الانسان اولا

الدين، فإنه يجب أن يكون مصدر إلهام روحي وأخلاقي يُعَزز من معاني الرحمة والتسامح والعدالة. الدين كعامل قوة معنوية يجب أن يدعم بناء مجتمعات متآلفة ومتعايشة ومتسامحة، حيث يُعتبر كل إنسان عضوًا فاعلًا ومهمًا في النسيج الاجتماعي

2024-10-30

“الإنسان أولًا”. عبارة تختزل في كلمات قليلة فلسفة عميقة تعتبر الإنسان محور الكون والدولة والمجتمع. تعكس هذه الفلسفة إيماناً راسخاً بأولوية مصلحة الإنسان وحقوقه على كل ما سواها، وضرورة توجيه كل المؤسسات، سواء كانت الدولة أو الدين، لخدمته وتحقيق رفاهه.

 

وهذا مبدأ اقرته الاديان منذ زمن طويل كما في الاية القرانية التالية كمثال: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”.

 

من هذا المنطلق، يتطلب منا التركيز على قيمة الإنسان، الاعتراف بكرامته كحق أصيل غير قابل للتفاوض. حقوق الإنسان ليست امتيازات تُمنح وتُسحب حسب الظروف أو المصالح. بل هي مبادئ ثابتة تُبنى عليها المجتمعات السليمة التي تلبي احتياجات أفرادها وتقدر مواهبهم وتساهم في تحقيق تطلعاتهم.

 

عندما نتحدث عن الدولة في خدمة الإنسان، نعني بذلك أن الدولة ليست كيانًا منفصلًا يجب أن يُهَيْمِن ويسحق حقوق الأفراد، بل هي تركيبة اجتماعية وقانونية تهدف إلى تحقيق العدالة وضمان الأمن والرفاه لأفرادها. الحكومات التي تعمل لخدمة مواطنيها تؤكد على أهمية التعليم والصحة والسكن كحقوق أساسية يستحقها كل فرد. علاوة على ذلك، تقوم بمساءلة مؤسساتها وتحسين أداها لخدمة المواطنين بشكل أفضل.

 

أما الدين، فإنه يجب أن يكون مصدر إلهام روحي وأخلاقي يُعَزز من معاني الرحمة والتسامح والعدالة. الدين كعامل قوة معنوية يجب أن يدعم بناء مجتمعات متآلفة ومتعايشة ومتسامحة، حيث يُعتبر كل إنسان عضوًا فاعلًا ومهمًا في النسيج الاجتماعي.

 

ولتعزيز الإيمان بأولوية الإنسان، نحتاج إلى تعزيز الحوار المفتوح والمطالبة بالحرية الفكرية التي تتيح لكل شخص التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية وعلى أسس الاحترام المتبادل. البحث عن حقيقة الإنسانية وحقوقها يتطلب انفتاح الذهن وقبول التنوع والاختلاف كتجسيد للثراء الإنساني.

 

في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وتفاوت الفقر والصراعات السياسية، يصبح الصوت الإنساني المشترك ضرورة لا غنى عنها. يقع على عاتقنا أن نضع الحلول التي تضع الإنسان واحتياجاته في المركز، حيث تركز جهودنا الجماعية على بناء مستقبل مستدام وعادل.

 

 

يجب علينا حماية الانسان من الظلم والاضطهاد والجهل والفقر والتعذيب

 

النص على حقوق الانسان في الدساتير لا يكفي؛ انما يجب ان يؤمن القائمون على تنفيذ القانون ورجال الدولة والسلطة وأجهزتهما مؤمنين بأولوية حقوق الانسان بصدق واخلاص.

 

في الختام، “الإنسان أولًا” ليست مجرد عبارة، بل هي نداء مستمر لإعادة تقييم أولوياتنا وتحفيز الجهود نحو بناء حضارة تُعرف بمدى احترامها لقيم الإنسان. هي دعوة للتمسك بالمبادئ الإنسانية في مرحلة زمنية تتطلب منا جميعًا الانخراط والجدية لتحقيق التغيير الإيجابي. وهذا هو المحور المركزي في دعوتنا الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة.

 

محمد عبد الجبار الشبوط

المصدر: شبكة النبأ