شهادات من داخل مخيم جباليا: كُل من يتحرّك يُقتل.. عنادنا يستفزهم

منذ أسبوعين، تواصل قوات الاحتلال حصارها لمدن شمال قطاع غزة، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية إليها، كما تمنع الطواقم الطبية من إسعاف الجرحى.

2024-10-21

يعايش السكان في مناطق شمال قطاع غزة ظروفاً معيشية صعبة، في ظل عملية عسكرية برية مستمرة ينفّذها “جيش” الاحتلال الإسرائيلي، ليضغط على سكان مناطق الشمال (جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون) ويدفعهم إلى النزوح نحو الجنوب، فارضاً عليهم سياسة التجويع، والترهيب، والقتل، ضمن حصار مطوّق بالنار.

 

“منذ يوم الخامس من أكتوبر لم يكن الوضع عادياً، فقد أغرقت الطائرات الحربية مناطق الشمال عموماً بوابل من الأحزمة النارية على فترات مختلفة خلال اليوم، فتوقّعنا أن ما يحدث هو تمهيد لعملية برية مرتقبة، لكننا لم نتخيّل ما يحدث معنا الآن”، تقول مريم خلة للميادين نت.

 

في ليلة الاجتياح الأولى، لم تنم مريم وعائلتها طوال الليل، من جراء كثافة الغطاء الناري الذي ضرب مناطق الشمال، ليستفيقوا في الصباح على خبر انتشار قوات “جيش” الاحتلال في الشمال. وبالرغم من أن لا تأكيد رسمياً لدى الاحتلال بأن ما يقومون به يندرج ضمن خطة التهجير المعروفة بـ”خطة الجنرالات”، إلا أن السكان يتعرّضون لما هو أصعب من الضغط والتهجير، بل التفنن في أشكال القتل، حتى راح ضحية الاجتياح حتى اليوم نحو 400 شخص وجرح المئات.

 

تحتار مريم كلما أرادت أن توضّب حقيبتها الصغيرة بسبب النزوح المتكرّر ماذا تضع فيها، “هل أفاضل بين دواء أمي أم الطعام أم بعض الألبسة، وهل سأنجو من طلقات الطائرات المسيّرة التي ملأت الطريق بالجثث، أأهرب من الموت لأجده ينتظرني فور فتحي لباب المنزل؟”، لافتة إلى أنها تكاد لا تشعر برأسها من هول الأصوات التي تسمعها على مدار الليل والنهار بلا هوادة. طلقات نارية، تفجيرات، صرخات لعائلات محاصرة تريد الخروج، أو استشهاد أحدهم بإصابة.

 

أما الشاب محمد عيسى، فلم يستطع الخروج هو وعائلته خلال اليوم الأول عندما أطلق “جيش” الاحتلال إنذاراته المسعورة للسكان، لأنهم لا يملكون مكاناً آخر يؤوي الأطفال والنساء من جهة، ومن جهة أخرى لم يأمنوا غدر الاحتلال بألا يستهدفهم في الطريق، فقرّروا البقاء داخل مخيم جباليا حتى هذه اللحظة.

 

يروي محمد للميادين نت أن “الطائرات المسيّرة تغلق مداخل ومخارج المخيم وتطلق النار على كل من يحاول التحرّك لأيّ سبب من الأسباب، فيما تركت شارعاً مفتوحاً كمنفذ وحيد وهو الترنس، الذي يتصل بشارع صلاح الدين، لينزح السكان مباشرة إلى جنوب قطاع غزة، وهذا الأمر مرفوض بالنسبة لقاطني المخيم وسكان المنطقة الشمالية بشكل عام”.

 

ويضيف: “خلال الليلة الماضية لم يكتفِ الاحتلال بالتفجيرات ونسف البيوت والقصف والإبادة الممهنجة، بل أبلغ مستشفى كمال عدوان بالإخلاء الفوري، مما أثار ذعر السكان خاصة أن القوات الإسرائيلية قد قصفت بالفعل مستشفى اليمن السعيد، وبعض من المدارس ومراكز الإيواء في المنطقة التي رفض نازحوها الخروج”.

 

تشهد جباليا ومخيمها اليوم، وفقاً لمحمد، انقطاعاً للمياه الصالحة للشرب وحتى تلك التي تأتي من الخطوط الأساسية، تمّ قطعها من قبل القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى الشح في الطعام، كون منطقة الشمال تشهد مجاعة مستمرة منذ عام، وما تبقّى من طعام في بيوت السكان يكاد لا يكفيهم سوى أيام معدودة، مضيفاً أن هناك الكثير من الجرحى في منازل الجيران يطلقون نداءات استغاثة لكن لا أحد يستطيع الوصول إليهم.

 

ولم يكن حال المواطن براء الفيري، أفضل حالاً من سابقه، فقد استفاق في يوم السادس من أكتوبر ليجد ناقلة الجند أمام المدرسة التي ينزح إليها هو وعائلته، فهمّ بالخروج تحت نيران الطائرات المسيّرة برفقة أربعة أطفال وأمهم باتجاه بيته المقصوف قرب مستشفى كمال عدوان وهو لا يدري أي مجهول ينتظره. لدى براء ابنة مريضة تحتاج لعملية قلب مفتوح لم يتمكّن من علاجها، كما أنه لم يسعفه الوقت أن يجلب بعض المعلبات التي كان يحتفظ بها في خيمته، “الصغار يبكون من الخوف والجوع واشتداد البرد خلال ساعات المساء والصباح الباكر”.

 

بدوره أوضح عيد صباح، مدير التمريض في مستشفى كمال عدوان، أن حال المشفى كوضع مستشفيي الإندونيسي والعودة شمال قطاع غزة، فقد تقطّعت بهم السبل بعد 10 أيام من الحصار المطبق ومنع عنهم السولار والمستلزمات الطبية، ليغدو مصير 80 حالة موجودة في غرف العناية المركّزة مجهولاً.

 

ولفت صباح إلى أنه إذا لم يتمّ إدخال الوقود والطعام والشراب إلى الطاقم الطبي والمرضى على حد سواء سيسوء الوضع أكثر، ما سيتسبّب بتهديد جدّي لحياة المرضى، خاصة أن الاحتلال الإسرائيلي قطع الطريق على وصول الطعام منذ أسبوعين ماضيين أي قبل الاجتياح، مشدداً من استهدافه لمحيط المرافق الطبية بالمدفعية والطائرات المسيّرة التي تركّز ضرب النيران على الأسطح والنوافذ، إلا أن المشفى على الرغم من الصعوبات كافة لا يزال يقدّم الخدمات الطبية بالحد الأدنى خاصة العمليات الجراحية، لكنه لا يعلم متى ستسقط تلك المنظومة كاملة.

 

وأفاد صباح بأن الاحتلال ينسف يومياً مربّعات سكنية كاملة يتمّ سماع دوي انفجارها. ووجّه نداء استغاثة إلى كل من منظّمة الصحة العالمية، والهلال الأحمر، والصليب الأحمر بضرورة إدخال المياه والطعام والمستلزمات الطبية إلى مستشفيات شمال قطاع غزة، مشيراً إلى أن قسمَي غسيل الكلى والحضانة أمامهما يومان وسيتوقّفان عن العمل بشكل كلي، وإن لم يتم السماع لتلك النداءات سيترك المواطنين للموت وحدهم في الشمال.

 

وشدّد على أنه في اليوم الواحد يستقبل المشفى ما بين 1500 جريح و170 شهيداً منذ بدء الاجتياح البري وعمليات الإبادة بحق السكان، مشيراً إلى أن الأمر خطير وصعب في ظل تكدّس الحالات، خاصة الحرجة منها، التي تحتاج إلى عمليات جراحة الأوعية الدموية والصدر، خاصة أن الطاقم الطبي محاصر منذ بدء العملية، ولا توجد عملية تبديل لطاقم الأطباء المناوبين، أو وفود طبية خارجية تساعد الجرحى.

رفيف اسليم

المصدر: الميادين