ووفقا لما نقلته وكالة شهاب للانباء:غير أن تلك المغالطات انكشفت مؤخراً عندما اتهم المعارضون رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية نتنياهو بأنه سبب رئيس في استطالة الحرب بعدم قبوله بالمفاوضات، وتبعاً لذلك، كانت سبباً في تزايد الهجرة العكسية من “إسرائيل” وبشكل يعكس القلق العميق بين المستوطنين حول الأمان والاستقرار في “إسرائيل”.
في نهاية عام 2022 أعلنت الوكالة اليهودية أن “إسرائيل” نجحت في استقدام أكبر نسبة هجرة في العقد الأخير بعدد وصل إلى نحو 70 ألف مهاجر، مما دفع الحكومات الإسرائيلية لتكثيف جهودها وبرامجها لاستقبال مزيد من اليهود حول العالم. إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نسفت كل تلك الانجازات الجهود فالهجرة العكسية المتزايدة للإسرائيليين الباحثين عن حياة أكثر هدوءاً بعيداً من صراعات الشرق الأوسط باتت كابوساً يؤرق قادة تل أبيب ويضرب عمق العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى “أرض الميعاد”، والذي كان هاجس الوكالة اليهودية منذ تأسيسها عام 1922.
تمثلت فى اتخاذ آلاف الإسرائيليين على اتخاذ خطوات عملية وجدية غير مسبوقة نحو الهجرة ونقل الأموال وشراء العقارات خارج “إسرائيل” والتقدم بطلبات الحصول على جنسيات أخرى، بل وخروج الشركات الاستثمارية، لا سيما في مجال التكنولوجيا المتطورة. ووفقاً لبيانات سلطة السكان لدى الاحتلال: فإن إجمال عدد الإسرائيليين الذين غادروا في الصيف وأثناء موسم الأعياد، ولاحقاً أثناء الحرب ولم يعودوا حتى أبريل (نيسان) الماضي، يزيد عن 550 ألفاً في حين تؤكد بيانات المكتب المركزي للإحصاء أن نحو 60 ألف إسرائيلي غادروا تل أبيب عام 2022 ولم يعودوا إليها طوال عام 2023 باستثناء زيارات قصيرة، وسجلوا في سجلات الجهاز المركزي للإحصاء مهاجرين. وبحسب المكتب فإن عدد المهاجرين الإسرائيليين عام 2023 بلغ نحو 60 ألفاً مقابل نحو 40 ألفاً في المتوسط خلال الأعوام السابقة. وقد شرعت تل أبيب عام 1950 “قانون العودة” الذي يعطي اليهود حق الهجرة إلى “إسرائيل” والاستقرار فيها ونيل الجنسية الإسرائيلية بهدف جذب يهود العالم إليها. وبحسب موقع “واللا” الإسرائيلي فأن كندا منحت الإسرائيليين بعد طوفان الأقصى “تأشيرة إنسانية” إلى جانب مشروع يمنحهم تأشيرة عمل لمدة ثلاثة أعوام، يمكن خلالها تقديم طلب للحصول على الإقامة الدائمة أو المواطنة الكاملة. وبين الموقع أن آلاف الإسرائيليين من الفئات التي تحمل مؤهلات قوية وقدرات مهنية عالية استغلوا ذلك وباشروا بإجراءات الهجرة إلى كندا التي تتربع في المرتبة الثانية بين أفضل دول العالم للعيش بعد سويسرا وتحتل المرتبة الثامنة عالمياً من حيث دخل الفرد.
فيما رصدت وسائل إعلام إسرائيلية أن الشركات التي تقدم خدماتها الهجرة تنهمك بصورة غير مسبوقة في تقديم شروحات لطالبي الهجرة تركز على كيفية نقل الأصول المالية من “إسرائيل” إلى الخارج وإنشاء حسابات مصرفية وشراء العقارات في دول أوروبية بعد أن تبين أن عدداً كبيراً منهم باع منازله لشراء أخرى في قبرص واليونان وتايلاند وإسبانيا والبرتغال وغيرها من الدول. و كشف استطلاع للرأي أمس أجرته قناة (كان) التابعة لهيئة البث الرسمية، أن حوالي ربع الإسرائيليين فكروا في الهجرة للخارج خلال العام المنصرم، بسبب “الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة”، وأظهر الاستطلاع، أنّ 23 في المئة من الإسرائيليين، “فكروا خلال العام المنصرم (منذ أكتوبر 2023 حتى أكتوبر 2024)، في مغادرة البلاد، بسبب الوضع السياسي والأمني الراهن. وقالت قناة (كان) تعقيبًا على الاستطلاع، إنّ معدل الهجرة السلبية في “إسرائيل” كان واضحًا حتى قبل نشوب الحرب الأخيرة (في أكتوبر 2023)، حيث كان عدد المغادرين يفوق عدد المهاجرين الجدد خلال السنوات الأخيرة. وأشارت القناة الرسمية إلى أنه على الرغم من عدم توفر بيانات رسمية للسنة الحالية (2024)، يبدو أن هذا الاتجاه مستمر (الهجرة السلبية) و، كشفت معطيات رسمية صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية فى سبتمبر/ أيلول 2024 ، مغادرة أكثر من 40 ألفا، في الأشهر السبعة الأولى من 2024، أما عام 2023 هاجر حوالي 55 ألف مواطنا من “إسرائيل”. ويشير الباحث الفلسطيني جورج كرزم في كتابه “الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين” الصادر عام 2018 إلى أن “أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين قد أعلنوا في ظروف سلمية أنهم يفكرون بترك “إسرائيل” وأن نحو 70% من الإسرائيليين يتوجهون للحصول على جنسية أخرى أو فكروا في ذلك”.
أما في ظروف الحرب -مثل التي تجري حاليا- أو في ظروف مواجهة طويلة الأمد مع “إسرائيل” وفقدان أسباب البقاء فإن هذا العدد سيتضاعف، وفي حال نفّذ نصف العدد المذكور فكرتهم في الهجرة العكسية فإن “إسرائيل” ستفقد عمليا ربع سكانها على الأقل، مما يعني تآكل “إسرائيل” وتفوق عدد السكان العرب تدريجيا بفعل الزيادة السكانية المرتفعة لديهم.
وقد نجحت عملية “طوفان الأقصى” -كما كل الحروب السابقة- في كشف عوامل القصور والضعف في بنية “إسرائيل” بتهشيم الواجهة الهشة التي كانت تعتمد عليها، وبفعل صدمة 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري العسكرية وتفاقم المشاكل الداخلية ونزيف الهجرة العكسية تذهب “إسرائيل” إلى الفراغ، فلا استقرار ولا أمن ولا ازدهار يدعو للبقاء، وفي ذلك زيادة لعوامل الانهيار الداخلي لبنية وجودها الأساسية.
ومن مؤشرات قياس الهجرة العكسية عدد الرحلات اليومية في مطارات “إسرائيل”، فبحسب موقع “فلايت رادار 24″، بلغ عدد الرحلات الجوية من مطار بن غوريون لوحده 120 رحلة يومياً وبمعدل 24 ألف مسافر، وهو المعدل الأكبر المسجل في المطار على مدى الأشهر والسنوات الأخير. هذا من غير احتساب الرحلات الجوية من مطاري إيلات وحيفا، والمغادرين عن طريق البحر من ميناءي حيفا ويافا، فإن المجموع يصبح نحو 40 ألف مسافر مغادر يومياً. بالإضافة إلى ذلك، بحسب موقع “the marker” الإسرائيلي بلغ عدد الإسرائيليين ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية ويقيمون بصورة دائمة تقريباً في دول عدة ولا يرغبون بالعودة إلى “إسرائيل” 800 ألف. في هذا الصدد، اشارت القناة ال12 الإسرائيلية إلى أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال بعد إعلانها السماح لليهود بالحصول على تأشيرات اللجوء، شرط حيازتهم على جواز سفر إسرائيلي. وبالمقابل كشف موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوربي، عن ارتفاع طلبات الحصول على الجنسية من قِبل الإسرائيليين ومنها: البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بنسبة 10%.
من جانبه يقول نبيل السهلى كاتب وباحث فلسطينى :” إن ظاهرة الهجرة العكسية لليهود خارج “إسرائيل” ليست بسبب الحرب على غزة اليوم فقط وتداعيات استمرار المقاومة الفلسطينية، بل هي ملازمة للدولة اللقيطة “إسرائيل” كلما استجدت داخلها أزمة سياسية أو أمنية، وقد كشفت تقارير إسرائيلية أن نحو (40) في المائة من الإسرائيليين وخاصة جيل الشباب يفكرون في الهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة.
موضحا أن العدوان لم ينجح في تحقيق الهدف الإسرائيلي الأخطر في تهجير أهل غزة والضفة الغربية، بل على العكس، ارتفعت وتيرة الهجرة العكسية لليهود الإسرائيليين وخاصة الشباب؛ بعد انهيار أسطورة “إسرائيل” في أكتوبر المنصرم، ويدخل العدوان شهره التاسع دون أن يحقق أي هدف من أهدافه المعلنة والخفية، وتستمر المقاومة لتكتسب آثارها الكارثية والطويلة الأمد أبعادا إضافية على الداخل الإسرائيلي.ويضيف من بين الفئات التي سافرت للخارج ورفضت العودة شباب تم استدعاؤهم للتجنيد والمشاركة في حرب غزة، لكنهم تخلّفوا وتواجههم عقوبات، خاصة في ظل ارتفاع معدل التخلف عن التجنيد. ولولا التضييق على البعض لتركوها للجيش وقادته وهربوا، إذ تبخرت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر بعد عملية طوفان الأقصى.