سهامه مجلسي
الوفاق /خاص المقاومة هي خيار إستراتيجي اختارته الشعوب لمواجهة المستعمر واسترداد حقوقها المشروعة من المستبد، فالشعوب «عند المطالبة بحقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية أو للتحرر من هيمنة المستعمر، كثيرا ما تلجأ إلى المقاومة في نضالاتها وفي كفاحها ضد الاضطهاد بأنواعه المختلفة».
وأن هذا الخيار الطبيعي في الدفاع عن النفس والحق، خلّف كثيراً من المآسي تمثلت في المذابح الجماعية وشهداء بالملايين وثقها تاريخ النضال السياسي، والعنف حالة متجذرة لدى الكيان الصهيوني منذ تأسيسه واستيلائه على أراضي الفلسطينيين واعتداءاته المتكررة على الأراضي اللبنانية وإجتياحها بالعمليات العسكرية العديدة، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة الخبيرة في علم الاجتماع السياسي ليلى صالح وفيما يلي نصه:
العنف متجذر لدى الكيان الصهيوني
في البداية، أوضحت الدكتورة ليلى صالح بأن تجذر العنف لدى الكيان الصهيوني يعود لعدة أسباب متداخلة، ذاتية، وموضوعية، ارتبط بعضها بعوامل تاريخية، وأيديولوجية، فضلاً عن العوامل السياسية والاقتصادية. فتأسيس هذا الكيان الصهيوني، على خلفية صراع مسلح في عام 1948، خلال حروب وعمليات عسكرية سيطر فيها على الأراضي الفلسطينية وطرد السكان الفلسطينيين، هذا التأسيس العنيف أدى إلى استمرار عقلية الحرب والعدوان.
أضف إلى الأيديولوجية الصهيونية التي قامت على مبدأ استعادة «أرض الميعاد» لليهود لتبرير الاستيطان، وفرضه باستخدام القوة والعنف وتهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض، وذلك بدعم الجيوش المستعمرة للعصابات الصهيونية، التي شكلت نواة هذا الكيان، الذي هو عبارة عن تجمعات لأفراد «اقتصاديين وساسة» وجماعات متطرفة، ما يجعله يفتقر الى سمات المجتمعات الإنسانية، كما أن استمرار الإحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية يشكل مصدراً إضافياً لتحويل العنف تجاه الفلسطينيين ومن يختلف مع الصهاينة في الرأي والمصلحة إلى نمط ومزاج عام.
وبارتكاز عقيدتهم الأمنية على مبدأ القوة العسكرية لحماية الدولة وتوسيع نفوذها، مع تبنيهم لرؤية دينية متطرفة تبرر العنف ضد المجتمعات البشرية لخدمة مصالحهم لاسيما العنف ضد الفلسطينيين والعرب، آخره تجاوزهم لكل الخطوط الحمر المدنية في اعتداءات تفجيرات البايجر يومي 17 و18 سبتمبر الماضي.
العنف أساس بقاء الكيان الصهيوني واستمراره
كما أشارت الدكتورة إلى أن الكيان الغاصب هو عبارة عن تجمعات لجماعات متفرقة، تجذر العنف في وعيهم الجمعي كنمط حياة لتحقيق مصالحهم والدفاع عن وجودهم المصطنع، وبارتكاز عقيدتهم المتطرفة على العنصرية والغطرسة تجاه المجتمعات الأخرى، فضلاً عن ظاهرة الطمع والخداع اللتين عُرفوا فيها في المجتمعات التي وجدوا فيها، الشرقية والغربية قبل إنشاء كيانهم المصطنع، منعت اندماجهم بشكل طبيعي في هذه المجتمعات، فلم يرقوا إلى مستوى المجتمعات الإنسانية بعيدة من مناقشة اغتصابهم لأرض فلسطين واحتلالهم للبنان واعتداءاتهم المستمرة، فضلاً عن حروبهم بالأصالة عن كيانهم بدوره الوظيفي في منطقتنا، وبالنيابة عن الدول الغربية ومصالحها الاقتصادية السياسية التي تقوم على العنف وتستمد مشروعيتها الدولية منه ما يجعل استحالة بقاء هذا الكيان بدون هذا العنف، الذي يحمي وجوده الكياني ودوره الوظيفي في المنطقة.
وقد يرتبط سياق تسميات العنف وتوصيفه بالسياق السياسي والإعلامي، لذا التمييز بين «العنف الصهيوني» يرتبط بالقوة السياسية والإعلامية للدول والقوى الكبرى التي تسيطر على وسائل الإعلام العالمية، في إنتاج السرديات الصهيونية وفي صناعة الناشئة، من خلال المساهمة بشكل كبير في صياغة المصطلحات التي توجه الرأي العام. فوسائل الإعلام الغربية، تستخدم مصطلحات أقل حدة عند الإشارة إلى الاعتداءات الصهيونية في غزة ولبنان، بالرغم من وضوح حقيقة انتهاكها لكل المواثيق والقوانين الدولية لحقوق الإنسان المدنية في السلم والحرب، بسبب العلاقات الدبلوماسية والسياسية القوية بين الغرب والكيان. كما وجدنا نفس هذا الإعلام ربط بعض الحركات التي تصفها القوى الكبرى بـ«العنف الإسلامي» بالدين بشكل مباشر تحت مسمى الإرهاب العالمي، مما أدى إلى ظهور خطاب معادٍ للإسلام وربط العنف بجذور دينية وثقافية، بمقابل العنف الصهيوني، رغم أن العديد من الفاعلين فيه ينتمون لدين معين «اليهودية»، لا يتم وصفه عادة بالعنف اليهودي، وذلك لتجنب تأجيج الحساسيات حول الدين، خاصة وأن الكيان الغاصب يسوّق نفسه كدولة ديمقراطية حديثة لا تستند حصرياً إلى الدين. وهذا بعينه هو ازدواجية المعايير عند الحكم على الأفعال بناءً على هوية الجاني أو الضحية. حيث يتم تحليل العنف المرتبط بالعرب أو المسلمين بشكل ديني وثقافي، بينما يتم وصف العنف الصهيوني من زاوية الصراع السياسي أو الأمني، مما يجعله يبدو كجزء من «الدفاع عن النفس» أو «مكافحة الإرهاب، ويُنظر إليه غالباً كصراع سياسي معقد بين دولة وشعب تحت الاحتلال، ولا يتم التركيز بشكل مباشر على الجوانب الدينية في الإعلام السائد».
الصهاينة في محكمة العدل الدولية
وتقول الدكتورة صالح، ان الآليات القانونية متاحة، الا أن تنفيذها يتطلب إرادة سياسية قوية، ودعماً من المجتمع الدولي، بالأصل نشأت منظمة الأمم المتحدة وما يعرف بالمجتمع الدولي في سياق سياسي عسكري أنتج ثنائية قطبية تحمي مصالحها، ثم أحادية قطبية تحكمت بالعالم، وما تزال، وتشهد المجتمعات الإنسانية اليوم تحولات مصيرية في تعاطيها مع القضايا الإنسانية الكبرى المحقة، شهدنا مؤشر لهذه التحولات في التظاهرات الطلابية والجماهيرية المنددة بالإبادة الجماعية في غزة وانتهاك حقوق الإنسان، في كبريات جامعات الدول الغربية الداعمة للاعتداءات الصهيونية، كما يمكن استخدام القانون الدولي الإنساني، مثل اتفاقيات جنيف، لرفع قضايا على الدول أو الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان، كما حصل مع الدعوى التي قدمتها دول جنوب افريقيا وكانت المرة الأولى التي تقاضى بها حكومة الكيان المؤقت على جرائمها في تاريخ الاعتداءات الصهيونية في المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وعلى الرغم من فتح المحكمة تحقيقات ووجود أدلة دامغة، القرارات ساوت بين الضحية والجلاد، ما يؤكد أنه من الناحية النظرية يجب محاكمة الأفراد والقادة الصهاينة على العنف الممارس ضد الفلسطينيين واللبنانيين، ولكن في محاكم دولية عادلة.
تفجيرات البايجر.. عنف غير مسبوق
وقالت ليلى صالح : يصف رئيس مجلس الدوما الروسي الهجوم الإلكتروني على لبنان بانه مخطط له بتقنية عالية ويمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة في العالم وما حدث يجب أن يخضع لتحقيق، فإمكانية إنتاج مثل هذه الأسلحة على نطاق واسع أن ينقل الإرهاب إلى مستوى جديد. ما يدرج هذا العدوان «التقني المقنن» في إطار العمل الإرهابي الدولي المنظم بعملية إبادة جماعية ضد الإنسانية جمعاء. صحيح بأن هذه المشاهد الحية لم تكن أول حروب الديموقراطية المتوحشة، إلا أنها أفظعها، فلن تستطيع سينما «هوليوود» تجميلها ومحوها من الوعي الجمعي في تقديمها للغة الديموقراطية الواحدة التي عملت على صنع الناشئة.
كما لا تستطيع أن تُنظِّر لحقوق الإنسان المدنية، أو يخبرنا أحد في العالم بأنه «حر» بعد هيمنة المحور الصهيو- أمريكي وحلفائه وتواطؤهم مع كبريات الشركات التقنية وتوظيف الخدمات التقنية المدنية لأهداف إجرامية إرهابية غدراً، تجاوزت كل المعاهدات والمواثيق الدولية والحقوقية.
إن تورط الولايات المتحدة مباشرة بهذه العملية الإجرامية من الإعداد إلى التخطيط والتنفيذ والدعم التقني واللوجستي بالرغم من تنصلها إعلامياً من هذه الجريمة، والشواهد لا تحتاج إلى معطيات وأدلة، بدءاً من التحالفات التقنية «فاب ٤» و«تحالف ١٠» وهيمنتها على الدول المنتجة للتقنيات، الى الدعم اللوجستي لطائرة الاستطلاع الأمريكية MQ -4C التي كانت مرابطة قبالة الشواطئ اللبنانية، يسمح لنا بالقول بأن ما جرى في لبنان من جريمة إرهابية بكل معطياتها المدنية والإنسانية، حيث تمت الإشارة الى أنها كانت لتؤدي الى إبادة ما يقارب خمسة آلاف مدني بدقيقتين على مرأى الرأي العالمي، وهي أوسع من عملية استخباراتية لفرض قواعد اشتباك جديدة، أو ضغوط لفرض معادلات تؤسس لمسارات توسع او تضبط الحرب بأسقف، إنما تنذر بما يهدد البشرية من اتساع خطر «الشيطان الأكبر» وربيبته «الغدة السرطانية» على الإنسانية جمعاء حيث لن تسلم شعوبهم من غطرستهم.
كربلاء تتجدد
وهنا توضح الدكتورة بانه أشار قادة الكيان الصهيوني في ٨ أكتوبر ٢٠٢٣ بأن معركتهم لتغيير خريطة الشرق الأوسط، وهي وظيفة الكيان الغاضب في المنطقة نيابة عن المصالح الاقتصادية السياسية الغربية، كما لم يخبئ العدو بواسطة وسطائه بأن هدف عملية تفجير البايجر 17 و18 سبتمبر الإجرامية قهر مجتمع المقاومة وإلزامه على الخضوع للسياسة الأمريكية الصهيونية في المنطقة.
وقالت بانه أشار في هذا الصدد السيد القائد الإمام الخامنئي(دام ظله الشريف): يؤدي تضخيم صورة العدو إلى الشعور بالعزلة والضعف، والنتيجة تكون الاستسلام لإرادة العدو، فيجيبون «سمعاً وطاعة» هذه هي الحال مع شتى أشكال وأنواع الحكومات سواء كانت حكومات شعوب كبيرة او صغيرة، الذي وقف، الذي صمد أمام هذه الحرب النفسية، إنهم الشباب، الذي يقف مقابل العدو، لا يشعر بالخوف في ساحة المعركة ولا يتأثر بالكلمات السياسية، ولا يقبل بثقافة العدو. لهذا أراد إرهابهم بجريمة وحشية بين عائلاتهم وأطفالهم وإرهاب مجتمعهم الحاضن لمقاومته بعد عجزه في مواجهتهم في الميدان.
إلا أنهم ومجتمعهم الحاضن لهم، نجدهم تعالوا بجراحهم وشهدائهم بشواهد حية سجلتها أروقة المستشفيات في مشهدية كربلائية قْطعت فيها الأيدي، والأكف، وأطفئت فيها العيون، وذْبح فيها الرضيع، ولم تْسمع صراخات الاستغاثة وضجيج الألم والوجع والاستنكار سوى نداءات «يا زهراء» أوَفينا لسيد الشهداء «يا رب خذ حتى ترضى» في معركة معاصرة ينتصر فيها مجدداً الدم على السيف، وانتصر بعزيمة وصمود هذا المجتمع المقاوم وكل من دعمه وأيده من أحرار العالم.
جبهة الإسناد اللبنانية لن تتخلى عن غزة
لوجستياً، تورط العدو بالانعطاف شمالاً هروباً من انقساماته الداخلية وهزيمته في تحقيق أهداف عدوانه على غزة والضفة، ولجأ الى سلاحه المتفوق «الذكاء الاصطناعي» الذي هدد به فأْحبطت أهدافه.
وعسكرياً لم تتوقف عمليات إسناد الجبهة الشمالية للمقاومة الفلسطينية بل في وتيرة تصاعدية دخلت مرحلة جديدة بعزم وإصرار وشجاعة قل نظيرها، مؤكد فيها الأمين العام للمقاومة بأن الجاهزية لم تتضرر، وبتشخيصه بواقعية وصدق وعرضه تداعيات الجريمة وأهدافها التي احبطتها المقاومة ومجتمعها بموضوعية، ويسجل نصراً جديداً رغم عظيم الحدث يتوعد فيه بمواجهة العدو من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب بردٍ يراه ولا يسمعه.
وبعد تصاعد وتيرة الاعتداءات الهمجية الممنهجة لاغتيال قادة ورموز المقاومة لنقل الحرب إلى البيئة الداخلية للمقاومة وضرب البنية التحتية، والجهوزية العالية التي أرعبت أعتى جبابرة الأرض، أمريكا والصهاینة وحلفاءها، لم يرضخ هذا المجتمع الأبي لأكبر جرائم شهدتها البشرية المعاصرة بدون أية وجهة حق، وواصلت جبهة إسناد غزة مقاومتها لقطع يد الإرهاب الصهيوني، فمسيرة الحق مستمرة حتى النصر بعون الله.