لا يخلد الى النوم أي فرد من الافراد دون الانتهاء من وضع خطة اليوم التالي او الأسبوع القادم، وبالتأكيد الحديث هنا عن الفرد الناجح الذي يريد ان يكمل مشوراه على وتيرة واحدة، ولا يمكن ان يكتب النجاح لأي شيء دون الخضوع لعملية الخطيط السليم والممنهج، فما بالكم بإدارة مشاريع الدولة وعلاقتها بالنهضة والتقدم.
ويأتي التخطيط لا سيما الاستراتيجي أحد أهم الأسس التي تبنى عليها الدول، وتنهض وتضع بصمة في المستقبل، ولا يمكن ان يستغني أي مجال او جانب من الجوانب الحيوية في الدولة عن التخطيط، فالعملية السياسية تبقى عرجاء دون تخطيط لطبيعة التوازنات والتفاهمات المستقبلية.
وكذلك المجال الاقتصادي بحاجة الى معرفة الإيرادات والصادرات وكل ما يعلق بمصادر الدخل القومي، لوضع سياسة اقتصادية تساعد على نهوض القطاع الاقتصادي، اذ يمكن ان شرع بتنفيذ المشروعات التجارية ذات الابعاد الاستراتيجية، كالمصانع وغيرها من المرافق الحيوية التي تصب بمصلحة النظام الاقتصادي.
ولذلك الدولة التي تسير دون حساب لخطواتها، لا يمكن لها ان تقدم ولو لخطوة واحدة، وان حصل القدم فهو بضربة حظ ولا عول عليه، يمكنه التراجع او الانهيار امام اول هزة مفاجئة، وهكذا بقية القطاعات التي عيش حالة من العشوائية الإدارية والتخبط الواضح.
وهو ما خلق نوع من الفجوة بين حقب زمنية متقاربة، على العكس من التخطيط الصحيح الذي يجب ان يربط الماضي بالحاضر، وينقلنا الى المستقبل الذي ننشده، فلا يمكن اليوم إدارة أي مرفق بلا خطة واضحة المعالم، خاصة في ظل التطور، الذي نشهده في قطاعات مختلفة، أهمها التواصل والاتصالات والتكنولوجيا وغيرها.
نعرف ان بعض الدول وضعت خطط من الآن الى 2030، وتعمل على تنفيذ الخطة الموضوعة بما يهيأ للمرحلة المقبلة، دون التأثير او التداخل فيما بين الخطط، لكن ما يحصل في العراق هو المختلف تماما عن الواقع الدولي في مجال التخطيط، فلا ضامن لوجود مشروع يتجاوز عمر العقدين من الزمن.
نشر قبل أيام على مواقع التواصل الاجتماعي قيام احدى الوحدات الإدارية برفع مجسر بدافع توسعة الطريق وخلق انسيابية في السير وحركة العجلات المزدحمة في أوقات الدوام الرسمي.
انشاء المجسر ورفعه بمدة يسيرة يشير إشارة واضحة الى فقدان الركن الأساس من اركان العملية العمرانية والنهضوية في البلاد، والتي بدونها تبقى المشروعات تدور في دائرة التدوير والجدولة غير النافعة.
أضف الى ذلك التضارب الواضح والتقاطع الكبير بين وجهات نظر المسؤولين، فلكل منهم رؤيته الذاتية، بعيدا عن التخطيط للتنمية واستكمال هذه الخطوات واحدة تلو الأخرى، مع الحرص على الالتزام الكامل بحدود الخطة.
فأهم نقطة في نجاح التخطيط للإدارة والتنمية هو الالتزام بالخطة، وبجداولها الزمنية، فالانتهاء من المشاريع وفق السقف الزمني أحد أهم أسس قياس مدى نجاح التخطيط في أي دولة، هذا فضلاً عن ان التطور يتطلب الاستمرار بوضع الخطط، فإن كانت المشاريع في الخطط السابقة لم تنتهِ وفق جدولها الزمني، ستعطّل بدورها انجاز المشاريع الجديدة، وبذلك تعطّل استمرار التنمية بوتيرة سريعة.
أما فيما يتعلق بجانب التخطيط الاستراتيجي، وهو الأطر والفلسفات التي ترسم قرارات الدولة، والذي يعتبر مهماً لأي دولة، فهو يجعلها دولة فاعلة، وصانعة للحدث، ويجنبها أن تسير على إثر ردات الفعل، بل إن التخطيط الاستراتيجي، يجعل أي دولة تسير وفق خطة مدروسة ومترابطة، وتحقق الأهداف، لا ان تكون قراراتها مجرد انعكاسات لمناشدات وقتية.
ومن باب الإنصاف، فقد لاحظنا مؤخرا وجود بعض المسؤولين العاملين وفق نهج استراتيجي واضح، وخلق نوع من التعاضد بين العديد من المؤسسات الحكومية، لكنهم يصطدمون بالكثرة المعطلة بناء على توجيهات حزبية نابعة من نظرات ضيقة.
وأخيرا نتمنى ان يكون النهج الاستراتيجي نهجا حكوميا، مترابطا بين جميع الجهات، وهكذا يمكن صناعة تخطيطا كفيلا بنهضة البلاد على جميع المستويات.
مصطفى ملا هذال