تلاحظ الأم أن طفلها يميل إلى إثارة الفوضى والانشغال بها طوال اليوم، متجاهلا توجيهاتها، بما في ذلك القواعد التي تضعها له مثل مواعيد النوم أو تنظيف الأسنان، حيث يتجنب الالتزام بها. لكن المفاجأة التي تواجه العديد من الأمهات، هي أنه عند عودتها بعد غياب قصير وترك الطفل مع الأب، تجد المنزل أكثر هدوءا وتنظيما مما كانت تتوقع. وتكتشف أن الطفل كان مطيعا واتبع القواعد التي وضعها والده، بما في ذلك الالتزام بموعد النوم، وكان سلوكه ممتازا.
وجد العلماء أن تأثير الأب على الطفل يفوق تأثير الأم، بل يصل إلى حد تغيير سلوكهم بشكل ملحوظ، حيث يتضح أن أسلوب التربية الذي يتبعه الأب يكون أكثر تأثيرا بشكل كبير مقارنة بأسلوب الأم.
في مقال منشور على موقع مؤسسة “فاذر ماترز”، قال رونالد رونر، مدير مركز دراسة القبول والرفض بين الأشخاص في جامعة كونيتيكت: “لقد وجدنا أن الآباء ليسوا مؤثرين فحسب، بل في بعض الأحيان لهم تأثير أكبر على نمو الأطفال مقارنة بالأمهات”.
وأشار رونر إلى أسلوب التربية الذي يطلق عليه “الأبوة المتسلطة” وهو أسلوب يتميز بالدفء والحب، والمساءلة عن القواعد ولكن مع تقديم تفسيرات لسبب وجود هذه القواعد، ومنح الاستقلالية المناسبة لعمر الأطفال، لا فتا إلى أن الآباء الأكثر فعالية هم أولئك الذين يستمعون إلى أطفالهم، ويقيمون علاقات وثيقة معهم، ويضعون القواعد المناسبة، ولكنهم يمنحونهم أيضا الحريات المناسبة.
وأضاف رونر إلى أن الأطفال يميلون إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لما يفعله الأب ويقوله مقارنة بأمهاتهم، وهو ما يكون له تأثير أكبر على سلوكهم.
لماذا يتصرف الطفل بشكل أفضل مع الأب؟
يظهر الأطفال مزيدا من التعاون والامتثال مع الأب مقارنة بالأم. يطرح موقع “بابي شيك” عددا من الأسباب التي تؤثر على الطفل وتجعله يستجيب بشكل أفضل وأكثر مرحا مع الأب، منها:
1- الوقت: في العديد من العائلات تقضي الأم وقتا أطول مع الأطفال مقارنة بالأب، مما يجعلها أكثر عرضة لملاحظة السلوكيات الصعبة ببساطة لأنها تمضي معهم وقتا أطول.
إضافة إلى ذلك، الحالة العاطفية تؤثر، مع قضاء الأم وقتا أطول مع الأطفال إضافة إلى المسؤوليات الأخرى فإنها تكون أكثر عرضة للشعور بالإرهاق، وقد يكون من الصعب عليها التفاعل بإيجابية، مما يؤثر على سلوك الطفل. أما الأب، الذي قد يقضي وقتا أقل، فيصبح حضوره جديدا ومثيرا للأطفال، مما يخلق تفاعلات أكثر إيجابية.
2- أسلوب التربية: يلعب أسلوب التربية دورا مهما في كيفية تصرف الأطفال مع كل من الوالدين. الأطفال قادرون على التكيف، وإذا اختلفت طريقة التربية بين الوالدين، سيختلف سلوك الأطفال تبعاً لذلك.
تميل معظم الأمهات إلى وضع حدود ثابتة لكنها تتفاوض كثيرا مع الأطفال وتتراجع أحيانا، بينما معظم الآباء صارمين ولا يسمحون بالتفاوض، سيتصرف الأطفال بمزيد من المقاومة مع الأم والتزام أكثر مع الأب. وفي نمط آخر، قد تكون الأم متساهلة والأب يتعاون مع الأطفال في وضع الحدود، سيستجيب الأطفال لكل والد بطريقة مختلفة، ويستغلون تساهل الأم لإحداث فوضى أكثر بينما يلتزمون بالحدود التي وضعوها مع الأب. المهم هو ملاحظة تأثير أسلوب التربية على سلوك الطفل لتعديل الديناميكية وفقا للحاجة.
3- تأثير لغة الجسد على الطفل: يتأثر سلوك الأطفال بشكل مباشر بتفاعلاتهم مع البالغين بشكل عام والوالدين بشكل خاص، من خلال ما يعرف بالخلايا العصبية “المرآتية” وهي خلايا المخ المسؤولة عن الاستجابة.
فعندما يرى الطفل أحد والديه مبتسما، يميل للرد بنفس الحماس والراحة. وعلى العكس، إذا كان الوالد مرهقا أو منزعجا، سيستجيب الطفل غالبا بالمشاعر السلبية نفسها. بالتالي، تعبيرات الوجه ولغة الجسد للأب أو الأم تؤثر بشكل كبير على سلوك الطفل، حيث يميل الأطفال إلى تقليد ما يرونه في تفاعلاتهم اليومية. ولأن طاقة الأم تستنفد خلال اليوم مع رعاية الأطفال والبيت والعمل يكون تفاعلها وتعبيراتها مرهقة ومتوترة على عكس الأب، فيحاكي الطفل كل والد بما يراه.
4- التعلق الآمن: يعتبر الطفل الأم، تحديدا، بمثابة الملاذ الآمن، وهو ما يسهم في بناء ارتباط آمن لدى الطفل. وبينما يعد التعلق الآمن مفهوما أساسيا يؤثر في سلوك الأطفال تجاه والديهم، فإن الأم تكون حجر الزاوية في ذلك. تستطيع الأم بطبيعتها استيعاب الطفل ومشاعره أكثر، وقد تتراجع عن عقابه أو القواعد التي فرضتها، يشعر الطفل أن هناك مساحة آمنة للخطأ والتعبير عن مشاعره بأمان أكثر. لذا فإن السلوك الصعب من الطفل، أحيانا، دليل على أنه يشعر بالأمان ويمكنه أن يعبر عن نفسه دون خوف.
هناك عدد من الإستراتيجيات والطرق التي قد تساعد في التعامل مع الطفل الذي يظهر سلوكا أفضل في وجود الأب مقارنة بالأم:
التواصل الفعال: من الضروري التحدث مع الطفل لفهم مشاعره وأفكاره حول العلاقة مع كلا الوالدين. وسؤاله عن الأشياء التي يحبها في قضاء الوقت مع الأب وكيف يشعر عندما يكون مع الأم.
خلق بيئة إيجابية عند وجود الأم: من الممكن تعزيز سلوكيات الطفل الجيدة عند التفاعل مع الأم من خلال الثناء عليه والتشجيع واللعب معه وممارسة هوايات معينة مثل التلوين أو القراءة أو الموسيقى.
تقنيات اللعب: إذا كان الأب يستخدم أسلوبا أكثر حيوية ومرحا، فمن الجيد أن تحاول الأم اتباع أسلوب جذاب ومرح للقيام ببعض الأنشطة مع الطفل. يمكن أن يسهم اللعب والأنشطة الجذابة في تعزيز العلاقة بين الأم والطفل.
كيف تضمنين تربية شقيقين لا تفرقهما الأيام؟
التعامل مع الضغوطات: إذا كانت الأم تشعر بالتوتر أو الإرهاق، فقد يؤثر ذلك على تفاعلها مع الطفل. من المهم أن تعتني الأم بنفسها وتستقطع وقتا خاصا بها، وتبحث عن الدعم من العائلة والأصدقاء إذا كانت بحاجة إليه.
التعاون بين الوالدين: من المهم أن يتشارك الأب والأم في وضع قواعد وتوقعات واضحة للطفل. يمكن أن يساعد ذلك في توحيد أسلوب التربية وتقليل الفروق في السلوك والتعامل مع الطفل بين الوالدين.
طلب المساعدة: إذا استمر سلوك الطفل المختلف بشكل ملحوظ، قد يكون من المفيد استشارة متخصص في علم النفس أو تربوي للمساعد في فهم المشكلة بشكل أفضل وتقديم نصائح مخصصة.
فريدة أحمد