عبير شمص
لطالما تحدّث المعنيون عن الحرب العسكرية. ولكن القليل مَن تحدثوا وشرحوا عن حربنا اليومية وهي الحرب الثقافية الناعمة، لا تُلقّب الحرب بالأعنف في عصرنا فحسب، بل إنها الأكثر شمولية واستدامة وخطورة على مرّ التاريخ. يختصر آية الله العظمى السيد علي الخامنئي الصراع القائم في هذا المجال قائلاً :”الحرب اليوم هي حرب الرواية، وإذا لم نُقدّم روايتنا، فإن العدو سيقدّم روايته… المنتصر في الحرب اليوم هو من تفوز روايته للأحداث”.
لا يعد السعي على عزل وحصار الشعوب التي تحمل شعار المقاومة للغرب والعدو الصهيوني بجديد. يصف الباحث السياسي الأميركي صامويل هنتنغتون، قبل أكثر من ربع قرن، الحرب الثقافية بحرب الحضارات، التي يرى بواسطتها أن «صراعات ما بعد الحرب الباردة، لن تكون بين الدول القومية لعوامل سياسيّة أو اقتصاديّة أو إيديولوجيّة، لكن لأسباب دينيّة وثقافيّة، وحوال أهمية الكتابة عن أدب المقاومة وفق حس إنساني يستطيع إيصال روايتنا إلى العالم بكافة مذاهبه وأعراقه، حيث يستطيع أدبنا مخاطبة العالم بلغة مشتركة هي الإنسانية وهي لغة عالمية يشترك بها كل سكان العالم ما عدا أولئك الوحوش القتلة العنصريين في الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب، حاورت صحيفة الوفاق الكاتبة اللبنانية نجوى الموسوي، وفيما يلي نص الحوار:
الأدب مؤرخ لأحداث المجتمعات
تعتبر الكاتبة الموسوي بأن الأدب بشكل عام هو مرآة الشعوب وانعكاس الواقع الحياتي والفكري والاجتماعي والفلسفي. هو وثيقة الحضارة وبيان الثقافة. وهو مؤسس أيضاً لمفاهيم وقيم تتفاعل حتى تشكل ثقافة بحد ذاتها لجيل المستقبل. وتكمن أهمية أدب المقاومة في أهمية التاريخ نفسه على صعيد الأمم فالأدب هو مؤرخ وموثق لما يجري في أي مجتمع من المجتمعات في هذا الكون. يوثق الأحداث الحاصلة فعلاً ورداً للفعل، كما يوثق لأبعادها ولمنظومة القيم التي انبثقت منها مقاومة المحتل، كما يؤرخ لمسار هذه المقاومة ليقدم الحقيقة الواقعية والسردية الصحيحة عبر المشهديات والمواقف الإنسانية والتجارب المحركة للضمائر والقلوب والعقول. لذا فإن أدب المقاومة لا يقتصر على أدب الجبهات أي المعارك وما يحصل فيها وإنما هو المتحدث عن الخلفية الفكرية التي ينطلق منها المقاتلون في المعارك وعن المنظومة المجتمعية أيضاً، وهنا ينضم تحت الأدب المقاوم أدب السجون وأدب الممانعة سواء ضد الفساد أو الحرمان أو الطغيان وأدب النضال لتحقيق الأهداف السامية الكبرى.
تقدم ملموس لأدب المقاومة
تشير الكاتبة الموسوي أنه فيما يتعلق بواقع أدب المقاومة حالياً في لبنان فإنه بعد مرور عقود من الزمن على التاريخ المقاوم في لبنان ضد الاحتلال الصهيوني أثبت الأدب جدارته في نقل الموضوع الأدبي في غير لون من ألوان الأدب كالرواية والقصة والشعر وقد أقيمت الفعاليات التي تنشط هذا الأدب سواء عبر المؤسسات والمبادرات التي لمعت في عدة أوجه ومنها الجوائز أو المهرجانات أو حتى الدورات التأهيلية أو المعارض الكبرى للنتاجات الأدبية أو المؤتمرات التي درست كيفية تفعيل الأدب المقاوم وأهدافه وطرقه والوسائل المحققة للغايات الكبرى واستطاعت أن تسجل درجة مقبولة وهي ما تزال في إطار السعي للتقدم أكثر وأكثر ولإثبات الفعالية والجدوى المطلوبة والمتوخاة من أشكال الأدب المتنوعة”.
حربنا اليوم هي حرب الرواية
فيما يتعلق بضرورة النجاح في حرب الرواية والتي لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية والسعي لإيصالها عبر الحس الإنساني تعتبر الكاتبة الموسوي أنه على الرغم من المحاولات الحثيثة لأجل إصدار الأدب المقاوم بأبهى حلة إلا أن هناك عوائق ومشاكل كثيرة لا تزال تشوب هذه المساعي من قبل المؤسسات أو الأدباء أنفسهم ومن هذه المشاكل مخاطبة المجتمع الخاص بلغة خاصة ربما يحصل ذلك بسبب اجتهادات خاصة والبعد عن الخطاب العام عبر استخدام مصطلحات محددة، وفي بعض الأماكن هناك محدودية في الإحترافية الأدبية العميقة والتقنية والإتقان، أو لعل هناك افتقار في جانب ما إلى وجود المخططات الكونية الثقافية الفكرية الجامعة والتي في حال انطلق منها الأدباء تستطيع أن تمنح النسيج رونقاً متكاملاً لنضرب مثلا ًالسجادة اليدوية حين تحاك يكون هناك مراقب لتأتي كل حياكة عامل من العاملين المتعددين في إطار الخطة التي تصب في إنتاج رسومات بديعة وليست هجينة، أما لماذا لم نستطع ذلك كما فعل الغرب؟ هناك زاوية أخرى لمقاربة هذا الموضوع وهي زاوية الأدب العالمي ومعاييره التي باتوا يحاولون نشرها وتعميمها وترويجها وهي مغايرة ولا تتوافق مع المنظومة الفكرية التي يخرج منها المقاومون في بلادنا. فهنا نحن بحاجة لمقاربة قوية بين العناصر التي تجعل من الأدب المقاوم أدباً إنسانياً عالمياً مقبولاً في كل مجتمعات الكرة الأرضية وبين المعايير التي تجافي القيم والمفاهيم الأخلاقية في حين يعتبرها الغرب شرطاً لنجاح أي رواية للقصة في مصاف الأدب العالمي. وعلى جانب آخر، تنشط الأبحاث العلمية والمحاولات لبناء ثقافي متكامل منشود. ولكنها لا تزال قليلة لانشغال المجتمع المقاوم بالكفاح في قلب الأزمات. مثلاً ينشغل أدباء لبنان مثلاً بالكفاح لمقاومة ظروف الحرب القاسية التي تجعلهم أحياناً مفتقرين لأبسط مقومات الكتابة وتتركهم في حالة تخزين في الذاكرة، وأحياناً من جهة ثانية نخسر ناشطين في هذا المجال مثقفين مشتبكين فتشكل خسارتهم فجوة كبيرة، والحديث ذو صلة ويطول”.
رسائل مجتمعية وأدبية لمجموعاتي القصصية
تؤكد الكاتبة الموسوي أن كتاباتها ومجموعاتها القصصية تحمل أبعاداً تربوية ومجتمعية ودينية في مواجهة الحرب الناعمة الغربية، فتقول: “كانت أول كتاباتي عبارة عن مجموعة خواطر شعرية بمثابة قصائد نثرية بعنوان “ولسوف تشرق”. وهي تتمحور كلها حول مشاعر وأفكار متوجهه إلى القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتاب القصص القصيرة “الحقائب الحمر” وهو عبارة عن مجموعة قصص مؤلفة من 26 قصة تتحدث كلها عن الشهداء أو عن عوائل الشهداء وعن أدوار المرأة في بيئة المقاومة ولكن بقالب قصصي بعضها حقيقي ومشغول بطريقة سردية يدخّل فيها الخيال وفقاً لتقنيات الكتابة القصصية وبعضها حقيقي تماماً ولكن تمت صياغته بطريقه قصصية، الكتاب الثالث هو كتاب “إلّا جميلاً” وهو مجموعة قصصية من وحي أحداث كربلاء ولكن عبر إطلالة من هذا الزمن الذي نعيشه الآن للاستفادة من عبر كربلائية وهو موجه إلى الناشئة أي الشباب. الكتاب الرابع هو كتاب “وراء ستائرهن” وهو كتاب قصصي مجتمعي يحكي عن مواقف إنسانية جميلة ضمن معاناة أمهات استطعن أن يحققن انجازات برغم أنهن يربين أطفالاً ذوي احتياجات خاصة. كان هذا الكتاب هو الأول من نوعه تقريباً في الساحة الأدبية بالطريقة القصصية تتناول هذه الشريحة المجتمعية وإحدى قصصه فازت ضمن مشاركة الفريق اللبناني في مسابقة القصص القصيرة التي نظمها نادي “الساردون يغردون” الذي يضم قصّاصين من الدول العربية والإسلامية. أما كتاب “شمس ورماد “فهو قصص قصيرة وقصيرة جداً اجتماعية تتناول مشاكل تتعرض لها المرأة خصوصاً في هذا الزمان في مجتمعات كثيرة (خصوصًا في دول غرب آسيا) حيث تنشط جمعيات تدعي الدفاع عن حقوق المرأة ولكنها في الحقيقة تغتال هذه الحقوق فجاءت قصص الجزء الأول وهو حرية وتمكين ردا بيانيا على القضايا التي يثيرونها. وُضع الكتاب بطريقة قصص ومواقف من واقع الحياة تصب في صميم جهاد التبيين، تبيينًا للمفاهيم المُثلى والنظرة الطيبة للحياة بعيدًا عن الخُدع العالمية. أخيرًا هناك رواية “أشجار القلعة” وهي تتحدّث عن مشاهد واقعية من حياة عائلة شهيدين وأمهما المجاهدة في بدايات انطلاق المقاومة الإسلامية في لبنان وقد كتبت بطريقة سردية أدبية ونالت المرتبة الثالثة من جائزة “سليماني العالمية” في دورتها الأولى عن فئة الرواية، أما بقية الكتابات فهي عبارة عن مقالات ومقدمات لكتب خصوصاً كتب سادة القافلة أي قصص الشهداء والجرحى مع مركز نون للترجمة. بالإضافة إلى قصص متفرقة جرى نشرها في عدة مواقع إعلامية وجمعية رسالات ومركز التأريخ للمرأة المقاومة. وختاماً هناك قصة نوافذ التي نالت المرتبة الثانية في مسابقة أسبوع الإمامة الدولي في العراق.
دفاعاً عن الأمة ومقدساتها
تشير الكاتبة إلى أسباب توجهها للكتابة في مجال الأدب المقاوم والأدب الإنساني كاستجابة لنداء الواجب فالكاتب هو ابن بيئته وعالمه. وثمة مسار للكتابة وأهداف استوحيتها عبر فكر الإمام الأصيل وتوجيهات آية الله العظمى السيد الخامنئي المتنوعة في لقاءاته مع الكُتاب والأدباء والروائيين والقصّاصين والشعراء، فأحببت أن أساهم في رمي سهم، للدفاع عن الأمة ومقدساتها ولو عبر كلمة وحاولت أن تكون هذه الكلمة مؤثرة عبر الأدب القصصي، وتلفت أنها استوحت أفكارها لكتاباتها من المجتمع الذي نشأ فيه المقاومون وتربى فيه المجاهدون على قيم وعادات شريفة من شأنها الرقي بكل المجتمعات بل ومن شأنها المساهمة في علاج الأزمات الكبرى. ذلك المجتمع الذي يقاوم الطغيان والشيطان الأكبر والشيطان الأصغر برغم كل المآسي فهو حافل بكنوز ينبغي أن تفيد الإنسانية كلها. وهو مجتمع جدير ولائق بتسليط الضوء عليه وتقديم تجربته للعالم أجمع وخصوصاً بعدما حير العقول بصلابة عقيدته وغزارة عطائه وروحيته العالية ونماذجه الساطعة وهو مجتمع يستحق أن تصل رسالته للعالم من كل نواة منه أي من كل أسرة، وقد قدمت الأسرة في المجتمع المقاوم أمثولة وقصصاً مثيرة للجدل وللإجلال أيضاً.