هل هي ضربة قاضية ضدّهم أم ضربة مميتة لنا؟ المعضلة الحاسمة لـ”إسرائيل”

عمّت "إسرائيل"، بعد اغتيال حسن نصر الله والقيادة العليا لحزب الله، موجة من الفرح والاحتفال، وهذا أمر طبيعي. الأمر الذي لا أفهمه هو كيف خرج ساسة من جميع الأحزاب، ومحللون عسكريون كبار، وجنرالات متقاعدون، والعديد من الشخصيات الأُخرى ليقولوا بصوت عالٍ: "ها قد بدأت حقبة جديدة في الشرق الأوسط"، "ها قد أصبح الجيش "الإسرائيلي" ودولة "إسرائيل"، فجأة، قوة مؤثرة وحاسمة في العمليات في الشرق الأوسط"، "إن حزب الله في طريقه إلى الهزيمة - بعد أن تم شلّه".

2024-10-23

بل إنهم قالوا: “إن النصر التام يبدو قابلًا للتحقق، وعلينا مواصلة العمل بكلّ طاقتنا من أجل هزيمة حزب الله وحماس بصورة نهائية، وإضعاف إيران، وتحييد سيطرتها على التنظيمات الدائرة في فلكها”.

 

صحيح أن حزب الله تلقى ضربة قوية، لكنّه بعيد كلّ البعد عن الهزيمة. لقد استعاد الحزب قوته في غضون أيام قليلة فقط، وما زال يواصل نشر الدمار في مستوطنات الشمال. بل وسّع نطاق هجماته ليشمل عكا، والكريوت، وبلدات الجليل الأسفل، وصفد، وحيفا، وطبريا، ومستوطنات شمال الضفّة، وحتّى قيسارية، والخضيرة، وكفار سابا، و”تل أبيب”.

 

إنه يحرق لنا مئات الآلاف من الدونمات الزراعية، والأحراش الطبيعية، والغابات. وحتّى بعد دخول الجيش “الإسرائيلي” إلى القرى اللبنانية على طول الحدود، لا يوجد أيّ مؤشر إلى أننا نقترب من إعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى منازلهم وأعمالهم بسبب القصف الصاروخي اليومي الذي ينهال على مستوطناتهم.

 

بعد فترة وجيزة من ذلك، تمكّن الجيش “الإسرائيلي” من تصفية يحيى السنوار. من المؤكد أن الاغتيال كان إنجازًا مهمًا للغاية، لكنّه لن يُسقط “حماس” بالكامل، حسبما يكرّر نتنياهو القول، مرارًا وتكرارًا. إن “حماس” كامنة في مئات الكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، ومزودة بكمية كبيرة من الغذاء، والوقود، والمعدات التي استولت عليها من المساعدات الإنسانية التي تسيطر عليها في قطاع غزّة. وهذا يكفيها فترة طويلة جدًا، فضلًا عن الأسلحة التي لا تزال تحصل عليها من سيناء، عبر الأنفاق تحت محور فيلادلفيا الذي لم ينجح الجيش “الإسرائيلي” في إغلاقه بالكامل.

 

تخرج “حماس” من الأنفاق، وتُطلق الصواريخ على دباباتنا وناقلات الجند المدرعة، وتزرع العبوات الناسفة على الطرقات، وتفخخ المنازل التي يقوم الجيش “الإسرائيلي” بتمشيطها. حتّى الآن، وبعد عام من الحرب، لا تزال “حماس” تكبّدنا خسائر كبيرة.

 

وعلى الرغم من الاحتفالات في “إسرائيل”، والتي تغذيها تقارير غير موثوق بها، من المستويَين السياسي والعسكري، فإننا لا نقترب من إسقاط “حماس” وحزب الله. حرب الاستنزاف مستمرة بكلّ قوتها، وتتسبب بانهيار الدولة في جميع مجالات الحياة. وقبل أن نفهم إلى أين نحن ذاهبون، علينا أن نفهم بعض الحقائق عن وضعنا في هذه اللحظة.

 

١. اليوم، “إسرائيل” في حالة انهيار اقتصادي. إذا استمر هذا الوضع، فقد تصل الدولة إلى حالة من الإفلاس قريبًا، أي إلى وضع يشبه الإفلاس الكامل.

 

٢. بتنا نخسر دعم دول العالم بسبب حرب “السيوف الحديدية” التي استمرت مدة عام، ولا نرى نهاية لها في الأفق. إذ يرى كثيرون من هذه الدول أن “إسرائيل” تجاوزت الخطوط الحمراء، وترتكب جرائم حرب. هذه النظرة تؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية، وحظر تصدير الأسلحة، حتّى من دول صديقة، وتشويه سمعتنا في محكمة العدل الدولية في لاهاي. وشيئًا فشيئًا، أصبحت “إسرائيل” دولة منبوذة لا تستحق أن تكون ضمن الدول المتحضرة. هذه المواقف تجذب مزيدًا من الدول التي كانت صديقة لنا في السابق.

 

٣.لقد عمّقت حرب الاستنزاف، المسماة “السيوف الحديدية”، الانقسامات داخل المجتمع “الإسرائيلي” إلى درجة خطِرة، حيث تسود القطاعات المختلفة في المجتمع كراهية شديدة، وانعدام ثقة تام، وأحاديث عن عصيان مدني وخيانة للوطن، وتقسيم الشعب إلى دولتين، دولة “إسرائيل” ودولة يهوذا. وتنتشر آليات الدعاية المزيّفة والتحريض ضدّ الخصوم، وهو ما يُعرف بـ”آلة السم”. هذه الانقسامات تتسع يومًا بعد يوم، وقد نصل إلى نقطة اللا عودة.

 

٤. الجيش “الإسرائيلي” الذي لا يمكننا البقاء من دونه، حقًا، في هذه المنطقة المعادية، ينهار تحت الضغط. وهو يُلقي بأعبائه على عاتق الأشخاص أنفسهم الذين شاركوا في أربع جولات من الخدمة الاحتياطية منذ بداية الحرب. لقد فقد كثيرون من هؤلاء وظائفهم، وأحيانًا عائلاتهم، وهم يقتربون من حدود نهاياتهم الجسدية والنفسية. ومع استمرار حرب الاستنزاف، يزداد عدد جنود الاحتياط الذين يرفضون الامتثال للاستدعاء. بل إن الجنود النظاميين صاروا مُستنزفين، يفقدون مهاراتهم المهنية بسبب تعطيل التدريبات والدورات، وهم ينهارون في حرب لا نهاية لها. وإذا استمرت هذه الحرب، فقد نفقد سلاح البرّ تمامًا.

 

٥. إلى جانب حرب الاستنزاف، فإن الجهاز التعليمي أيضًا يعاني، بالإضافة إلى العديد من المجالات الأُخرى التي تشهد تراجعًا مشابهًا.

 

المصدر: العهد