د. مياده إبراهيم رزوق/ باحثة وأكاديمية سورية– يعد العلامة السيد هاشم صفي الدين من مؤسسي حزب الله عام 1982، وأحد أهم الأعمدة الأساسية التي قام عليها هيكل الحزب، الذي ذلَّ كيان الاحتلال الصهيوني، وبدد كل غمام عن حقيقة كيان قال عنه سيد الشهداء على طريق القدس الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله أنه “أوهن من بيت العنكبوت”، لتتكسر على أعتاب قلعته اجتياحات الاحتلال، وتتبدد على أبوابها مشاريع التقسيم، فغير قواعد اللعبة إقليمياً ودولياً، بل بات يفرض معادلات وقواعد اشتباك جديدة.
ستون عاماً قضى الشهيد هاشم صفي الدين أكثر من ثلثيها في مسيرة المقاومة بعد أن تلقى تعليماً دينياً في مراكز وحوزات في لبنان والعراق وإيران.
ولد عام 1964 في بلدة دير قانون النهر في محافظة صور جنوب لبنان، وفي ثمانينيات القرن العشرين سافر صفي الدين إلى مدينة قم في إيران ليلتحق هناك بابن خالته سماحة السيد حسن الله(رضوان الله عليه) في دراسة العلوم الدينية. ليتم إعداده بعد ذلك ومنذ عام 1994 لخلافة السيد حسن نصر الله، حيث تم استدعاءه من قم إلى بيروت ليتولى رئاسة حزب الله في منطقة بيروت عام 1994، قبل أن يتولى رئاسة “مجلس المقاومة” المسؤول عن النشاط العسكري للحزب عام 1995. وفي عام 1998 أصبح هاشم صفي الدين عضواً في مجلس الشورى، وهو الهيئة التي تتخذ القرارات في الحزب.
وفي العام ذاته، تمت ترقيته سريعاً ليترأس المجلس التنفيذي الذي يعتبر حكومة الحزب، خلفًا لسماحة الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله، الذي أصبح أميناً عاماً للحزب. وأشرف على عمله آنذاك القائد الأمني السابق للحزب عماد مغنية.
وعلى مدى ثلاثة عقود، أمسك بالعديد من الملفات اليومية الحساسة في الحزب، من إدارة مؤسساته المختلفة ووحداته العاملة في مختلف المجالات وكل ماله صلة بعمل المقاومة، قريباً من مجاهديها، لصيقاً بجمهورها، فكان السيد الشهيد واحداً من أولئك الذين جسّروا “المجلس التنفيذي” معبراً للعمل الجهادي المقاوم، وسهل دروب الوصول إلى الانتصارات، وأراح فكر المقاومين من عناء مسؤولية الاهتمام بأسرهم وعوائلهم، فكانت المؤسسات المختصة التي ترعى شؤونهم، دون أي تعقيدات، أو هموم في الملمات والجراح والأزمات…
فلم يكن السيد صفي الدين رئيس حكومة مغروراً بسلطة، كل مَن عرفه وصفه بأنه صاحب الابتسامة الدائمة الناعمة الهادئة.. يشرح الصدر بتواضعه الطيب، يساعد ويساند، ليس من أجل شيء، بل لأن واجبه المقدس يفرض عليه ذلك.. ولا سبيل للمعاملات والروتين عنده..
وعلى غرار سيد الشهداء سماحة السيد حسن نصر الله، الذي يشترك معه في العديد من الصفات، يتميز الشهيد صفي الدين بالحضور الشعبي والسياسي، وخطاباته المفوهة والنارية، التي تُغلف في الغالب بنبرة دينية قوية، فكان من أشدّ المتحمسين لولاية الفقيه، وتعكس خطاباته إلتزاماً عميقاً بأيدلوجية حزب الله، مع تأكيد أهمية المرونة السياسية إلى جانب المقاومة، فيبرز في تلك الخطب التزامه بمواجهة الاعتداءات الصهيونية، والتأكيد على الرد الحازم تجاهها.
علماً أنه بصوته الهادئ وطلته الشبيهة بطلة الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله، تستقرأ محيّا أهل البيت(ع).. وبلهجته تشتم رائحة الأرض المحررة في الجنوب، وبنبضه العالي، تستذكره ما أمضاه في البقاع، وبسلاسة عباراته، تحط رحالك معه في سهل لبنان ووسطه..
طيب خُلقه لا يعبر عن موقفه الصلب من الظلم والاضطهاد، ولين حواره، لا يغير من موقفه الصوان المعادي للاحتلال، والرحيم على فلسطين والقدس وغزة..
ففي كلمة ألقاها في 13 يوليو/ تموز 2024، قال الشهيد العلامة صفي الدين: “إذا كان تكليفنا، كما هو اليوم، أن نكون في الجنوب نقاتل هذا العدو، ونقدم شهداءنا، فنحن مستعدون للتضحية بكل شيء، وواثقون بأن الله سينصرنا كما نصرنا في 2006”.
وفي خطاب آخر في 18 من الشهر ذاته، شدد على أن “لبنان معني بالحرب مع العدو الإسرائيلي دون قيود أو حدود”.
كما أكد مراراً، خلال الفترة الأخيرة، على ما سبق أن أعلنه الشهيد الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله، بأن حزب الله لن يتوقف عن دعم جبهة غزة حتى توقف إسرائيل عدوانها على القطاع.
وفي وقت سابق، قاد السيد صفي الدين جهود إعادة بناء الضاحية الجنوبية في بيروت في أعقاب حرب تموز 2006، عندما دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية مساحات شاسعة من المنطقة.
وفي خطاب ألقاه عام 2012، قال صفي الدين إن إعادة الإعمار بعد الحرب كانت “انتصارًا جديداً” على إسرائيل.
وبناء على ذلك وعلى دوره المركزي في قيادة حزب الله، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2017 “إدراج إسمه على قائمة الإرهاب”، ليكون فيما بعد وكغيره من القادة على قائمة الإجرام الإسرائيلي ولا سيما أنه لعب دوراً أساسياً في جبهة الإسناد اللبنانية.، وهو القائل: “كل سلاح تمتلكه جبهة المقاومة من الجمهورية الإسلامية في إيران إلى حزب الله مروراً باليمن والعراق وسورية، كل سلاح تمتلكه هو للجبهة وللقتال ولإحقاق المعادلات وللدفاع عن المظلومين في فلسطين وغزة”.
لقد تصدر الشهيد العلامة هاشم صفي الدين الاهتمام الإعلامي بعد استشهاد رفيق الدرب السيد الشهيد حسن نصرالله، فوصف بالرجل القوي، مع توقعات بأن يكون الأمين العام لحزب الله خلفاً للسيد الشهيد، وقد وجدت “إسرائيل” أن دوره القيادي الذي كان محتملاً سيمنع أي أزمة قيادية بعد استشهاد القائد التاريخي للحزب، فلم يكن التشابه بين الشهيدين القائدين صفي الدين ونصر الله في الشكل والصوت والهيئة فحسب، بل حتى استهدافهما جاء متشابهاً، حيث استشهدا وإلى جانبهما قادة آخرون، شركاء محطات بارزة، من تحرير لبنان عام 2000، إلى نصر تموز عام 2006، وسائر المعارك وصولاً إلى معركة الإسناد دعماً لفلسطين وغزة والشعب الفلسطيني.
وفي الختام، دخل الشهيد العلامة هاشم صفي الدين هيكل حزبٍ يُبنى بلحية شديدة السواد، فتلونت الأيام، وبَنى الهيكل مع أترابه؛ لكن اللحية الشريفة، تبدل لونها، وصارت بيضاء، ممهروة بخبرة أكثر من أربعين سنة من العمل المقاوم على كل الجبهات حتى نيله أرقى وأعلى الأوسمة “شهيداً على طريق القدس”.
لروحه ورفيق دربه الشهيد الأقدس ألف سلام وهما يعسوبا الحق في دنيانا الفانية…