رسالة الإمام الحسن العسكري(ع) حول أهمية الإمامة

ولقد كانت منكم في أيّام الماضي(ع) إلى أن مضى لسبيله، وفي أيّامي هذه، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي، ولا مسدّدي التوفيق .فاعلم يقيناً يا إسحاق أنه مَن خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً.

2024-10-12

يوافق اليوم السبت (9 ربيع الثاني) ذكرى ميلاد الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ع)، فبهذه المناسبة نُسلّط الضوء على رسالة للإمام الحسن العسكري(ع) حول أهمية الإمامة.

 

أرسل الإمام الحسن العسكري(ع) رسالة إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري -أحد أصحابه الثقاة- بيّن فيها مدى أهمية الإمامة، جاء فيها : “سترنا الله وإيّاك بستره، وتولّاك في جميع أمورك بصنعه، فهمت كتابك يرحمك الله، ونحن بحمد الله ونعمته، أهل بيت نرق على أوليائنا، ونسرُّ بتتابع إحسان الله إليهم، وفضله لديهم، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم .فأتمّ الله عليك يا إسحاق وعلى مَن كان مثلك -ممّن قد رحمه الله وبصّره بصيرتك- نعمته وقدر تمام نعمته دخول الجنّة، وليس من نعمة، وإنْ جلّ أمرها وعظم خطرها، إلاّ وتقدّست أسماؤه عليها، مؤدٍ شكرها. وأنا أقول: الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد، بما مَنّ الله عليك من رحمته، ونجّاك من الهلكة، وسهّل سبيلك على العقبة، وأيم الله أنها لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، قديم في الزبر الأولى ذكرها .

 

ولقد كانت منكم في أيّام الماضي(ع) إلى أن مضى لسبيله، وفي أيّامي هذه، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي، ولا مسدّدي التوفيق .فاعلم يقيناً يا إسحاق أنه مَن خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .

 

يا إسحاق! ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول: “رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى” (طه/ 125-126)، وأي آية أعظم من حجّة الله على خلقه، وأمينه في بلاده، وشهيده على عباده، من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين، وآبائه الآخرين الوصيين (عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته). فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم، عن الحق تصدفون، وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون، أو تكونون ممّن يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلّا خزي في الحياة الدنيا، وطول عذاب في الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم .

 

إنّ الله بمنّه ورحمته لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم، بل رحمة منه -لا إله إلّا هو- عليكم ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، لتسابقوا إلى رحمة الله، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحج والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم والولاية، وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله، لولا محمّد(ص)، والأوصياء من ولده، لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخل مدينة إلّا من بابها، فلمّا مَنَّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم، قال الله في كتابه: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً” (المائدة/ ۳).

 

ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم، قال: “لَا أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى”(الشورى/ ۲۳)، واعلموا أن مَن يبخل فإنّما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء، لا إله إلاّ هو، ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم. ولولا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم، لما رأيتم لي خطاً ولا سمعتم منّي حرفاً، من بعد مضي الماضي(ع)، وأنتم في غفلة مما إليه معادكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبدة، وكتابي الذي حمله إليكم محمّد بن موسى النيسابوري، والله المستعان على كل حال، وإيّاكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين، فبُعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله، ولم يقبل مواعظ أوليائه، فقد أمركم الله بطاعته، وطاعة رسوله، وطاعة أولي الأمر .

 

رحم الله ضعفكم وغفلتكم، وصبركم على أمركم، فما أغرّ الإنسان بربّه الكريم، ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت قلقاً وخوفاً من خشية الله، ورجوعاً إلى طاعة الله، واعملوا ما شئتم “فَسَيَرَى اللهُ‌ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وآله أجمعين”.