المستشارة التربوية والأسرية اللبنانية الدكتورة زينب حجازي للوفاق:

حربٌ على المستقبل وتدمير التعليم في لبنان وفلسطين

خاص الوفاق: على الرغم من كل تحديات الحرب يبقى الأمل موجوداً، فالعديد من المبادرات تسعى جاهدة لدعم التعليم في ظل هذه الظروف الصعبة، وهناك قصص ملهمة للأطفال والمعلمين الذين يواصلون التعليم رغم كل الصعوبات، مما يعكس روح الصمود والإصرار على بناء مستقبلٍ أفضل

2024-10-26

سهامه مجلسي

 

تصدّرت الحرب الصهيونية على غزة ولبنان صفحات الإعلام عبر مشاهد للدمار والخراب، ولكن تأثيرها لم ينحصر على سفك الدماء وتدمير البنى التحتية فحسب، بل طال أيضًا كل جوانب الحياة والمجتمع، بما في ذلك أركان العملية التعليمية في هذين البلدين، فتعرضت لهجومٍ قاسٍ أخذ يهدد مستقبل الجيل القادم. إن تأثير الحرب على التعليم لدى المجتمع الفلسطيني واللبناني واضحٌ للعيان، فمع التدمير الشامل الذي ألحقته آلة الحرب بالمجتمع، ومع التهجير القسري للطلاب من مناطق سكناهم انهارت المنظومة التعليمية بفعل هذه الحرب، التي دمرت  كل شيء ولم تُبق شيئاً، فقتلت أحلام الطفولة، وخلفت الدمار الشامل. حول هذا الموضوع حاورت صحيفة الوفاق المستشارة التربوية والأُسرية اللبنانية الدكتورة زينب حجازي، وفيما يلي نص الحوار:

 

الحرب تدمر العملية التعليمة في غزة ولبنان

 

الحرب في فلسطين ولبنان لها تأثير ٌكارثي على البنية التحتية التعليمية، وفق الدكتورة حجازي، ففي فلسطين وخاصةً في غزة، تعرض العديد من المدارس للقصف والتدمير، مما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية بشكلٍ كبير. بعض المدارس تحول إلى مراكز لإيواء النازحين، مما زاد من صعوبة استئناف التعليم، يواجه الطلاب نقصاً حاداً في الكتب والأدوات التعليمية، وأحياناً يضطرون للدراسة في ظروف غير آمنة ومجهدة، أما في لبنان فالأوضاع ليست بأفضل حال، فقد أدت الحرب إلى تدمير العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية، وأثرت بشكلٍ مباشر على الطلاب والمعلمين. وقد زادت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بسبب الحرب من صعوبة توفير الموارد اللازمة لإعادة بناء المدارس وتجهيزها وكذلك الانقطاعات المتكررة للكهرباء والمياه مما يجعل من الصعب على الطلاب والمعلمين أداء مهامهم بشكلٍ طبيعي، لكن، على الرغم من كل هذه التحديات، يبقى الأمل موجوداً،  فالعديد من المبادرات المحلية والدولية تسعى جاهدة لدعم التعليم في ظل هذه الظروف الصعبة، وهناك قصص ملهمة للأطفال والمعلمين الذين يواصلون التعليم رغم كل الصعوبات، مما يعكس روح الصمود والإصرار على بناء مستقبلٍ أفضل”.

 

تحديات العملية التعليمية

 

ترى الدكتورة حجازي أن الطلاب والمعلمين يواجهون تحديات كبيرة ومعقدة في ظل الأزمة الحالية، وتشمل هذه التحديات الأمان الشخصي إذ يجعل الخوف المستمر من الهجمات والقصف من الصعب التركيز على الدراسة أو التدريس، إذ يعيش الكثير من الطلاب والمعلمين في حالة من القلق المستمر، وكذلك يؤثر نقص الموارد من الكتب والأدوات المدرسية سلباً على القدرة التعليمية والتعلم بشكلٍ فعال، هذا وقد أصبحت البيئة غير مناسبة للتعليم بسبب تدمير المدارس أو تحويلها إلى مراكز إيواء التي تعوق العملية التعليمية وتجعل من الصعب توفير بيئة تعليمية مناسبة، وتُعد معاناة العديد من الطلاب والمعلمين من ضغوط نفسية بسبب الحرب من أبرز هذه التحديات والتي تؤثر بشكلٍ كبير على قدرتهم على التعليم والتعلم، وكذلك تؤثر الهجرة والنزوح القسري للعديد من العائلات على الاستقرار التعليمي للطلاب، حيث يضطر الطلاب للتنقل بين مدارس مختلفة أو حتى الانقطاع عن التعليم لفترات، كذلك تُصعب الأزمة الاقتصادية على العائلات والمعلمين تحمّل تكاليف التعليم، مما يزيد من نسبة التسرب المدرسي ويؤثر على جودة التعليم، ويؤثر ضعف البنية التحتية التكنولوجية على العملية التعليمة، ففي عصر التعليم عن بعد، تُعاني العديد من المناطق من نقص في البنية التحتية التكنولوجية، مما يجعل من الصعب الوصول إلى الموارد التعليمية عبر الإنترنت، ويتطلب التغلب على هذه التحديات جهوداً مشتركة من المجتمع المحلي والدولي لتوفير الدعم اللازم وضمان استمرار التعليم في ظل هذه الظروف الصعبة”.

 

تأثير الحرب نفسياً على الطلاب

 

تؤكد الدكتورة حجازي بأن تأثير الحرب على الصحة النفسية للطلاب والمعلمين كان كبيراً ومدمراً، فقد تسببت في شعور دائم لدى الطلاب بالخوف والقلق، مما يؤدي إلى التوتر المستمر. وأصبح الكثير منهم يعانون من الكوابيس وصعوبةً في التركيز، بينما يعاني المعلمون من الضغوط النفسية بسبب المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم في ظل الظروف الصعبة، عادةً يعاني الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع من نقص في الشعور بالأمان، مما ينعكس سلباً على قدراتهم التعليمية ونموهم النفسي والعاطفي، هذا الشعور بعدم الاستقرار يمكن أن يؤدي إلى مشكلات طويلة الأمد مثل القلق والاكتئاب، وكذلك يواجه المعلمون تحديات إضافية، إذ يتعين عليهم تقديم الدعم النفسي للطلاب، في حين أنهم أنفسهم يعانون من الضغوط النفسية، هذا يضع عبئاً كبيراً على عاتقهم، مما يؤثر على قدرتهم على التدريس بكفاءة، وكل هذه العوامل تجعل من الضروري تقديم الدعم النفسي والاجتماعي المستمر للأطفال والمعلمين، لضمان أن يتمكنوا من التغلب على هذه التحديات والمضي قدماً نحو مستقبلٍ أفضل”.

 

دور المجتمع المحلي في دعم التعليم

 

 

ترى الدكتورة حجازي بأن المجتمع المحلي يلعب دوراً حيوياً ومحورياً في دعم التعليم في فترات الحرب. ومن أبرز هذه الأدوار توفير مراكز تعليمية مؤقتة في المساجد والمنازل والمباني غير المتضررة لضمان استمرارية التعليم للأطفال، تقديم الدعم النفسي والاجتماعي من أعضاء المجتمع للطلاب والمعلمين لمساعدتهم على التكيف مع الظروف الصعبة، وتنظيم حملات لجمع التبرعات لتوفير الكتب والأدوات المدرسية والمواد التعليمية التي يحتاجها الطلاب، وللعمل التطوعي دور كبير هنا فيقدم المتطوعون من أفراد المجتمع وقتهم وجهدهم لدعم العملية التعليمية، سواء كان ذلك بتقديم دروس خصوصية أو المساعدة في إعادة تأهيل المدارس، كما يقوم المجتمع المحلي بالتواصل مع المنظمات الدولية للحصول على الدعم المالي والفني لإعادة بناء المدارس وتحسين ظروف التعليم، وتقديم حلول إبداعية حيث يبتكر أفراد المجتمع حلولاً إبداعية لمواجهة التحديات، مثل استخدام التكنولوجيا لتقديم الدروس عن بعد، أو تحويل المساحات العامة إلى فصول دراسية مؤقتة، هذا الالتزام والتضامن من المجتمع المحلي يعكس قوة الروح الجماعية وإصرار الناس على تقديم مستقبل أفضل لأطفالهم، رغم كل الصعوبات والتحديات”.

 

مبادرات لاستعادة العملية التعليمة بعد الحرب 

 

 

تعتقد الدكتورة حجازي :” أن هناك عدة مبادرات ضرورية لتحسين الوضع التعليمي بعد انتهاء الحرب، وتشمل إعادة إعمار المدارس إذ يجب أن تكون هناك جهود مكثفة لإعادة بناء وترميم المدارس التي تضررت أو دمرت في الحرب لضمان توفير بيئة تعليمية آمنة ومستقرة للطلاب. وكذلك يجب توفر الدعم النفسي والاجتماعي وذلك عبر تقديم برامج دعم نفسي واجتماعي للطلاب والمعلمين لمساعدتهم على تجاوز آثار الحرب وتحسين صحتهم النفسية، ويجب كذلك العمل على توفير الموارد التعليمية من الكتب والأدوات المدرسية والمواد التعليمية التي يحتاجها الطلاب لاستئناف تعليمهم بشكلٍ فعّال ، كما يساعد الاستثمار في التكنولوجيا وتوفير الأجهزة والاتصال بالإنترنت للطلاب لتعزيز التعليم عن بُعد وضمان استمرارية التعليم في أي ظروف مستقبلية طارئة، كما يجب الاهتمام بالتدريب والتطوير المهني عبر تقديم برامج تدريبية للمعلمين لتحديث مهاراتهم وتعزيز قدراتهم على التعامل مع التحديات التعليمية في مرحلة ما بعد الحرب، وكذلك يجب العمل مع المنظمات الدولية للحصول على الدعم المالي والفني اللازم لإعادة بناء القطاع التعليمي وتحسين جودة التعليم، ووضع المناهج التعليمية المحدثة لتتناسب مع التحديات الجديدة وتقديم تعليم شامل يُعزّز من مهارات الطلاب ومعرفتهم، ويجب العمل على تعزيز دور المجتمع المحلي في دعم التعليم عبر المبادرات التطوعية وجمع التبرعات والتوعية بأهمية التعليم، ووضع برامج للطلاب المتأثرين بشكلٍ خاص عبر تطوير برامج تعليمية خاصة للأطفال الذين تأثروا بشكل خاص بالحرب، بهدف تقديم الدعم اللازم لهم للعودة إلى الحياة التعليمية. والأهم الاستعداد لحالات الطوارئ عبر وضع خطط طوارئ للتعامل مع أي أزمات مستقبلية وضمان استمرارية التعليم في جميع الظروف، هذه المبادرات يمكن أن تساهم بشكلٍ كبير في تحسين الوضع التعليمي وتوفير مستقبل أفضل للأجيال القادمة بعد انتهاء الحرب”.

 

قصص صمود وتحدي

 

هناك العديد من القصص الملهمة للأطفال والمعلمين الذين يواصلون التعليم رغم الظروف الصعبة في فلسطين ولبنان، تؤكد الدكتورة حجازي وتسرد بعض النماذج ، ومنها الطفلة ريم وهي طالبة من غزة، رغم تدمير مدرستها في الحرب، كانت تصر على مواصلة تعليمها، وهي درست على ضوء الشموع بسبب انقطاع الكهرباء، وكانت تحضر دروسها في مركز تعليمي مؤقت، إصرارها على التعلم ألهم العديد من الأطفال حولها.  وهناك المعلم سامر من لبنان استمر في تقديم الدروس لطلابه حتى بعد تدمير مدرسته، كان يقوم بتدريسهم في بيته أو في أي مكان آمن يجده، سامر لم يترك أي طالب دون تعليم، وكان يقوم بجمع التبرعات لتوفير الكتب والمواد الدراسية للأطفال. وهناك مجموعة من المتطوعين الشباب في لبنان قاموا بإنشاء مبادرات تعليمية لدعم الأطفال النازحين، إذ أنشأوا فصولاً دراسية مؤقتة في المساجد والمنازل غير المتضررة، وكانوا يقدمون دروساً تطوعية في مختلف المواد، وآخر هذه النماذج الطفلة سارة من غزة، والتي رغم كل الصعوبات، كانت تشارك في دروس التعليم عن بعد عبر الإنترنت، وكانت تسعى بكل جهدها للوصول إلى الشبكة رغم الانقطاعات المتكررة، وكانت تتبادل الملاحظات والموارد مع زميلاتها لتضمن استمرار تعليمها. هذه القصص تُظهر الشجاعة والإصرار الكبيرين للأطفال والمعلمين في فلسطين ولبنان، وتعكس روح الصمود والتفاؤل في مواجهة أصعب الظروف، ويصبح التعليم رمزاً للأمل والإرادة القوية لبناء مستقبلٍ أفضل”.

 

استمرارية التعليم في حالات الطوارئ

 

تؤكد الدكتورة حجازي بأنه علينا لضمان استمرارية التعليم في حالات الطوارئ، اتخاذ عدة خطوات هامة منها إنشاء خطط طوارئ تعليمية إذ يجب أن تكون هناك خطط جاهزة يمكن تنفيذها بسرعة لضمان استمرار التعليم، بما في ذلك خطط بديلة للمدارس والفصول الدراسية، وكذلك التعليم عن بعد، فيساعد توفير البنية التحتية اللازمة لهذا النوع من التعليم مثل الأجهزة اللوحية والاتصال بالإنترنت، لضمان أن يكون التعليم متاحاً للجميع حتى في حالات النزاع، كذلك يجب العمل على تدريب المعلمين عبر تقديم برامج تدريبية للمعلمين حول كيفية التعامل مع التعليم في حالات الطوارئ واستخدام التكنولوجيا لدعم التعليم عن بعد، ومن الخطوات المهمة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب والمعلمين لمساعدتهم على التعامل مع الضغوط النفسية والصدمات الناتجة عن الطوارئ ، والتعاون مع المنظمات الدولية للحصول على الدعم المالي والفني لضمان استمرارية التعليم، ويساهم بشكلٍ كبير بتطوير موارد تعليمية محلية تتناسب مع الوضع الطارئ، مثل مواد تعليمية مطبوعة يمكن استخدامها في حال عدم توفر التكنولوجيا، وكذلك العمل على إنشاء مراكز تعليمية مؤقتة في أماكن آمنة لضمان استمرارية التعليم حتى في حال تضرر المدارس، وأخيراً تعزيز الوعي بأهمية التعليم حتى في حالات الطوارئ وضمان دعم الأهالي للطلاب في مواصلة تعليمهم، هذه الخطوات يمكن أن تسهم في تقليل تأثير الطوارئ على العملية التعليمية وضمان أن يحصل الأطفال على حقهم في التعليم حتى في أصعب الظروف”.

 

المصدر: الوفاق/ خاص