مدير قسم الدراسات الإستراتيجية في الجامعة اللبنانية للوفاق:

“طوفان الأقصى” تهديد وجودي للكيان الصهيوني

عتريسي: من التغيّرات المهمة على المستوى الإقليمي التي حصلت هي تشكّل ما عُرف بجبهة الإسناد الإقليمية التي أصبحت قوة إقليمية حقيقية.

2024-10-07

موناسادات خواسته

 

الوفاق/ خاص يصادف اليوم مرور عام كامل على إنطلاق عملية “طوفان الأقصى”، تلك العملية التي هزّت أركان الكيان الصهيوني وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي، ففي الذكرى السنوية الأولى لهذه العملية البطولية أجرينا حوارا ًمع مدير قسم الدراسات الإستراتيجية في الجامعة اللبنانية الأستاذ الدكتور طلال عتريسي، الذي له دراسات ومؤلفات كثيرة، وسألناه عن رأيه حول عملية “طوفان الأقصى” وتداعياتها، وفيما يلي نصه:

 

“طوفان الأقصى” تغيير كبير في طبيعة المعادلات

 

 

 

بداية تحدث الدكتور طلال عتريسي عن علمية “طوفان الأقصى” وتداعياتها وآثارها، حيث قال: عملية “طوفان الأقصى” كانت عملية مفاجئة على المستوى الإستراتيجي بالنسبة لكيان العدو الغاصب وإلى طبيعة الصراع في المنطقة، هذا الكيان كان دائماً هو الذي يقوم بعمليات مفاجئة، إنسجاماً مع عقيدته العسكرية، التي تقوم على الحرب الخاطفة والمفاجئة، عملية “طوفان الأقصى” كانت عملية مفاجئة للعدو الصهيوني، وهذا تغيير كبير في طبيعة المعادلات.

 

ثانياً كشفت “طوفان الأقصى” أن القدرات الأمنية والعسكرية والإستخبارية ليست كما يُقال خصوصاً في داخل فلسطين وتبيّن أن حركة حماس استطاعت أن تُخفي هذا المشروع وأن تُنفّذ هذه العملية من دون أن تعرف أجهزة العدو وإستخباراته وجيشه كما نجحت حركة حماس لأول مرّة من تاريخ هذا الكيان، بأسر أكبر عدد من الأسرى،  أكثر من مئتي أسير، خلال بضع ساعات، ولهذا السبب إعتبر قادة الكيان الصهيوني أن ما حصل هو فشل كبير، على كل المستويات وأن نتائج “طوفان الأقصى” هي تهديد وجودي لهذا الكيان، ومنذ تلك اللحظة بدأ الكيان الغاصب بكل أجهزته يتصرّف على أساس أنه يدافع عن وجوده، ليس فقط رداً على هذه العملية، اعتبر أن أُسس هذا الوجود قد اهتزت بسبب هذه العملية، خصوصاً بعد أن بدأت جبهات الإسناد خارج فلسطين عملها، وأصبحنا أمام مرحلة جديدة من الصراع مع العدو.

 

“طوفان الأقصى” بداية نقطة تحول

 

ويعتقد الأستاذ اللبناني أن معركة “طوفان الأقصى” هي بداية نقطة تحول في الأوضاع بالمنطقة وخاصة الصراع مع العدو، ويقول: هذا الأمر أعطى اثره من جهتين أولاً على مستوى وعي العدو نفسه، لما جرى من الشعور بالتهديد الوجودي، الذي استغله العدو لإطلاق كل طاقته التدميرية والوحشية، ضد الشعب الفلسطيني في غزة ولاحقاً ضدنا، كما أن من التغيّرات المهمة على المستوى الإقليمي التي حصلت هي تشكّل ما عُرف بجبهة الإسناد الإقليمية، من لبنان إلى العراق وإلى اليمن، إلى سوريا والتي تدعمها إيران، هذه الجبهة أصبحت قوة إقليمية حقيقية، لم تكن موجودة بمثل هذا الحضور والفاعلية قبل طوفان الأقصى، وهذا جعل العدو يشعر بالتهديد الوجودي، وبأن استمراره أصبح مهدداً، خصوصاً وأن الكيان عجز عن وقف جبهات الإسناد وعجز عن تحقيق الإنتصار في غزة، والقضاء على حركة حماس وإطلاق الأسرى المعتقلين لديها.

 

الكيان الصهيوني يتبع أمريكا

 

أما فيما يتعلق باغتيال قادة المقاومة ودور أمريكا في هذا المجال يقول الاستاذ عتريسي: بيّنت عملية “طوفان الأقصى” حجم التبعية الكاملة للقرار الصهيوني من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وحسمت النقاش حول مَن يتبع مَن؟، كان هناك نقاش دائم، أن الكيان الصهيوني هو الذي يؤثر على الولايات المتحدة وسياساتها، وهناك مَن يقول لا، أن أمريكا هي التي تؤثر، “طوفان الأقصى” أكد بما لا يضع مجال للشك بأن الكيان الصهيوني يتبع مائة في المائة القرار الأمريكي، خصوصاً على المستوى الإقليمي، ويقع تحت قيد القرار الأمريكي، وأمريكا تحميه وتقدّم له الدعم السياسي والعسكري والصواريخ والقذائف، وعندما يريد الكيان أن ينفّذ عملية معيّنة هو يخبر أمريكا، ويطلب الموافقة والحماية من الولايات المتحدة، وبالتالي عملية “طوفان الأقصى” بيّنت كيف أن الكيان الصهيوني عندما ينجح حتى بإغتيال قادة المقاومة، يحصل على موافقة أمريكية، في ظل ما يعتبره، كما أشرنا، دفاع عن وجوده، وفي نفس الوقت هو يعتقد بأن خطة إغتيال قادة المقاومة سوف تنهي المقاومة، وهو يعتقد أن إغتيال القيادات الميدانية سوف يُضعف الجهد العسكري للمقاومة، وسوف يؤدي إلى تفككها، وإضعاف وجودها السياسي، ولهذا السبب عمل بشكل متسارع، مجموعة من عمليات الإغتيال، لأنه يشعر بخوف من حالة الإستنزاف، التي استمرت سنة، العدو الصهيوني طوال تاريخه، لم يحارب لمدة سنة، لهذا السبب هو أراد أن ينتهي من حالة الإستنزاف، وأن يُنهي مشروع جبهة الإسناد، بأن يقضي على المقاومة، بحيث يحقق الإنتصار السريع، لكن كما تبيّن في الأيام القليلة الماضية، أن هذا الأمر لم يكن كما تصوّر العدو، وأنه على الرغم من الخسارة الكبيرة التي وقعت في قيادات المقاومة، لا تزال المقاومة تستطيع أن توجه الضربات تلو الضربات وتوقع القتلى والجرحى بالعشرات في صفوف العدو، عندما يحاول الدخول البرّي إلى لبنان.

 

دعم جبهة المقاومة

 

وحول المطلوب من الحكومات والشعوب الاسلامية لدعم جبهة المقاومة، يقول عتريسي: هناك في الحقيقة فرق بين الحكومات والشعوب الإسلامية وما هو المطلوب، الحكومات ربما تختلف من حكومة إلى أخرى وأن هناك بعض الحكومات لديها علاقات مع العدو الصهيوني، والمطلوب هو أن تقطع هذه العلاقات، هناك حكومات لديها علاقات تجارية واقتصادية، المطلوب أن تتوقف هذه العلاقات، و مطلوب من كل الحكومات الضغط السياسي والدبلوماسي والإعلامي والنفسي، في مختلف المحافل، الدولية خصوصاً، لكي يشعر العالم بموقف إسلامي موحّد، ويشعر الكيان بمزيد من العزلة، وبأن الجرائم التي يرتكبها، لا يوافق عليها أحد من العالم الإسلامي.

 

الشعوب بدورها ستكون أكثر جرأة على الخروج إلى الشوارع وتظارات تنديد بما يحصل، ورفع الشعارات المؤيدة للمقاومة في فلسطين ولبنان، وهذا ينعكس إيجابياً على المستوى النفسي والمعنوي لدى المجاهدين في المقاومة، ومطلوب حركة شعبية وسياسية وإعلامية ودبلوماسية على كافة المستويات، بحيث تكون قضية فلسطين قضية الشعوب العربية والإسلامية وتكون قضية المقاومة، هي القضية التي يجب الوقوف إلى جانبها والدفاع عنها.

 

“طوفان الأقصى” تكشف الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني

 

وفيما يتعلق بتأثير “طوفان الأقصى” على تغيير أفكار العالم وكشف حقيقة الكيان الصهيوني المجرم قال عتريسي: عملية “طوفان الأقصى” وماجرى بعدها، نعم، إكتشف العالم حقيقة هذا الكيان وكُشفت كل الإدعاءات، التي كان يتغطى خلفها ويحتمي بها، مثل الدفاع عن النفس والعداء للسامية، ومثّل نفسه أنه مُحاط بدول معادية، وبأنه مدافع عن الديموقراطية في الشرق الأوسط، وبعد جرائمه الأخيرة تغيّر الرأي العام العالمي، والدليل على ذلك أن مئات الألوف من الناس والشباب والجامعيين والمفكّرين الذين خرجوا إلى الشوارع في العواصم الدولية ينددون بالمجازر التي يرتكبها العدو في فلسطين، ويطالبون بالحرية لفلسطين وإنهاء الإحتلال، والبعض يُطالب بزوال الكيان الصهيوني، نعم “طوفان الأقصى” كانت محطة مهمة مفصلية لتغيير الوعي العالمي الغربي تجاه هذا الكيان المجرم الذي أصبح معزولاً على المستوى السياسي والإعلامي والدبلوماسي،ابتداءً من محكمة العدل الدولية التي أصدرت قرارات إدانة لما يجري في غزة والمحكمة الجنائية الدولية التي وجّهت إتهامات مباشرة لرئيس حكومة العدو الصهيوني، إلى منتديات أخرى شعبية وسياسية، في مختلف أنحاء العالم، والتي تندد بممارسات الكيان الصهيوني، وتفضح الوجه الدموي لهذا الكيان.

 

توثيق هذه اللحظات مسألة مهمة

 

وحول توثيق هذه اللحظات التاريخية للأجيال القادمة والذي يقع على عاتقنا يعتقد أستاذ الجامعة اللبنانية أن عملية “طوفان الأقصى” وما جرى بعدها مهم جداً ويقول: أعتقد أن توثيق هذه اللحظات مسألة مهمة يُفترض أن تكون هناك الأجهزة المختصة الإعلامية والسياسية والبحثية، لأن هذا الصراع مفتوح ولن ينتهي في الأيام والأشهر المقبلة، وربما يمتد إلى سنوات، وربما تتغير فيه مواضيع القوى، تقدّمت أو تراجعت، لهذا الصراع يُكتب من الآن وعن طبيعة هذا الصراع، وطبيعة الجرائم التي ارتكبت، وعن طبيعة المقاومة التي أنجزت وقدّمت تضحيات كبرى وحققت إنتصارات كبرى، هذا يجب أن يُحفظ بالكتب والأبحاث والأفلام والوثائق، حتى تكون ذاكرة المستقبل هي ذاكرة مبنية على هذا الوجه المزدوج للصراع، وجه إنجازات المقاومة من جهة وبطولاته، ووجه آخر الجرائم التي ارتكبها العدو وخصوصاً الدعم الغربي لهذا العدو حتى يعلم الناس ويدرس الطلاب في المدارس والجامعات حقيقة هذا الغرب وأن كل ما فعله الكيان الصهيوني من جرائم كان بحماية غربية ودعم وتأييد غربي.

 

“الوعد الصادق 2” صفعة قوية للكيان الصهيوني

 

وحول عملية “الوعد الصادق 2” يقول الدكتور طلال عتريسي: عملية الوعد الصادق 2 التي نفّذتها الجمهورية الإسلامية ضد الكيان الصهيوني هي في الحقيقة صفعة قوية للغرور الصهيوني، الذي تفاقم كثيراً بعد الإنجازات التي حققها من خلال الإغتيالات والقصف والتدمير وتهجير الناس، إلى درجة أن نتنياهو بدأ يتحدث عن التغيير في الشرق الأوسط، لأنه يريد أن يكون هناك شرق أوسط جديد وفق الرؤية الصهيونية، وأنه يستطيع إنهاء حركة المقاومة، وكل هذه الإدعاءات، إذن لم يكن بمقدور إيران أصلا أن تنتظر أكثر للرد على جريمة إغتيال إسماعيل هنية قبل شهرين في العاصمة طهران، وثم إغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، هذه الضربة كانت صفعة لتعيد للكيان الصهيوني حجمه الحقيقي، وليتبين في الوقت نفسه، مدى التبعية لأمريكا التي دخلت مباشرة على خط التهدئة والمعالجة وضبط رد الفعل الصهيوني، إذن إيران تعيد الأمور إلى توازنها، وتعيد الكيان الصهيوني إلى حجمه، وتعيد موقع إيران وأهمية إيران على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية، وعلى علاقة إيران بمحور المقاومة، ودعمها للمحور وموقفها الثابت من الكيان الصهيوني، هذه رسالة واضحة لموقف إيران من الإعتداءات الصهيونية، ولموقف إيران الثابت من قضية فلسطين، وهي رسالة إلى كل قوات المنطقة بأن إيران سترد على أي إعتداء قد تتعرض له، خصوصاً وأن مثل هذا الإعتداء سيغيّر كل التوازنات والمعادلات في المنطقة، هذه هي رسالة إيران ضمن عملية الوعد الصادق التي حققت أهدافها على كل المستويات.

المصدر: الوفاق/ خاص

الاخبار ذات الصلة