د. أحمد فخر الدین كاتب وناقد لبناني
في اللغة الأدبية عادة ما يكون الانسجام قائماً بين العناوين المطروحة، واللغة أو المفردات المعبرة عن هذه العناوين، فلا يمكن الحديث في القانون بلغة الطب، أو شرح مقطوعة شعرية بلغة الفيزياء، رغم حضور الاستعارات البلاغية التي لا تنسجم غالباً مع الواقع.
مع دخول الحرب التي يشنها العدو الصهيوني على غزة ولبنان عامها الثاني، والتصدي البطولي للمقاومة،كيف نقرأ بيانات المقاومة التي رافقت أو تلت كل عملية عسكرية قامت بها، ومدى انسجامها مع الهدف لغة وصياغة ومضموناً، وهل يمكن أن نعتبر أن هذه البيانات جزءاً لا يتجزأ من أدب المقاومة.
مع “طوفان الأقصى” باكورة العمليات التي شنّها الفلسطينيون ضد مواقع العدو في مستوطنات غلاف غزة تظهر مباشرة من خلال العنوان رمزية المعركة والتصاقها بالهدف “الأقصى”، فإذا أضفنا مفردة “طوفان” فسوف يأخذنا المشهد مباشرة إلى طوفان نوح الذي عمّ الكرة الأرضية يومها وأراد الله به أن يطهر الأرض من الفساد الذي شكل قوم نوح جزءاً منه.. وفي ذلك إشارة بليغة إلى فساد بني صهيون اليوم واستعلائهم في الأرض واحتلالهم للأرض المباركة واقتلاعهم سكانها بالقوة وإعمال المجازر فيهم.
دخول مقاومة حزب الله اليوم التالي مباشرة معركة الإسناد لغزة شكل إضافة مهمة في المضمون وعبر عنها في الشكل ببيان استهل بآية قرآنية تظهر الأذن بمقاتلة الظالمين، وبعبارات تالية تؤكد على الانتصار للمظلومين ومساندتهم… وينتهي البيان ككل البيانات اللاحقة بإستلهام النصر من الله العزيز القدير.
على هذا المنوال توالت لاحقاً بيانات القوى التي دخلت معركة إسناد غزة سواء المكتوبة منها التي أعلنتها المقاومة الإسلامية في لبنان، وكذلك المقاومة الإسلامية في العراق، وبعض بيانات المقاومة في غزة وسرايا القدس، أم المقروءة منها والتي تفرّد بها الناطق العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية بشكل خاص ومميز وبلهجة فيها كل الإصرار والعزم، وكذلك الناطق باسم الجهاد الإسلامي وشهداء الأقصى.
فالبيانات العسكرية لمحور المقاومة كانت تستلهم نفس المبادئ، وتأخذ نفس السياقات اللغوية والأدبية بتعابير وجمل تشرح هدف العملية ومقصدها: رداً على اعتداء، أو استهدافاً لمجموعة أو آلية عسكرية أو لسفينة تحمل عتاداً للعدو أو صداً لهجوم، وحتى الأسماء التي حملتها كل عملية أو هجوم لا تخلو من عنوان مقاوم.. وكذلك الأسماء التي أطلقت على المسيرات والصواريخ الموجهة من “زلزال” إلى “قادر” إلى “بركان”، و”صياد” و”هدهد”.. كلها أسماء تشير إلى الاقتدار والقوة والعزيمة التي تمتلكها المقاومة لصدّ العدو ومحاولة كسره في الميدان.
في المضمون كانت بيانات المقاومة تزخر بمعاني المواجهة والصمود والتصدي للعدوان، وتفند الأهداف التي ترمي إليها وتستحضر المفاهيم الإسلامية للحرب الدفاعية عن الأرض والعرض، ومواجهة الغزاة والطامعين، فما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا، لذا فإنّ مواجهة الأعداء المحتلين للأرض واجب، وطردهم من المقدسات فرض على المسلمين وأحرار العالم.
وبالعودة إلى مبنى البيانات التي صدرت عن المقاومات المختلفة المصادر والمتحدة الأهداف.. فكما كان الاستهلال فيها بالآيات القرآنية التي تحضّ على قتال أعداء الله والانسانية ومساندة المظلومين، كانت تختتم بالأمل بنصر من الله.. بنصر أو استشهاد.. بتثبيت الأقدام والأنفس.. والصبر مع النصر.
في المحصلة وبإيجاز، هل يمكن أن نقرأ في بيانات المقاومة الأخيرة نمطاً من أدب المقاومة يضاف إلى الأنماط التي عرفت بها حتى الآن، وهي لا تزال في طور الفتوة والتكامل؟
لا شكّ -والمقام لا يتسع كثيراً في هذه العجالة- أنّ الأدب المقاوم يعتمد في روافده المتعددة على الأخذ بكل عناصر القوة التي توجه نحو كسب المعركة وحصاد النصر، والإعلام المقاوم بمفردة بيانات الحرب العسكرية هو أحد أنماط هذا الأدب المقاوم..