أيمن الرفاتي
مع نهاية العام الماضي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على قرار يقضي بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول الآثار المترتبة على انتهاكات كيان الاحتلال لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وتتضمن الاستشارة الوضع القانوني لاحتلال الضفة وبناء المستوطنات فيها، وهو ما يتوقع أن يحمل قراراً باعتبار وجود الاحتلال ومستوطناته ومستوطنيه غير شرعي.
وعلى الرغم من أنّ الطلب الفلسطيني للفتوى القانونية من محكمة العدل الدولية لن يكون له تأثير فوري في كيان الاحتلال وحكومته المتطرفة، فإنه يمثل نقطة مهمة في النضال الدبلوماسي الفلسطيني، إذ إنّ هذه الاستشارة ستمثّل نقطة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، وستعطي الفلسطينيين الضوء الأخضر لاستخدام جميع الوسائل لطرد الاحتلال من الضفة الغربية خلال المرحلة المقبلة.
الاستشارة والفتوى القانونية التي ستصدر عن الأمم المتحدة ستكون مهمة في ما يتعلق بالضفة الغربية، إذ إنّها ستُعرّف “دولة” الاحتلال كـ”دولة” تمارس احتلالاً غير شرعي فيها، وهو ما سينعكس على كل أنشطة الاحتلال فيها، بما في ذلك الاستيطان وكل ما يتعلق به، إضافة إلى تحركات “جيش” الاحتلال ووجوده فيها.
هذه الفتوى ستكون مادة دسمة للفلسطينيين للتحرك بها خلال الفترة المقبلة، للدفع بمطالبهم أمام الجميع في ما يتعلق بوضع الضفة الغربية المحتلة. هذا الأمر سيجعل الضفة الغربية وانسحاب الاحتلال من كامل أراضيها مطلباً منطقياً لجميع الفلسطينيين، بمن فيهم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، في حال دخلت جولات قتال مستقبلية مع الاحتلال.
تداعيات القرار الأممي ستكون غاية في الأهمية، على الرغم من عدم اكتراث “دولة” الاحتلال لمثل هذه القرارات على مدار العقود الماضية، وخصوصاً أنّها لم تعر اهتماماً لقرار سابق للمحكمة عام 2004 بعدم قانونية جدار الفصل العنصري في الضفة المحتلة.
وقد جاء التعاطي الإسرائيلي هذه المرّة معها ناقداً ولاذعاً، ومقللاً من أهميتها على المدى القصير، ومحذراً من تبعاتها على المدى البعيد، إذ اعتبر معلقون قانونيون إسرائيليون، ومنهم يوفال أرائيل، أنّ الحكم سيكون غير ملزم لـ”إسرائيل”، فهي ليس محكمة الجنايات الدولية التي تمتلك ميزة إصدار قرارات باعتقال مسؤولين إسرائيليين، إضافة إلى أنّ صدور مثل هذا القرار يحتاج إلى عامين حتى تظهر أضراره.
الأضرار التي تتوقعها “دولة” الاحتلال تتركّز على أنّه سيتم تعريف الكيان الإسرائيلي كــ”دولة” تمارس احتلالاً غير شرعي، ما سينعكس بتنامي حركة مقاطعتها ومقاطعة مستوطناتها في الضفة الغربية في الكثير من دول العالم، وهو ما يهدد بموجة كبيرة من المقاطعة تصل إلى سحب عدد من الشركات الاستثمارات من الكيان، ناهيك بتأثيرات مثل هذا القرار في علاقة الكيان مع مختلف الدول، وخصوصاً الأوروبية منها.
من ناحية أخرى، تخشى أوساط سياسية في “دولة” الاحتلال أنّ تأثير هذا القرار سيكون أكبر في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة التي ستعمل على تنفيذ خطوات كبيرة لتعزيز احتلال الضفة الغربية، وهو ما سيدفع قضاة محكمة العدل الدولية الـ15 إلى التشدّد خلال بلورة رأي قانوني بخصوص وضع الاحتلال في الضفة.
أمام هذا المشهد، فإنّ المطلوب من الفلسطينيين خلال الفترة المقبلة أن يواصلوا جهودهم لمحاكمة الاحتلال وقادته عبر التوجّه إلى محكمة الجنايات الدولية، لكن الأهم هو استمرار مقاومة الاحتلال على كلّ الصعد الدبلوماسية والشعبية والمقاومة بأشكالها كافة.
كما أنّ المطلوب من الفصائل الفلسطينية خلال الفترة المقبلة أن تجعل إخراج الاحتلال من الضفة الغربية المحتلة هدفاً لها، عبر جعل ثمن وجود المحتلين كبيراً عليهم، وأيضاً الإعلان بشكل رسمي أنّ هدفها المرحلي خلال الفترة القريبة يتمثّل بإخراج الاحتلال من الضفة الغربية، واستخدام جميع الوسائل لإخراجه منها، بما في ذلك جعل هدف إخراج الاحتلال منها هدفاً للمواجهات العسكرية الكبرى بين المقاومة والاحتلال.
النضال الدبلوماسي الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من حركة المقاومة الفلسطينية للاحتلال، وهو عامل يكمل مشهد مواجهة الكيان في كل الساحات، ويدعم رواية الشعب الفلسطيني، إلا أنّ التحدي الذي يواجهه حالياً يتمثل بزيادة وتيرة العمل الدبلوماسي، والإسراع في محاكمة الاحتلال دولياً وإحراجه أمام مختلف دول العالم، ومواجهة دعايته بالرواية الفلسطينية الموثّقة، بل إنّ الأهم في العمل الدبلوماسي خلال الفترة المقبلة هو دعم رواية مقاومة الاحتلال بجميع الوسائل، بما فيها الوسائل الشعبية والعسكرية.
أعتقد أنّ على الشعب الفلسطيني التجهّز خلال الفترة المقبلة لمعركة كبيرة بعنوان “تحرير الضفة” من الاحتلال، بالاستناد إلى الحق الفلسطيني الثابت وقوة المقاومة، إلى جانب البعد القانوني الدولي الذي بات يجرّم وجود الاحتلال ومستوطناته في الضفة الغربية. وعلى المقاومة الفلسطينية التفكير في انحساب الاحتلال من الضفة الغربية كواحد من مطالبها في أي مواجهة عسكرية مع الاحتلال.