سهامه مجلسي
تُظهر التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا وفلسطين مدى تعقيد المشهد الإقليمي وتشابك الأزمات، خاصة مع تصاعد العدوان الصهيوني على غزة، وتزامن ذلك مع اشتعال الجبهات في سوريا، وتحديداً في حلب. هذه الأحداث تكشف عن محاولات مستمرة لإضعاف محور المقاومة وضرب روابطه الممتدة عبر سوريا ولبنان، في ظل سياق دولي وإقليمي يحمل أهدافًا استراتيجية واضحة، وفي هذا الصدد أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الخبير في العلاقات الدولية الدكتور أكرم شمص وفيما يلي نصه:
الحرب على لبنان وانتصار المقاومة، معادلة الصمود والتحدي
يشير الدكتور أكرم شمص الى أحد اقوال الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله: “نحن لا نهزم، عندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر”. فالنصر الذي أعلنه الشيخ نعيم قاسم يحمل خصوصيات تميزه عن نصر تموز 2006.
في عامي 2023 و2024، واجهت المقاومة عدواناً متعدد الجبهات وتهديداً وجودياً من قبل العدو الصهيوني، استمر لمدة 66 يوماً، وهي فترة تُضاعف مدة حرب تموز 2006. ورغم ذلك، استطاعت المقاومة فرض معادلات جديدة في الميدان، متصدية لحرب شاملة هدفت إلى القضاء عليها وإضعافها، لكنها أثبتت جاهزيتها واستعادت زمام المبادرة بفضل خطط الشهيد الأمين العام السيد حسن نصر الله التي أظهرت التنظيم العالي والاستعداد المسبق. وكانت إنجازات المقاومة الميدانية بارزة، حيث صمد المقاومون بشكل كبير وكبدوا العدو خسائر فادحة، مما أدى إلى تهجير واسع في مستوطنات الشمال، وإفشال أهداف العدو الكبرى، بما فيها مشروع الشرق الأوسط الجديد.
لقد أسهم هذا الصمود في تغيير قواعد الاشتباك، حيث تمكنت المقاومة من تحقيق الردع وإجبار العدو على التراجع عن أهدافه. ولم يقتصر أثر النصر على الساحة اللبنانية فقط، بل أصبح نموذجاً يُحتذى به في غزة والضفة، مما عزز قوة محور المقاومة إقليمياً. وعلى الصعيد السياسي، جاء هذا النصر في ظل ضغوط دولية وإقليمية، مما أثبت أن المقاومة ليست مجرد قوة عسكرية، بل لاعب سياسي أساسي في المنطقة.
استمرار العدوان على غزة والضفة.. رسالة العدو وتحديات المقاومة
يؤكد الدكتور شمص ان آلة الحرب الصهيونية تستمر في قصف غزة بلا هوادة، مع دخول العدوان يومه الحادي والعشرين بعد الأربعمائة، في محاولة لفرض واقع جديد بالقوة. يستهدف هذا العدوان المدنيين بالدرجة الأولى، في جريمة تهدف إلى الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة.
استراتيجية العدو:
– إضعاف المقاومة عبر المدنيين: القصف المكثف للأحياء السكنية يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى تهجير السكان وضرب الروح المعنوية.
– تصعيد الحرب النفسية: تصوير الدمار وبثه عبر الإعلام الصهيوني يهدف إلى خلق حالة من اليأس والإحباط، لكنه غالبًا ما يرتد بنتائج عكسية، حيث يزيد من عزيمة الصمود.
الضفة الغربية.. مشهد متجدد للمقاومة
يشير الدكتور شمص الى ان العملية الأخيرة للمقاومة قرب مستوطنة أريئيل، التي وصفتها المنظومة الأمنية الصهيونية بـ«الحادث الصعب»، تعكس تطورًا نوعيًا في العمل المقاوم داخل الضفة. هذه العمليات تشير إلى تزايد التنسيق بين الساحات الفلسطينية المختلفة، مما يعزز الضغط على الاحتلال ويضعف قبضته الأمنية. فالعملية تعكس تحولات استراتيجية في طبيعة المواجهة بين المقاومة والعدو الصهيوني:
– العملية تحمل رسالة بأن المقاومة قادرة على تجاوز الحصار الأمني الذي يحاول العدو الصهيوني فرضه على الضفة الغربية.
– توقيت العملية يأتي كرد مباشر على الجرائم التي تُرتكب في غزة، مما يظهر أن المقاومة في الضفة هي امتداد طبيعي للمواجهة.
– هذا النوع من العمليات يعزز الروح المعنوية لدى الشعب الفلسطيني ويدحض الرواية الصهيونية حول السيطرة الكاملة على الوضع الأمني في الضفة.
– العملية تعكس تنامياً في التنسيق بين المقاومة داخل غزة والضفة، مما يزيد من التحديات الأمنية للعدو الصهيوني.
ارتباط الهجوم في حلب بالعدو الصهيوني ومحاولاته لعزل المقاومة
يلفت الدكتور شمص الى ان الوضع في حلب اليوم يشهد تصعيداً كبيراً من قبل المعارضة المسلحة التي تسعى للسيطرة على مواقع استراتيجية في محاولة لإرباك الجيش السوري واستنزافه، بالتزامن مع تدهور الأوضاع الإنسانية نتيجة القصف والنزوح. فالهجوم يبدو منسقاً ومدعوماً بشكل غير مباشر من العدو الصهيوني، الذي يسعى لاستغلال هذا التوقيت بعد انتهاء حرب لبنان لإضعاف محور المقاومة عبر قطع الطريق اللوجستي بين سوريا وحزب الله. فالتنظيمات السلفية التي تدّعي دعم الإسلام تُظهر تناقضاً واضحاً في شعاراتها، حيث تستهدف سوريا، خط الدفاع الأول عن المقاومة والقضية الفلسطينية، مما يكشف خدمتها لأجندات العدو الصهيوني وحلفائه. والتوقيت يشير إلى محاولات لتشتيت محور المقاومة وإبعاده عن دعم غزة والمقاومة الفلسطينية، بينما تعمل المقاومة على تثبيت قوتها في مواجهة هذا المخطط، مدركة أن بقاء سوريا قوية هو عنصر حاسم في تعزيز محور المقاومة وإفشال مخططات العدو الصهيوني.
الوضع في بلدات الجنوب اللبناني.. صمود في وجه الحرب النفسية
واضاف الدكتور شمص: بعد وقف إطلاق النار، راهن العدو على حرب نفسية لإضعاف إرادة الأهالي في البلدات الحدودية، مستخدمًا مشاهد الدمار كأسلوب ردع. إلا أن التدفق الكبير للعائدين إلى قراهم أفسد مخططات العدو، وأثبت أن إرادة الصمود أقوى من أي عدوان.وفيما يلي استراتيجية المقاومة:
– المقاومة كانت على أتم الجاهزية لمنع أي تمادٍ في خروقات العدو خلال فترة الستين يومًا التي تسبق الانسحاب الكامل.
– التنسيق مع الجيش اللبناني للدخول إلى القرى الحدودية يعزز من سيادة الدولة ويؤكد دور المقاومة كجزء من المعادلة الوطنية.
– ترسيخ المعادلة الذهبية: ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة أثبتت أنها العمود الفقري الذي يحمي لبنان من التهديدات الصهيونية، كما أنها تشكل مظلة وطنية تعزز مناعة الداخل اللبناني.
– إفشال رهانات الفتنة: التأكيد على الوحدة الوطنية يهدف إلى إفشال أي محاولات صهيونية أو دولية لإثارة الخلافات بين مكونات الشعب اللبناني.
تعزيز السيادة: هذه الوحدة تؤكد أن لبنان قادر على حماية نفسه دون الحاجة إلى وصاية دولية، مما يعزز من استقلالية قراره الوطني.
موقف حزب الله من سلاحه.. معادلة الردع قائمة
يقول الدكتور شمص: رغم الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى سلاح حزب الله خارج أي نقاش أو مساومة. السلاح يمثل العمود الفقري لمعادلة الردع مع العدو الصهيوني، ويعد جزءًا من استراتيجية المقاومة لحماية لبنان وردع أي عدوان محتمل.
استراتيجية الحزب:
– الرهان على الوقت: حزب الله يدرك أن الظروف الحالية، رغم تعقيدها، تصب في صالح محور المقاومة، ويعمل على تعزيز قدراته وترتيب صفوفه داخليًا.
تحصين الداخل: تحالف الحزب مع القوى السياسية اللبنانية، واستمرار الدعم الشعبي، يضمنان بقاء المقاومة عنصرًا أساسيًا في المعادلة اللبنانية.
تشابك الساحات وآفاق المرحلة المقبلة
في الختام يؤكد الدكتور شمص: ما يجري في لبنان وسوريا وفلسطين يعكس صراعًا إقليميًا ودوليًا يتجاوز حدود المواجهات المباشرة. المقاومة أثبتت قدرتها على الصمود أمام أعنف الهجمات، سواء في لبنان أو غزة أو الضفة، بينما تعمل على إفشال محاولات العدو لضرب روابطها عبر سوريا.
المشهد الحالي، رغم تعقيده، يشير إلى أن محور المقاومة ليس فقط قادرًا على الصمود، بل على تحويل التحديات إلى فرص. والنصر الذي تحقق في لبنان، والصمود المستمر في غزة، والعمل المقاوم المتصاعد في الضفة، والقدرة على مواجهة الضغوط في سوريا، كلها دلائل على أن هذا المحور يمتلك رؤية استراتيجية واضحة، وقدرة على التعامل مع كافة السيناريوهات المقبلة.
المعادلة التي تثبتها المقاومة يومًا بعد يوم هي أن إرادة الشعوب أقوى من أي عدوان، وأن الحقوق لا يمكن أن تضيع طالما هناك من يدافع عنها بالسلاح والكلمة والصمود. والمرحلة المقبلة ستشهد تعزيزًا لدور محور المقاومة في رسم المعادلات الإقليمية، حيث ستبقى وحدة الساحات وتكامل الأدوار مفتاحًا لاستمرار الصمود وتحقيق الانتصارات.