على أعتاب ذكرى إستشهادها الأليمة

نظرة من داخل بيت الإمام علي(ع) إلى إستشهاد السيدة فاطمة الزهراء(س)

خاص الوفاق : إنّها المشاعر الطبيعية في الإنسان غير مكتومة، ولم يقولوا مايغضب الرب، إنّها الأسرة المثالية في الإسلام قد فقدت درة تاجها وألَمّت بهم الأحزان.

2024-12-02

تُمثِّل السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأنموذج الواقعي للمرأة المسلمة، وكانت نساء المسلمين يأتين إليها للتزود من معين علمها، والأخذ من دُررها .

 

إنّها في شمائلها تشبه رسول الله (ص) فنور الصدق يشع منها، ونور الرحمة قد أشرق منها على الأرض.

 

ليس جزافاً وعاطفة أن  ينطق النبي الكريم ليقول: “فاطمة بضعة مني”، إنها على صورته وسجاياه الأخلاقية، وإنها صاحبة العاطفة الطافحة تحنو إلى أبيها بقلبها ويعقد قلبه ويديه عليها ويحيطها بحنانه فهي “أم أبيها”.

 

 

أتحدث بشكل عاطفي، لوجود مظلومية وقعت على المرأة الأولى في قربها من الرسول الأكرم (ص)، ومظلوميتها هي مظلومية الإسلام .

 

يا رسول لا ندري كم قبّلت زوجتك السيدة خديجة الكبرى ابنتها فاطمة، وكم ضمتها إليها، وكم داعبتها وأفاضت عليها من روحها، ولا ندري كم قبّلت إبنتك فاطمة وتبسّمت إليها وتبسّمت إليك، لكننا نعلم أنها لم تعش بعدك سوى أياماً قليلة كثر فيها حزنها، وكسر فيها ضلعها، وسقط عنها جنينها.

 

لقد كان علي بن أبي طالب (ع) ذلك الإمام الذي يشعر بحب فاطمة (س) بكل وجوده وروحه، وهو القائل عند دفن الزهراء عليها السلام: “قَلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي… أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، يا لها من كلمات قالها الإمام علي عليه السلام، لأنّ فاطمة عليها السلام كانت كل شيء بالنسبة إليه فلو فقدها فقد كل شيء. نعم لقد نفدت ذخيرة صبره عنها، وفقد الفرحة بفقدها، وخيم الحزن عليه بفراقها.

 

لقد كان الإمام عليه السلام قد شاهدها وهي تكتوي بذلك الألم الممض من كسر ضلعها وامتداد آثاره.

 

لقد شاهدها الإمام عليه السلام وهي تفقد فلذة كبدها سقطاً على يدي أجلاف الصحاري.

 

شاهدها وربما شاهد أشياء أخرى لم يفصح عنها، لأن الزمن لا ينهض بحملها والصدور تنوء عن ثقلها.

 

يا لها من وحشة شعر بها الإمام علي عليه السلام عند وداعه ودفنه لزوجته الوديعة فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهما.

 

أما الحسنان عليهما السلام وباقي أفراد العائلة النبوية العلوية فقد كان حزنهم على الزهراء من نوع آخر، وربما تحكي لنا الرواية التالية طرفاً ونتفاً من حقيقة ذلك.. “قال الإمام علي عليه السلام: والله لقد أخذت في أمرها، وغسلتها في قميصها ولم أكشفه عنها، فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهرة، ثم حنطتها من فضلة حنوط  رسول الله (ص)، وكفنتها وأدرجتها في أكفانها، فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا أم كلثوم يا زينب ياسكينة، يا فضة ياحسن يا حسين هلموا تزودوا من أمكم، فهذا الفراق، واللقاء في الجنة .

 

فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديان: يا حسرتا لا تنطفئ أبداً من فقد جدنا محمد المصطفى، وأمّنا فاطمة الزهراء (س)، يا أم الحسن يا أم الحسين إذا لقيت جدنا محمداً المصطفى فأقرئيه السلام، وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا .

 

فقال أمير المؤمنين (ع): إني أشهد الله أنها قد حنت وأنَّت ومدت يديها وضمتهما إلى صدرها ملياً.

 

لنتخيل صورة عن هذه الرواية؛ هل تخيل أحدنا كيف كان صوت الإمام علي عليه السلام وهو ينادي يا زينب يا أم كلثوم يا حسن يا حسين.. يا له من نداء تتقطع له نياط القلب.. ربما كانت تلك الحشرجة في صدر أمير المؤمنين عليه السلام جعلت من صوته يتهدج أثناء ندائه إليهم.

 

وربما كان يتجلّد ببقايا صبره عند ندائه لهم .

 

وهل تخيل أحدنا كيف هوى عليها أولادها؟

 

“وأيّ حياة بعد أم فقدتها

 

كما يفقد المرء الزلال على الظّما

 

تولّت، فولّى الصبر عني وعادني

 

غرام عليها شفّ جسمي وأسقما”.

 

إنّها المشاعر الطبيعية في الإنسان غير مكتومة، ولم يقولوا مايغضب الرب، إنّها الأسرة المثالية في الإسلام قد فقدت درة تاجها وألَمّت بهم الأحزان، لقد كانوا يمثّلون الأسوة في صفائهم وطيب سجاياهم، وفي قدرتهم على تحمل أعباء الزمن وضغوطه الكبيرة.

 

لقد كانت تلك العائلة العلوية الشريفة تنبض بالحياة والصبر والصمود رغم قسوة الظروف، وسالمت وجاهدت من أجل سلامة الإسلام وبقائه.. “السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزان العلم”.

 

 

 

 

د. محمد العبادي

 

المصدر: الوفاق/ خاص