ماجد الزبدة كاتب وإعلامي فلسطيني
ثلاثة عشر شهراً مرّت على جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة والعدوان الإسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة لم يُفلح فيها الصهاينة وجيشهم الأقوى في المنطقة -رغم الدعم العسكري والغطاء السياسي الذي تلقّوه من الولايات المتحدة ودول أوروبا- في القضاء على المقاومة الفلسطينية وتحقيق صورة النصر المنشودة لدى الكيان الغاصب على الشعب الفلسطيني الأعزل، وإنهاء القضية الفلسطينية وتوفير الأمن والأمان لغلاة المستوطنين الصهاينة الذين يعيثون خراباً منذ سنوات طويلة في الأرض المقدسة على مرأى ومسمع من دول العالم أجمع.
مازالت المقاومة الفلسطينية تقاوم ببسالة قلّ نظيرها آلة البطش الصهيونية التي ارتكبت جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي أدت إلى استشهاد ثلاثة وأربعين ألف فلسطيني وجرح أكثر من مئة ألف آخرين غالبيتهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى آلاف المفقودين تحت أنقاض بحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، كما دمرت مساحات واسعة من البنى التحتية والمشافي والمدارس وأكثر من ثمانية بالمئة من المنازل في قطاع غزة بحسب تقارير المؤسسات الحقوقية والأممية بهدف دفع الفلسطينيين للهجرة القسرية خارج الأرض الفلسطينية المحتلة.
مَن تابع تطور الأحداث الميدانية منذ السابع من أكتوبر المجيد يدرك جيداً أن المستقبل المشرق هو للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، فالمقاومة الفلسطينية التي كسرت النمط التقليدي للمواجهة الفلسطينية الصهيونية، وأذهلت الجميع بجرأتها في الانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وأثبتت أنها قادرة بخططها العسكرية المُحكمة وتكتيكاتها الميدانية المُتقنة على الصمود وهزيمة جيش الكيان وتدمير مئات الدبابات والآليات العسكرية الصهيونية، وإيقاع الآلاف من الجنود والضباط الصهاينة بين قتيل وجريح، والأهم أنها قادرة على مواصلة دك مدن العمق الفلسطيني المحتل برشقات صاروخية هي مقاومة قوية وراشدة وتمتلك من الإعداد الجيد ومقومات الصمود والثبات ما يعينها على تحقيق أهدافها بتحرير الأسرى والمقدسات وطرد الاحتلال.
لقد شاهد العالم أجمع ومنذ بدء عدوان الكيان على غزة كيف تجنّد الإحتلال من مختلف الشرائح المجتمعية والأحزاب السياسية خلف آلة البطش الصهيونية مُحرّضين تارة على قتل الفلسطيني وسحقه دون رحمة، ومطالبين تارة أخرى بتهجير أهالي غزة، وفرحين دوماً بارتكاب جيشهم المجرم مجازر إبادة جماعية بحق الأطفال والشيوخ والنساء في غزة، ورأينا بأمّ أعيننا كيف سقطت الولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها من دول أوروبا في مستنقع لا أخلاقي حين دعمت عسكرياً وأمنياً وسياسياً جرائم الإبادة الجماعية، ضاربة بعرض الحائط كل القيم النبيلة، وحقوق الإنسان التي كانت تزعم لعقود حراستها والدفاع عنها، وكيف حالت مراراً وتكراراً دون صدور قرار أممي بوقف جريمة الإبادة والعدوان المتواصل على غزة، وتبنّت بغباء سياسي رواية الكيان للأحداث، ودعمت مخطط تهجير أهالي غزة، قبل أن تتراجع عنه لاحقا مع تيقنها من فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة بتحرير جنوده الأسرى وهزيمة حماس وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة.
إن صمود المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية، ونجاحها على الصعيدين العسكري والإعلامي في إفشال مخططات جيش الإحتلال في غزة أسهم بشكل فعّال في إحداث اختراق مؤثر في الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية، وتغيير القناعات الصهيونية الأمريكية بأن هزيمة حماس والمقاومة الفلسطينية مجرد أوهام وأحلام يقظة بعيدة عن الواقع، ويتناقض عمليا مع نتائج المواجهة الميدانية في غزة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، وأن أية ترتيبات سياسية مستقبلية في المنطقة العربية سيُكتب لها الفشل الذريع حال تجاوزها الحقوق الفلسطينية التاريخية وطموحات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.
إن المقاومة الفلسطينية في فلسطين عموماً وفي قطاع غزة على وجه التحدبد، ورغم الخذلان العربي والفلسطيني الرسمي الذي وصل إلى حد التواطؤ مع الإحتلال من قبل بعض الأطراف ما زالت تتمتع بحاضنة شعبية قوية، وتأييد فلسطيني جارف، على الرغم من إمعان جيش الكيان الغاصب في حرب التجويع، وجريمة الإبادة الجماعية لم تنجح في دفع الفلسطينيين للانفضاض عن خيار المقاومة المسلحة لطرد الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
لقد كشفت حكومة نتنياهو المتطرفة بجرائمها البشعة في غزة الوجه الحقيقي لكيان الاحتلال، وأثبتت أن الفلسطينيين العزّل يواجهون آلة بطش عسكرية فاقت في قسوتها وجبروتها أعتى النظم الفاشية والنازية عنصرية في العصر الحديث، كما أسهمت بغرور وزرائها وغبائهم السياسي والعسكري في تعزيز الرواية الفلسطينية أمام شعوب العالم الحر لتنطلق مظاهرات التأييد للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في عشرات المدن الإسلامية والغربية على حد سواء، كما أفرزت جريمتها المتواصلة في غزة مادة قانونية ساعدت على محاسبة قادة الاحتلال، وملاحقتهم قانونيا أمام المحاكم الدولية، وهي المهمة التي بادرت إلى تلقّفها جمهورية جنوب افريقيا برفعها قضية ضد كيان الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
ربما يكون النجاح الوحيد الذي حققته حكومة نتنياهو المتطرفة وجيشها المجرم في غزة نتيجة العدوان هو غرس الكراهية في قلوب الآلاف من الأطفال والفتية الفلسطينيين، الذين عايشوا بأنفسهم فصول الجريمة المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال، هذا الجيل سيسعى جاهداً حين يكبر للانتقام لذويه وأبناء شعبه الأبرياء الذين سحقتهم الدبابات الصهيونية في شوارع غزة، وقضوا شهداء تحت أنقاض منازلهم بفعل الإجرام الصهيوني، حينها سيدرك المستوطنون الصهاينة في فلسطين أن الأمن والأمان الذي ينشدوه لن يجدوه سوى بعودتهم إلى بلاد آبائهم وأجدادهم في روسيا وبولندا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
واليوم ومع تَيَقُّن قادة الإحتلال وحلفائهم الأمريكيين والأوروبيين من فشل الجيش الصهيوني في هزيمة حماس والقضاء على المقاومة الفلسطينية فإن المستقبل القريب لا يحمل سوى مزيد من البطش والقتل الصهيوني وارتقاء المزيد من الضحايا الفلسطينيين الأبرياء، وفي المقابل فإن ثبات المقاومة الفلسطينية في غزة، وصمود حزب الله في جنوب لبنان وتصعيد محور المقاومة في اليمن والعراق من دعمهم لغزة من خلال تدخلهم العسكري ضد كيان الاحتلال وحلفائه الغربيين، وحصارهم البحري للكيان الصهيوني المارق في البحر الأحمر كفيل بمضاعفة كلفة عدوانه الغاشم على غزة ولبنان وإرغام حكومة نتنياهو المتطرفة على إيقاف هذا العدوان الهمجي.
ختاما فإن تصاعد الصراع السياسي داخل الكيان الصهيوني وارتفاع وتيرته عبر مواقع التواصل الصهيونية وفي الإعلام الصهيوني الرسمي في ظل ارتفاع فاتورة القتلى من الجنود والضباط الصهاينة في غزة وجنوب لبنان هي نتاج مباشر لصمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية، حيث بات الخيار الوحيد أمام حكومة نتنياهو هو اتخاذ قرار بانسحاب الجيش الصهيوني مهزوماً من غزة وجنوب لبنان، والإذعان لخيار المفاوضات وفق شروط المقاومة التي تكفل لجم هذا المحتل، وتحرير أسرانا في السجون والمعتقلات، وإنهاء الحصار الظالم على غزة والتوقف عن تنفيذ مخططات تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى المبارك.