د. نبيه علي أحمد
منذ نشأة الكيان الغاصب ووعد بلفور المشؤوم، بدأت العصابات الصهيونية بتقديم الصورة الأبشع للمجتمع العالمي عبر التنكيل والإضطهاد والظلم بحق الشعب الفلسطيني، ذلك أن هذه المجموعات من المرتزقة أحضرتها الوكالة الصهيونية، من كل أصقاع الأرض من أجل إغتصاب أرض فلسطين من أصحاب الأرض الحقيقيين، والإدعاء بأنها لهم، مع ما استتبع ذلك من تزوير للتاريخ، وتهجير للسكان الأصليين، بالإضافة إلى قتل وسفك الدماء على مرّ التاريخ.
لا يخفى على أي قارئ للتاريخ بأن أرض القدس هي معراج الأنبياء وقبلة المسلمين الاولى، وهي التي عرج منها نبينا الأكرم(ص) إلى البارئ في رحلة قدسية، هي موطن السيد المسيح عيسى بن مريم(ع) التي ارتبط اسمها بكل أنواع القداسة والإنسانية، فقررت الدول الغربية آنذاك، بأن هذه الأرض تصلح لتكون موطناً للصهاينة من كل أصقاع الأرض، من أجل إبعادهم عن دولهم، ونحن نعرف بأن فلسطين لم تكن مطروحة لهذا الأمر، وحصل ذلك فقط من أجل إرضاء أصحاب الأموال.
مقاربتي للجرائم الصهيونية ليست من ناحية سياسية بحتة، بل من ناحية إنسانية قومية، ويكفي من خلال بحث صغير على الإنترنت، بالرغم من التجييش الكبير الذي يمارسه الغرب لطمس جرائم الصهيونية وتلميع صفحتهم، والتركيز فقط على محرقة مزعومة قام بها هتلر، والإدعاء بالمظلومية من جراء ذلك.
سنحاول أن نعدد بعض جوانب جرائم الكيان الغاصب بحق الشعب الفلسطيني، التي بدأت منذ ذلك الوقت ومازالت مستمرة حتى الآن:
1- طمس الهوية الحقيقية لفلسطين
كلنا نعلم بأن الصهاينة المتواجدين على الأراضي الفلسطينية هم من الشتات الذين تم جمعهم من مختلف الدول الغربية، ولا يوجد أحد منهم قد وُلد على هذه الأرض، لذلك حرصت الصهيونية آنذاك على محاولة ربط هؤلاء بالأرض من خلال طمس هويتها الحقيقية، والإيحاء بأنها كانت أرضاً لليهود منذ أيام النبي سليمان(ع) وبأن هناك هيكلاً مزعوماً اسمه “هيكل سليمان”، كما هناك حائط المبكى وغيره، لدفع هؤلاء إلى البقاء في هذه الأرض، وإن محاولة طمس الهوية الحقيقية قد جرت من خلال تزوير الوثائق التاريخية، ومحاولة جرف وتهديم الأماكن التاريخية الفلسطينية، وإنشاء متاحف ومراكز أبحاث تتحدث عن هوية مزعومة مدعمة بالوثائق المزورة؛ ولكن الفلسطيني الحقيقي قد توارث حكاية أرضه أباً عن جد، ولذلك هو يدرك تماماً أن كل ما يقدمه الصهاينة ليس حقيقياً.
2- تهجير الناس
بعد محاولة تزوير التاريخ، كان لابدّ من طرد أصحاب الأرض ليحل مكانهم مستوطنو الشتات، ونحن ندرك تماماً أن كل المنازل في أرض القدس وباقي المناطق المحيطة بها، هي فلسطينية أباً عن جد، وليس آخرها منزل رئيس الحكومة الصهيونية في قيساريا الذي تبين أنه يعود لطبيب فلسطيني.
إن تهجير الناس من منازلهم وقراهم ليستوطن مكانهم الصهاينة، مع تغيير أسماء القرى واستبدالها بأسماء صهيونية، كما تهجير الناس إلى خارج فلسطين ومنع عودتهم بالإتفاق مع الدول الغربية، وإبقائهم في مخيمات متفرقة في لبنان وغيرها، مع الضغط على منحهم جنسيات أخرى لتغيير هويتهم الحقيقية؛ ولكن الشعب الفلسطيني قاوم هذه السياسيات من خلال الإصرار في كل مناسبة على حقهم في العودة، وعلى استخدام أسماء القرى الحقيقية عوضاً عن الصهيونية، كما التمسك بمفتاح العودة إلى منازلهم وتحميل هذه الأمانة إلى الأجيال المستقبلية التي تظهر تمسكاً كبيراً في أرض الأجداد.
3- إعتقال القادة والمفكرين والقضاء عليهم
من المعروف أن هناك شخصيات كثيرة مهمة، ساهمت في تركيز بوصلة المجتمع الفلسطيني على حقه في الأرض، وقد برز هناك مفكرون وقادة مجاهدون وغيرهم، وهذا ما جعل الكيان الصهيوني يحاربهم ويركّز على اغتيالهم في كل مكان تواجدوا فيه، من أجل ترك هذا الشعب بلا قائد؛ ولكن الشعب الفلسطيني كان يثبت يوماً بعد يوم، أن الوعي الموجود عند الأطفال ينتقل بالجينات، وهؤلاء يصبحون قادة جيلاً بعد جيل، وإن اغتيال أي قائد يحدث ثورة حقيقية في عقول الشبان للمزيد من المقاومة والإصرار على إكمال الدرب الحقيقي لهؤلاء.
4– القضاء على حركات المقاومة
بعد إغتيال القادة، كان لابدّ للصهاينة من اعتقال هؤلاء الشباب في السجون لمدد طويلة، كما التنكيل بهم وبعوائلهم بسبب الإنتماء لحركات المقاومة؛ ولكن هذا كان يزيد هؤلاء إصراراً واندفاعاً، فالطفل الفلسطيني عندما يبلغ نعومة أظافره يشارك في المظاهرات ورمي الحجارة على الصهاينة والجنود، فيتم إعتقاله؛ ولكنه يخرج بعد عدة سنوات شاباً متحمساً للجهاد في سبيل الله فيصبح مجاهداً وقائداً ليستشهد في سبيل فلسطين وأرض فلسطين.
لم يتمكن الكيان الصهيوني من القضاء على روح المقاومة لدى كل هؤلاء، فالطفل مقاوم، والشاب مجاهد، والكهل مجاهد وكلهم مشاريع شهادة في سبيل القضية الفلسطينية.
موقف الدول
من الطبيعي أن نرى صمتاً على كل هذه الجرائم، من الدول الغربية لأنها أصلاً شريك فعلي في هذه المؤامرة التي خطط ونفّذ لها قادتهم، وإن مصالح هذه الدول هي مع الشيطان الأكبر وهي أميركا، الراعي والحامي والمدافع عن الكيان الصهيوني، ولا يمكن لأي دولة غربية معارضتها فيما يخالف ذلك، وإلا ستحاربها وتستخدم كل الوسائل الدولية ضدها وضد شعبها، وهذا ما رأيناه مع إيران والعراق واليمن وسورية وغيرها من دول محور المقاومة.
موقف المقاومة
ما تزال دول محور المقاومة “إيران، العراق، لبنان، اليمن وسورية” تقف في وجه كل المخططات الغربية، وتحاول إبراز القضية الفلسطينية المحقة أكثر من أي وقت مضى، وخاصة مؤخراً مع معركة “طوفان الأقصى”، حيث أظهرت هذه المعركة الوجه الحقيقي للمخطط الصهيوني بدعم غربي؛ ولكن ما نشهده من تضحيات في سبيل إفشال هذا المخطط سيكون نتيجته نصر إلهي وزوال لهذا الكيان المزعوم، كما جاء في الكتب السماوية وفي التوراة اليهودي، وأن نهاية هؤلاء ستكون على يد فتية آمنوا بالله ووهبوا أرواحهم في سبيله، وهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.