سهامه مجلسي
تعتبر علاقة الفن بالواقع من أعقد العلاقات الجدلية في تاريخ الإنسان، حيث تختلف فيها الرؤى حسب الاختلاف القائم بين تلك الرؤى حول ماهية الفن ووظيفته؛ لكن أغلب المذاهب الفنية في العالم اتفقت على الارتباط الوثيق بين الفن والواقع الذي يعيشه الفنان. الفنان لا يعتبر فقط نهجاً معبراً عن الواقع الذي يعيشه المجتمع، بل يتحمل أيضاً مسؤولية أكبر، مسؤولة التعبير عن الواقع بمعنى أعمق من الحقيقة، أي تقديم البُعد الوجداني للواقع بمأساته ومعاناته وقضاياه ورسالته، وهو ما نجح به الفنان التشكيلي الفلسطيني السوري “معتز مصطفى العمري” الذي جسّد في أعماله واقع القضية الفلسطينية بوجدانها وثقافة الشعب الفلسطيني وتاريخه وعراقته. وفي هذا الصدد، أجرت معه صحيفة الوفاق حواراً فيما يلي نصه:
الخط العربي في الحضارة الإسلامية تاريخ وإنجازات
يوضح لنا العمري بأن الحضارة الإسلامية من الحضارات المهمة على مدى التاريخ. ومقارنةً مع الحضارات الأخرى، فإن الحضارة الإسلامية كان لها دور كبير في ثقافات الشعوب والتأثير فيها والخط العربي هو أحد ارتكازات الحضارة الإسلامية لأن القرآن الكريم كتب باللغة العربية ونطق به أيضاً باللغة العربية، فالخط العربي من هنا تأتي أهميته الأولى وبدأ يتطور ويستخدم في كتابة الأحاديث النبوية والرسائل إلى ملوك العالم لنشر الدعوة الاسلامية كتبت بالخط العربي، وكان الإبداع في تنوع أشكال الخطوط وتعدد أنواعها وكان أبرزها خط الرقعة الذي استخدم بالكتابة به على الرقاع ولذلك سُمي بهذا الاسم ومن ثم خط النسخ الذي كتب به القرآن الكريم، ومن ثم الخط الديواني الذي استخدم في دواوين الملوك وكتابة الرسائل به، ومن ثم الخط الفارسي أو التعليق وهو من الخطوط الجميلة وبرع فيه الخطاطون في بلاد فارس ومن ثم خط الثلث والخط الكوفي الذي استخدمه خطاطو أهل الكوفة في العراق وهو خط هندسي ويحتوي زخارف إسلامية.
وأوضح العمري بأن للخط العربي دورا كبيرا في الحضارة الإسلامية لأنه كان المعبِّر عن هذه الحضارة من خلال ما اكتسبه الخط العربي من جماليات خاصة تختلف عن باقي خطوط العالم، فقد تنوعت أشكاله وله صفات عديدة ميزته كالحدة في بعض الخطوط مثل خط الرقعة الكوفي وبعضاً امتلك الليونة في حركته، مثل الخط الديواني والخط الفارسي وبعضها مزج بين الليونة والحدة في حركة وكتابة أحرفه مثل النسخ والثلث.
والخط العربي الذي يكون على تشكيلة ضمن فراغ معين على شكل معين مثل أن نرى شكل تفاحة مثلاً مكونة من تشكيلات الحروف وفيه ميزة التداخل بين حروفه وكلماته مثل خط الثلث الذي أبدع فيه الخطاطون مثل الخطاط العراقي هاشم البغدادي لذلك تميز الخط العربي.
الخط العربي والعصر الرقمي
وهنا يوضح لنا العمري بأن الخط استخدم كثيراً في موضوع التسويق والدعاية والإعلان وقد ظهرت أنواع من الخط تخدم هذا المجال وكان كثير من هذا العمل ينفذ بشكلي يدوي في الصحف والمجلات والإعلانات حتى ظهرت التكنولوجيا التي أصبحت أسرع في تنفيذ هذه الأعمال واستخدام الطباعة عن طريق الكمبيوتر وماكينات الطباعة الحديثة التي انتشرت بالعالم، وأصبح بإمكان أي شخص استخدام الخط وطباعتها من خلال ماكينات الطباعة لأن الخط في الماضي كان يحتاج لخطاط متمكن يكتب؛ ولكن في التكنولوجيا تم تخزين جميع أنواع الخطوط فيها ليتم الاستفادة منها؛ وهذا الشيء لم ينه دور الخط العربي لأن الخط المكتوب مختلف تماماً عن الخط المطبوع، بامتلاك الخط المكتوب باليد أحاسيس ومشاعر وقدرات إبداعية تقف التكنولوجيا عاجزة أمامها، لهذا بقي الخط منتشراً وله مكانته، وحضوره وتطويره ودخوله في عالم الفن التشكيلي لتنتج العديد من اللوحات الحروفية التشكيلية والتي تحمل صبغة فنية ومرغوبة لدى الجمهور.
وأوضح العمري بأن الخط العربي تطور ليكون جزءاً من الفن التشكيلي المعاصر وضمن قواعده الكاملة ولكون الخط العربي هو خط مطاوع فانه يحتمل التجديد والتغيير، فأصبحت هناك لوحة الحروفيات التي هي فقط مكونة من تشكيل حروفي ضمن تكوين فني وأصبح للون قيمة تخدم الخط العربي لتحلق اللوحة التشكيلية للأفق وهناك أعمال فنية كانت تتطلب الخط العربي ذلك انه يخدم العمل الفني والفكرة، فكان استخدامه بشكل جميل ومطاوع، وهذا التغيير جعل من الخط العربي أكثر انتشاراً على مستوى العالم وأصبحنا نرى الفنانين الغربيين يستخدمون الخط العربي في أعمالهم لما يحمله الخط العربي من خلال حروفه من جماليات عديدة.
من خلال تجربتي وجدت أن الخط هو مكون مهم في العمل الفني الذي يغني العمل ويساعد في إيصال الفكرة ويكون مساعد في عملية تكوين العمل فاستخدمت الجمل المعبرة عن حب الوطن وأبيات الشعر التي تحمل البُعد الإنساني والوطني لتكون جزء من العمل والفن متكامل إن كان بالخط العربي أو اللوحة التشكيلية، وعند ايجاد هذه العلاقة والرابط بينهما يظهر عمل جميل قوي يحقق الفكرة والمشهد البصري.
مستقبل الخط العربي وموقعه ضمن خريطة الفنون العالمية
يقول العمري: أنا أرى أن الخط العربي يحقق انتشاراً واسعاً على مستوى العالم وهناك العديد من الفنانين من دول العالم أصبحوا يتعلمون كتابة الخط العربي رغم أنهم لا يعرفون العربية؛ لكنهم تعاملو مع الحرف العربي كمكون جمالي فيه الكثير من القوة والغرابة والقدرة على التشكيل وتنوع أنواعه وأشكاله ودخل مع هذا نوع من الخط يسمى الخط الحديث الذي يحمل القدرة على التشكيل ومواكبة العصر.
والحقيقة أصبح للخط العربي مكانته في العالم واحترام كبير والكثير من الناس أصبح يحب أن يقتني عمل فيه خط عربي لأنه يعتبر شيئا عالميا ومقبولا لدى أي شخص وأصبحت هناك معاهد في العالم تدرس الخط العربي وتعمل على انتشاره ضمن العمل الفني.
وأنا قمت بإنجاز العديد من الأعمال الفنية التي تحمل الخط العربي وهو مكون مهم فيها لأنه يخدم عملي الفني فأحياناً أستخدمه كإطار محيط بالعمل وكتبت عبارة فلسطين الحبيبة، وعمل آخر فيه من قصيدة محمود درويش أم البدايات وأم النهايات كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين، وعمل فيه على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
ومن كتابات جبران خليل جبران” أولادكم ليسوا أولاداً لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها”، وعمل فيه من قصيدة نزار قباني هذه دمشق فكان للخط دور وأهمية في عملي الفني، وأسعى لتطوير العمل الفني وليكون الخط جزءا منها وممكن أن تكون اللوحة هي عبارة فقط عن الخط العربي ضمن تشكيل معين يساعد في تقديم رؤية جديدة لعملي الفني.
التمسك بالهوية الفلسطينية والحوادث الأخيرة في فلسطين
ويقول العمري أن التمسك بالهوية الفلسطينية هو رسالتنا الفنية وهو جزء مهم من النضال ضد العدو الغاصب والتمسك بهذا الحق هو من أساسيات تمسكنا بهويتنا التي حاول ويحاول العدو الصهيوني طمسها، فلسطين لا تحتاج كلمات، بل تحتاج أفعالًا فللخط دور مهم في استخدام العبارات المعبرة عن تمسكنا بهويتنا الفلسطينينة كمثل استخدام كلمة عائدون وكلمة «زهرة المدائن» و«يا قدس إنّا قادمون» و«ثورة حتى النصر» و«الحرّية لفلسطين» و«العودة حق لا عودة عنه» كل هذه الكلمات والكثير منها للتأكيد على حقنا في فلسطين وأن هويتنا هي الهوية الفلسطينية ونحن متمسكون بها طال الزمان أو قصر حتى تحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر.