سيد حسين بدر الدين الحوثي نموذجاً

المنهجية القرآنية في الحوار مع الآخرين (5)

المنهجية نسبة إلى المنهج، وكلمة منهج يراد بها الطريق الواضح في التعبير عن شيء أو في عمل شيء، أو في تعليم شيء، طبقا لمبادئ معينة، وبنظام معين، بغية الوصول إلى غاية معينة، ومنه منهاج الدراسة، ومنهاج التعليم ونحوهما، والمنهاج الخطة المرسومة.

2024-10-26

 

ثم إنّ الحوار في القرآن لا يمكن حصر مساحته في الآيات التي تتضمن مادة (حوار أو جدل) أو ما في حكمهما…؛ بل نعتبر كلّ المواد الحوارية الواردة في القرآن الكريم شاهدة لهذا الموضوع؛ من ذلك -مثلًا- قوله تعالى لموسى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فقد أورد ابن كثير أقوالًا عديدة في بيان المراد بالقول الليّن ثم لخّص ذلك بقوله: “والحاصل من أقوالهم أنّ دعوتهما له تكون بكلامٍ رقيقٍ ليّن سهل رفيق؛ ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فانظر كيف جعل قوله تعالى: {فقُولَا لَهُ قَوْلًا لينًا} شبيهًا بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} الآية.

 

ولكن عشرات المواضع في القرآن الكريم تضمنت نماذج لحوارات كثيرة في قضايا متنوعة بين أطراف متعددة.
وهذا يؤكد أن الحوار في المنظور القرآني هو الأصل الذي يجب أن يتخلل كل العلاقات؛ لأن القرآن الكريم يريد للإنسان أن يحصل على القناعة الذاتية المرتكزة على الحجة والبرهان في إطار الحوار الهادئ العميق، ويجعل من ذلك الحوار بديلا للمقارعة بالحديد والنار، تلك المقارعة التي تسحق فيها الطاقات، وتهدر الإمكانات.

 

المنهجية والمنهج: المنهجية نسبة إلى المنهج، وكلمة منهج يراد بها الطريق الواضح في التعبير عن شيء أو في عمل شيء، أو في تعليم شيء، طبقا لمبادئ معينة، وبنظام معين، بغية الوصول إلى غاية معينة، ومنه منهاج الدراسة، ومنهاج التعليم ونحوهما، والمنهاج الخطة المرسومة.

 

تعريف المنهج لغة: يقال: (نهج) و(أنهج) الطريق، وضح واستبان. والمنهاج الطريق الواضح. والخطة المرسومة، ومنه؛ منهاج الدراسة ومنهاج التعليم، والتعريفات الكثيرة للمنهج تتفق غالبا في مضمون ما تشير إليه، في التعريف الاصطلاحي.

تعريف المنهج اصطلاحا: هو مجموعة الركائز والأسس المهمة التي توضح مسلك الفرد أو المجتمع أو الأمة لتحقيق الآثار التي يصبو إليها كـل منهم، وقد ورد في القرآن الكريم قــوله تـعالى: {لكل َجَعْلنَا ِمْنُكْم ِشْرَعةً َوِمْنـَهاجا}.

 

القرآن: العلماء مختلفون في الوجه اللغوي لتسمية القرآن قرآنا، فبعضهم يرى أنه اسم علم غير مشتق خاص بكلام الله فهو غير مهموز، وبه قرأ ابن كثير، وهو مروي عن الشافعي.

 

وبعضهم يرى أنه مشتق من قرنت الشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر، وسمي به لاقتران السور والآيات والحروف فيه، أو من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ويشابه بعضها بعضا، وهي قرائن، وعلى القولين هو بلا همز أيضا ونونه أصلية، واختلف القائلون بأنه مهموز، فقال بعضهم: هو مصدر لقرأت كالرجحان والغفران، سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر، وقال آخرون: هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع، قال أبو عبيدة، وسمي بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض، أو لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة، وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها، واختار السيوطي ما نص عليه الشافعي.

 

يقول أحد الباحثين: لكني أميل الى ما اختاره الألوسي والزرقاني من أنه مصدر مشتق مهموز من قرأ يقرأ قراءة وقرآنا، لأن القراء السبعة غير ابن كثير على همزة، وقد وجهت قراءة ابن كثير بأن ترك الهمزة فيها من باب التخفيف، ونقل حركتها إلى ما قبلها، وهذا لا ينفي صحة المعاني الأخرى، ومنها ما اختاره السيوطي.

 

والتعريف الحقيقي للقرآن الكريم هو استحضاره معهودا في الذهن أو مشاهدا بالحس، كأن تشير إليه مكتوبا في المصحف أو مقروءا باللسان فتقول: هو ما بين هاتين الدفتين، أو تقول: هو “بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين” إلى قوله تعالى: “من الجنة والناس”.

 

وإنما قلت: إن هذا هو التعريف الحقيقي، لأنه يعني أن تصورنا لأية قضية لن يكتمل إلا إذا تتبعنا مختلف جوانبها في القرآن كله من أوله إلى آخره، لأنه دستور الخالق لإصلاح الخلق، وقانون السماء لهداية الأرض، أنهى إليه منزلة كل تشريع وأودعه كل نهضة، وهو ملاذ الدين الأعلى يستند الإسلام إليه في عقائده وعباداته وأحكامه وآدابه وأخلاقه وعلومه ومعارفه، وهو أولا وآخراً القوة المحولة التي غيرت صورة العالم، وحولت مجرى التاريخ، وأنقذت الإنسانية العاثرة فكأنما خلقت الوجود خلقا جديدا.

 

المصدر: الوفاق/ خاص