الأديبة أ. د. سناء الشّعلان للوفاق:

الطفل الفلسطيني تجاوز المعاناة النفسیة التي حاصرته طوال عمره إلی ما هو أبشع

خاص الوفاق :الدّم الفلسطينيّ المراق ظلماً وغدراً هو لعنة على الجميع؛ فلن يمرّ هذا الدّم دون أن يلعن كلّ مَنْ ساهم في إراقته سرّاً وعلانيّة، وعلينا جميعاً أن ننتظر عقوبة السّماء والأرض والتّاريخ.

2024-11-25

موناسادات خواسته

 

مرّ علينا قبل أيام اليوم العالمي للطفل، تم اختيار يوم 20 نوفمبر حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا التاريخ إعلان حقوق الطفل في عام 1959، كما أنه يعتبر أيضاً تاريخ اعتماد الجمعية العامة اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989. لذلك منذ عام 1990، يحتفل العالم بيوم الطفل العالمي بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل وللإتفاقية المتعلقة بها، ولكن ما نشهده اليوم هو اتخاذ الصمت وسياسة الكيل بمكيالين تجاه الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الأطفال الفلسطينيين، فعلى هامش اليوم العالميّ للطّفل، أجرينا حواراً مع الأديبة الدكتورة سناء الشّعلان (بنت نعيمة) التي هي رئیسة منظمة السلام و الصداقة الدولیة و قاصة وروائية وناقدة فلسطينية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، لها مؤلفات كثيرة، ونالت 68 جائزة محلية وعربية في حقول الرواية والقصة والمسرح وأدب الأطفال، كما أنها حصلت على جائزة فلسطين العالمية للآداب، وكان الحوار حول معاناة أطفال غزّة تحت العدوان الصّهيونيّ عليهم، وفيما يلي نص الحوار:

 

 

في اليوم العالميّ للطّفل، ما هو رأيكِ حول أطفال غزة والظّروف التي يعيشون في ظلّها؟

 

لا أعتقد أنّه يمكن توصيف ما يحدث في حقّ الطّفل الفلسطينيّ إلّا بأنّه وحشيّة مريعة للكيان الصّهيونيّ ولمن والاه ودعمه في سبيل تصفية القضيّة الفلسطينيّة من خلال أبشع صورة همجيّة، وهي تصفية الإنسان الفلسطينيّ في إبادة جماعيّة علنيّة لا تبالي بالرّأي العامّ الأخرس، وتركله بالحائط بحذائها الملعون.

 

أبشع ما يحدث الآن أنّ هذه التّصفيّة تستهدف الطّفل الفلسطينيّ الذي يرتبط المستقبل به؛ لذا يعمل المحتلّ الصّهيونيّ على استهداف هذا الطّفل، وقتله، والقضاء عليه أملاً منه في أن يصفّي القضيّة الفلسطينيّة بتصفية الطّفل الفلسطينيّ الذي يطارده مطاردة شعواء على أرضه، ويُذبحه عليها، بل يُغتاله في حضن والده، أو داخل رحم أمّه، حتى أنّ الكثير من الأطفال الغزّيين قد وُلدوا في العدوان الصّهيونيّ على غزّة منذ أكتوبر 2023، وأُغتيلوا فيها، فلم يملك أيّ منهم حتى فرصة قصيرة للحياة، ولو لبعض الوقت.

 

هل يدرك المجتمع الدّوليّ حقيقة ما يقترفه العدوّ الصّهيونيّ في حقّ الطّفل الفلسطينيّ في فلسطين المحتلّة لا سيما في غزّة؟

 

طبعاً، المجتمع الدّوليّ حكومات ومؤسّسات وأفراد يدركون ذلك جيّداً، ويعرفون تفاصيل ذلك وحقائقه؛ فما يحدث من جرائم في حقّ الطّفل الفلسطينيّ معلوم للجميع؛ بل هم يشاركون فيه بمعنى أو آخر لا سيما الحكومات والمؤسسات العالميّة والمتصهينة التي تضرب عرض الحائط بما يعاني الطّفل الفلسطينيّ منه منذ احتلال فلسطيني في عام 1948؛ إذ ذاق نصيب الأسد من الظّلم والإستهداف والتّنكيل والتّعذيب والأسر والقتل والقصف والتّشريد والتّهجير والحرمان من التّعليم والعلاج وأيّ شكل من أشكال أولويّات الإنسان للبقاء.

 

في عشيّة احتفال العالم باليوم العالميّ للطّفل أعلن (فيليب لازاريني) المفوّض العامّ لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنّ “غزة أصبحتْ مقبرة للأطفال”، وأشار صراحة إلى أنّ أطفال غزة يتعرّضون للقتل والجرح بشكل يوميّ، كما أنّهم يُجبرون على الفرار من منازلهم، ويُحرَمون من الأمان والحقّ في التّعليم، وأكدّ أنّ ما يحدث في غزة يعكس كارثة إنسانيّة بحقّ جيل من الأطفال الذين فقدوا طفولتهم، مشيراً إلى أنّ هذا الجيل أصبح على وشك أن يكون “جيلاً ضائعاً”.

 

برأيكِ ما هي التّحدّيات التي يواجهها الطّفل الفلسطينيّ؟

 

الحقيقة ما يواجهه الطّفل الفلسطينيّ من تحدّيات في غزّة وفي سائر أرجاء فلسطين هو أبشع من الموت ذاته؛ إذ بدا الموت أقلّ البشاعات في حقّه، وهو الأبشع في الوجود، لكن ما يقابله الطّفل في غزّة أبشع من الموت؛ فهناك التّشريد والجوع والمرض والبرد والعري والعطش والمنع من التّعليم وعدم وجود علاج طبّيّ على أيّ مستوى كان والتّهجير والافتراق عن الأهل والاعتقال والتّعذيب والتّعرّض إلى شتّى أشكال المعاناة، فضلاً عن اليتم، وفقدان الوالدين والأهل، وفقدان الأطراف والأعضاء، إلى حدّ أنّ العدوان الصّهيونيّ المتوحّش حوّل غزّة إلى مذبحة أطفال وأشلاء بكلّ ما في الكلمة من المعنى.

 

كيف يصبح الطّفل الفلسطينيّ مقاوماً بعد هذه المعاناة؟

 

هو الآن يبذل قصارى جهده في المقاومة ليبقى على قيد الحياة في ظلّ وطنه، ويقف حافياً عارياً جريحاً جائعاً يتيماً فوق رمال غزّة الغارقة في دماء الشّهداء، لكن إلى متى سوف يستمرّ هذا الصّمود الموجع أمام آلة الفتك الصّهيونيّة- الأمريكيّة- الأوروبيّة- المتصهينة؟

 

إنْ إستمرّ هذا الفتك والإستهداف للطّفل الفلسطينيّ أخشى أن يصل الحدّ إلى إبادته تماماً في ظلّ صمت هذا العالم الملعون.

 

لكن أنْ كُتب لهذا الطّفل الفلسطينيّ الحياة والنّجاة من هذا الإبادة فهو سيكون خزّان المقاومة والثّورة الفلسطينيّة المستقبليّ حتى النّصر، كما كان أسلافهم الذين تجرّعوا ألم الاحتلال وويلاته، وذاقوا بشاعاته كلّها، ثم حملوا أرواحهم على أيديهم في سبيل تحرير وطنهم فلسطين في حلقات مستمرّة ومتواصلة من النّضال الفلسطينيّ المستمرّ الذي لم يسكن لحظة منذ عام 1948.

 

برأيكِ كيف يمكن مساعدة أطفال غزة على المستوى العالميّ؟

 

هذا السّؤال المكرور يظهر مدى تجاهل العالم لما يعانيه الإنسان الفلسطينيّ طفلاً وبالغاً، ويتساءل ببلهٍ: ماذا نفعل لدعم الطّفل الفلسطينيّ؟

 

الجواب حاضر ومعلوم للجميع، وهو إيقاف هذا الاحتلال الصهّيونيّ القذر لفلسطين، وإعادة الأرض الفلسطينيّة لأهلها، وبخلاف ذلك لن يكون هناك أيّ حلول حقيقيّة؛ فالأزمة أصبحتْ أكبر من أن نقنع دولة متصهينة أن تفتح معبراً لإدخال المساعدات إلى غزّة، أو إقناع أخرى لإدخال الذّخائر للمقاومة الفلسطينيّة، أو إقناع دول ثالثة ورابعة وخامسة لقطع القوافل البريّة لتموين الكيان الصّيهونيّ وإنقاذه في ظلّ عدوانه على غزّة وفلسطين ولبنان وسوريا وإيران والعراق، أو إقناع دولة سادسة وسابعة للمسارعة بالإغاثة الطّبّيّة والإنسانيّة لغزّة، أو إقناع العالم كلّه كي يوقف الدّعم الماليّ والإعلاميّ والعسكريّ والسّياسيّ للكيان الصّهيونيّ ولمن والاه، وتوجيه هذا الدّعم كلّه للمقاومة الفلسطينيّة إلى حين تحرير الأرض والإنسان من رجس المحتلّ الصّهيونيّ.

 

ما هو سبب صمت الذي نشهده من قبل أمريكا والدّول الغربيّة أمام جرائم الكيان الصّهيونيّ الذي يستهدف النّساء والأطفال على الرّغم من أنّهم يدّعون الالتزام بحقوق الطّفل والمرأة؟

 

طوفان الأقصى ونضال المقاومة الفلسطينيّة في غزّة وفي سائر أرجاء فلسطين في صدّ العدوان الصّهيونيّ المتوحّش والجهات العسكريّة الموالية لها وعلى رأسها حزب الله وأنصارالله قد عرّى العالم كلّه، وأعلن صراحة سقوط الأقنعة والمواقف المزوّرة والشّعارات الرّنّانة الجوفاء.

 

الآن لم يصمد شعار عالميّ واحد أمام السّقوط العالميّ، وظهرت الوجوه الشّوهاء كلّها في هذا العالم، ولم يعد هناك شيء إسمه عدالة أو مجتمع دوليّ أو ضمير عالميّ أو إنسانيّة أو حقوق أو خير أو رحمة، لم يعد هناك سوى قوة ظالمة غاشمة تتمثّل في الكيان الصّهيونيّ ومن والاه في طرف أوّل متوحّش، وفي حقّ أعزل ضعيف، لكنّه مقاوم بشراسة وبطولة وبسالة يتمثّل في المقاومة الفلسطينيّة الباسلة في طرف ثانٍ، وبين هذين الطّرفين يهرول ذئاب العالم من دول وأفراد محاولين تحقيق مصالحهم وفوائدهم على حساب الدّم الفلسطينيّ الطّاهر.

 

الجميع الآن متورّطون في سفك الدّم الفلسطينيّ المقاوم في غزّة وخارجها، لا يتبرّأ منذ ذلك سوى من حمل سلاحاً أو كلمة صادقة في سبيل دعمهم، وبخلاف ذلك فالجميع كاذبون وضباع تنتظر أن تسقط الفريسة الفلسطينيّة لينهشوها حتى العظم.

 

برأيكِ هذه الجرائم كيف تؤثّر في نفسيّة الطّفل الفلسطينيّ؟

 

أيّ نفسيّة نتكلّم عنها الآن؟! الطّفل الفلسطينيّ تجاوز المعاناة النّفسية التي حاصرته طوال عمره إلى ما هو أبشع؛ فهو يُعذّب، ويُشرّد، وتقطّع أطرافه وأوصاله، ويظلّ ينزف، ويعاني دون أن يحصل حتى على فرصة للعلاج في ظلّ تدمير العدوان الصّهيونيّ للبنيّة الصّحيّة بشكل كامل في غزّة، فضلاً عن تدمير الحضارة كاملة فيها.

 

الحالة النّفسيّة القويمة هي رفاهية مهجورة وغير مطلوبة للطّفل الفلسطينيّ في غزّة الآن؛ فحياته ذاتها مهدّدة بالإنهاء في أبشع الصّور دون أن يبالي العالم بما يحدث له!

 

أخيراً. كلمة أخيرة لكِ في صدد موضوعنا هذا.

 

أقول لهذا العالم كلّه: إنّ الدّم الفلسطينيّ المراق ظلماً وغدراً هو لعنة على الجميع؛ فلن يمرّ هذا الدّم دون أن يلعن كلّ مَنْ ساهم في إراقته سرّاً وعلانيّة، وعلينا جميعاً أن ننتظر عقوبة السّماء والأرض والتّاريخ لنا إزاء صمتنا المخزي حيال قتل الإنسان الفلسطينيّ وإبادته على مرأى العالم كلّه وأمام شاشات الكاميرات لأنّه يصمّم على تحرير أرضه ونفسه؛ فميزان السّماء والأرض يؤيّد دائماً أصحاب الحقّ، ويردّه لهم مهما طال الظّلم والبطش والتّوحّش؛ فلا بدّ للقيد أن ينكسر، ولا بدّ لليّل أن ينجلي.

 

المصدر: الوفاق/ خاص