا”.
د. محمد العبادي
باحث وأكاديمي عراقي