في الكثير من المواقف المؤثرة والأزمات نظهر التعاطف مع أبناء جنسنا البشري وهذه ثيمة الانسان وأحدى ركائز انسانيته، لكن في مواقف أخرى لا نظهر ذلك التعاطف او ربما نظهر العكس تماماً، لأسباب داخلية نفسية معظمها معلوم، وهذا السلوك يعرف علمياً بسلوك التعاطف الانتقائي او افتقار التعاطف، فما هي اسبابه في الحياة الإنسانية بصورة عامة؟
للوهلة الأولى قد يبدو الامر ليس طبيعياً او انه يشير الى خللٍ في الشعور الإنساني سيما وانه يتعلق بالإنسان بعيداً عن جنسه ولونه ومشربه، لكن عند إعادة النظر تجد الامر طبيعي نظراً لارتباطه بدوافع نفسية لا يمكن السيطرة عليها او توجيهها حيث ما يشاء الانسان لكونها ليس ملكه او ان تسيرها ليس بيده بالمرة.
مثال من الحياة
حينما تعرض شعب لبنان الى الاعتداء الصهيوني قبل أسابيع من الآن تعاطفنا نحن العرب المسلمين معهم وحاولنا اظهار هذا التعاطف بشتى الطرق على الرغم من تعرض شعوب وجماعات بشرية أخرى في مناطق أخرى من الأرض لنفس الاعتداءات او ربما أكثر ضراوة ووحشية منها، وهو ما يدلل صحة ان التعاطف الانتقائي مصدر الشعور والشعور لا يدار.
رغم أن التعاطف جزءا أساسيا في تكويننا وبناء الروابط الاجتماعية، فإنه قد يتضاءل في بعض المواقف لدرجة تجعل الشخص لا يرى معاناة الآخرين، ويحولها إلى مادة للسخرية والتسلية، لذلك يجادل بعض علماء النفس بضرورة عدم الاعتماد على التعاطف في إطلاق أحكامنا الأخلاقية باعتباره شعوراً مضللاً وانفعالياً يكبر ويتضاءل دون معيار أخلاقي ثابت.
لماذا نتعاطف بصورة انتقائية؟
كثيرة الدوافع التي تجعل الفرد يتعاطف بصورة انتقائية، ففي هذا السياق يرى علم النفس ان من اهم الأسباب لذلك هو أن التعاطف ينشأ أساساً لصالح بقاء المجموعة، مما يعني أن من هو خارج هذه المجموعة يمكن أن أرفضه وأرفض التعاطف مع قضيته، طالما أن أزمته بعيدة عني وعن المجموعة التي أنتمي لها.
ويمثل العامل الديني او العقائدي سبباً مهماً من أسباب تعاطف الانسان انتقائياً، اذ نميل لا ارادياً الى المشابه لنا عقائدياً ودينياً بينما يقل التعاطف مع اولئك المختلفين عنا وقد ينعدم مع بعضهم، فليس منطقياً ان نتعاطف مع الجميع بنفس الدرجة وان حصل ذلك فهو يعني ان ثمة مشكلة نفسية يتعرض لها المتعاطف.
ومن مسببات انتقائية التعاطف الإنساني مع أبناء جلدتنا هو ارتباطنا واياهم بمواقف إنسانية مؤلمة مثل تعرضنا واياهم لنفس المواقف الحياتية والمصائب والحوادث التي تستدعي التعاطف، وذلك يحدث لشعورنا الدقيق بهم لكوننا تعرضنا لنفس الألم النفسي والمعاناة، بينما يخف تعاطفنا مع أصحاب المواقف الأخرى لمواقف حياتية صعبة لكننا لم نعشها ولم نقاسي المها وهذا هو الفرق بين الموقفين.
كما من الأسباب المنطقية لقلة التعاطف او انعدامه في مواقف معينة هو أننا لا نتصور حجم المأساة ولا نتخيل مدى صعوبتها نظراً لبعدها عنها، كما أن تصوراتنا عن الآخرين غالبا ما تكون أقل وضوحا من تصوراتنا عن أنفسنا، وتكون تصوراتنا عن المآسي التي لا نعيشها غير واضحة تماما، فيؤدي هذا التباين إلى ترسيخ صور نمطية عن الآخرين ومآسيهم، أو يُمكن أن ننظر إلى مشاكلنا التي نجحنا في تخطيها ونعتقد أن الأمر بالسهولة نفسها بالنسبة للآخرين ومشاكلهم.
في الختام نقول: بعد سردنا مقدمات عن التعاطف الانتقائي للإنسان وذكرنا اهم الأسباب التي يمكن ان تجعلنا نتعاطف انتقائياً مع الافراد، لابد من الإشارة الى امر غاية في الاهية وهو ان التعاطف الانتقائي لايمكن اعتباره مشكلة نفسية فكل شيء يمكن ان يتحكم به الانسان الا المشاعر فليس للإنسان سلطة عليها.
عزيز ملا هذال