“حكايات في ظل شجرة”.. أطفال غزة يَحْيَون بالقصص أيضاً!

 قادرة على انتشالهم من حجيم الموت إلى عوالم أجمل. أيّ دور تؤدّيه القصص في حياة أطفال غزة اليوم؟ وما علاقة مبادرة "حكايات في ظل شجرة"؟

2024-11-03

يتحلّق الصغار جلوساً حول فاطمة سحويل. يترقبون أن تبدأ رواية قصة اليوم كي تُخرجهم من بؤس العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من عام.

 

القصص قادرة على السفر بهؤلاء الأطفال إلى خارج المخيم المستحدث في دير البلح، إلى عوالم أكثر اتساعاً وإشراقاً تنبئ بغدٍ أفضل، وتمنحهم فرصة في حياة طبيعية كسائر أطفال العالم. تلك الحياة التي سلبها الاحتلال منهم عنوة منذ تاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

 

تقول فاطمة سحويل، في مقابلة مع “الميادين الثقافية”، إن عملها باحثة وصحافية متخصصة بالشأن الثقافي، شكل الحجر الأساس الذي اتكأت عليه لإطلاق مبادرتها “حكايات في ظل شجرة”، كون الحكايات جزءاً من حياة كل طفل، وهي فعل ثقافي مستمر لا يجب أن يتوقف مهما كانت الظروف.

 

وتضيف أنها، بعد تجربتها الشخصية المثمرة مع أطفالها، رغبت في نقل هذه التجربة وتعميمها، كونها الحضن الذي يلتف حول الصغير فيقيه من الجهل ويفتح قلبه لاستقبال المعلومات.

 

أما لماذا “حكايات في ظل شجرة”؟ فتشير سحويل إلى أن المبادرة انطلقت مع بداية أيار/مايو الماضي، أي بحلول فصل الصيف وشدة الحر الذي شهدته الخيام، وكان ذلك هاجساً بالنسبة إليها، إذ كيف سيركز الصغار في تلك الحالة؟

 

وهكذا توصلت سحويل إلى “حلّ” يتمثل بفرد أغطية وتجميعها في حلقات تحت شجرة زيتون، تلك التي باتت تمثل بالنسبة إلى الفلسطينيين رمزاً للصمود والتوق إلى الحرية.

 

تتسع الفجوة التعليمة والثقافية كل يوم لدى أطفال غزة. وبحسب فاطمة سحويل، فإن غياب المنظومة التعليمية نتيجة العدوان ساهم في خلق جيل أمّي يكاد لا يعرف تهجئة الحروف.

 

وبفعل الضغط النفسي الذي يعايشه الأطفال يومياً، بسبب القصف والدمار ومشاهد الدماء والأشلاء، كان من الصعب على الأمهات إجبار أبنائهن على التعلم، وهذا كان أحد أسباب إطلاق مبادرة “حكايات في ظل شجرة”.

 

تقص فاطمة سحويل القصص على الأطفال من المكتبة الخضراء، وأخرى من “سلسة لوفنكيف”، التي اشترتها فور نزوحها إلى جنوبي الوادي، بسعر زهيد.

 

تتذكر سحويل ذلك، وتضحك موضحة أن البائع لم يكن يعرف قيمة ما لديه، فاقتنصت هي الفرصة لتعوض خسارتها بفقدان مكتبتها الخاصة في بيتها في مدينة غزة، والتي كانت تضم آلاف القصص وأمهات الكتب التي تخص الثقافة والأطفال، والتي أبى الاحتلال إلا أن يدمرها ويدفنها تحت الركام.

 

لا تنسى فاطمة سحويل أن تُدخل اللعب إلى جانب التعلم. فبعد رواية القصة تطلب إلى الأطفال البحث عن كلمات بحرف الباء مثلاً، ثم وصف الشخصية التي يَعُدّونها الأبرز في القصة لتقوي بذلك حصيلتهم اللغوية. وبعد ذلك تطلب إليهم تشكيل تلك الشخصية، عبر الرسم والتلوين، أو تكوينها من خلال الصلصال.

 

تلك الوسائل مجتمعة تجعل الأطفال ينتظرونها في المكان المحدد منذ الساعة السابعة صباحاً، بينما يكون موعدهم في تمام الساعة الثامنة، وهو ما دفع كثيرين من أولياء الأمور إلى الحضور مع الأطفال ليسألوها: “ماذا تفعلين في أطفالنا؟”، قبل أن ترد بإجابة بسيطة، مفادها أنها تمنح كل طفل مقداراً من الحب والرعاية مع مزيج من الثقافة والتعلم واللعب كأنه طفلها الوحيد.

 

تستقبل سحويل ما يعادل 100 طفل/ة كل 3 أيام تقريباً. كما أنها وسعت المبادرة لتصبح برعاية مركز “عبد المحسن القطان للطفل”، منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي، لتتمكن من تغطية النفقات وجلب المواد الخام للأطفال من أقلام وكراسات ودفاتر للتلوين وصلصال.

 

قبل حرب الإبادة “الإسرائيلية” على غزة، كانت القصص تملأ مكتبات القطاع، ومع هذا لم تكن تشهد رواجاً عاليا كون الأهالي لم يقرأوا لأطفالهم القصص، لأن الثقافة لم تشكل جزءاً من مهماتهم اليومية. وهكذا أصبحت القصص بالنسبة إلى الطفل منعدمة الأهمية.

 

وتشير سحويل إلى أن ما تقوم به ليس قراءة عابرة فحسب، بل هي أيضاً تجسيد لدور الحكواتي الذي يعتمد في أدائه، بصورة كبيرة، على فن التلوين الصوتي، كي ينقل القصة بطريقة تشد المستمع منذ أول جملة حتى آخر كلمة.

 

ونجحت سحويل في هذا الإطار في أن تستفيد من عملها أعواماً في الإذاعة، بحيث اكتسبت المهارات اللازمة لعملية التلوين الصوتي وجذب الانتباه. فهي تعي جيداً كيف تخاطب الجمهور. وهذه الخبرة تنقلها سحويل إلى الأطفال من خلال القراءة والاستماع، فتخلق لديهم مهارة مخاطبة من حولهم من دون خوف، وكذلك انتقاء كلماتهم لتحقيق عنصر مهم في التواصل، وهو الإقناع.

 

تواجه فاطمة سحويل اليوم صعوبات متعددة، منها توفير المواد الخام وسقف يقي الجميع أمطار الشتاء والبرد. وخصوصاً أن دعم المبادرة سينتهي خلال الأيام المقبلة، بالتزامن مع الإقبال الواسع لعدد كبير من الأطفال. لذلك، تفكر الشابة الغزية في إنشاء خيمة للحكايات تجمع فيها الأطفال وتقيهم البرد. لكنها تحتاج إلى من يساعدها في التطوير وخصوصاًَ فكرة مسرح الظل التي تعمل عليها الآن، بهدف الاتجاه من رواية القصة إلى ما يشبه المسرح الذي سيكون أبطاله الأطفال أنفسهم.

 

لكن العقبة الأساسية، من وجهة نظر سحويل، هو التحول في سلوك الأهالي ورواية القصص لأطفالهم، لأن العربة عندما تسير على أرض مدمرة ليس كسيرها على أرض معبّدة.

المصدر: الميادين