الوفاق/ يصادف اليوم الخميس 26 يناير/كانون الثاني، يوم الموسيقى والأصوات الإيرانية، الذي أطلق المجلس العام للثقافة في ايران سمّاه “اليوم الوطني للموسيقى”، تزامناً مع ذكرى يوم وفاة “صفي الدين أرموي”، من مؤسسي الموسيقى الإيرانية العريقة.
من جهة أخرى نحن على أعتاب إقامة مهرجان فجر الدولي للموسيقى الذي يشارك فيه موسيقيين مخضرمين ومبدعين في مجال الموسيقى من مختلف أنحاء العالم، خلال فترة 17 الى 22 فبراير القادم، ويشاركون في القسم التنافسي “جائزة باربد”، والقسم الغير تنافسي، وستكون جائزة الترنيمة وجائزة الموسيقى والإعلام وقسم النشيد واللقاءات البحثية من البرامج الأخرى لهذه الفترة من المهرجان.
هذا وقد دوّت صوت الموسيقى الإيرانية في مختلف أنحاء العالم حيث أصبحت الموسيقى الإيرانية العالمية صوت الحضارة العريقة التي تحظى بها إيران، فبهذه المناسبة نقدّم لكم في هذا المقال نبذة عن الموسيقى الإيرانية.
صفي الدين أرموي
“صفي الدين أرموي” الذي يصادف اليوم أيضاً يوم تكريمه، هو واحد من الموسيقيين والملحنين والخبراء في مجال الفن الموسيقي، الذي ولد في القرن السابع الهجري في مدينة أورمية.
وهو أول من كتب الموسيقى بالكلمات والأرقام. لذلك، كان قادراً على تدوين وتسجيل الأنغام التي قيلت أو تسمع عن طريق الأذن ومن الصدر إلى الصدر في الماضي.كما تمكن من الحفاظ على استمرارية الموسيقى الإيرانية من العصر الساساني إلى عصره.
بصفته ملحناً، قام صفي الدين بتدريس وتوسيع الأشكال الصوتية الثلاث تحت عنوان: “صوت، قول، نوبة” في القرن السابع، كانت “النوبة” تحظى بشعبية كبيرة وقد صنع ما يقرب من 130 “نوبة”.
الموسيقى الإيرانية
الهوية الوطنية الإيرانية تشتمل على الأرض والتاريخ واللغة الفارسية والدين والاحتفالات والأساطير والفن والأدب وما إلى ذلك. ولا شك أن الموسيقى الإيرانية هي نتيجة كل هذه الخصائص التي لعبت دوراً كبيراً في استدامتها وازدهارها، وكانت أحياناً أساس التكامل الوطني، لذلك، يجب تسمية الثقافة الإيرانية بـ “الموسيقية”.
الموسيقى الإيرانية هي انعكاس للطقوس والمعتقدات وأسلوب الحياة والفكر والخلفية لشعب هذه الأرض القديمة، والتي تشهد على ذلك الأواني الفخارية والمخطوطات والأختام والنقوش الصخرية من آلاف السنين البعيدة.
إضافة الى “فارابي”، كان لـ “بو علي سينا أيضاً مكانة ثمينة في تطور هذا الفن في القرون الإسلامية المبكرة مع كتبه الشفاء والنجاة والموسوعة أو الحكمة العلائية، والمدخل الى صناعة الموسيقى، وكتاب اللواحق، والذي تناول في كل منها الموسيقى بشكل خاص، وخاصة جزء من كتاب الشفاء الذي يحمل اسم “جمعة علم الموسيقي” ، وهو من أبرز الأعمال بو علي سينا في الموسيقى.
“روح الشرق الساحرة”، بهذا عرفت الموسيقى الإيرانية الضاربة في جذور التاريخ، وما المنحوتات والرسومات القديمة المتعلقة بحضارات متعددة إلا دليل دامغ على ذلك.
نغمات الموسيقى الإيرانية
للموسيقى الفارسية خمس نغمات أصلية أيضا وهي: “أبو عطا”، “بيات ترك”، “بيات إصفهان”، “أفشاري” و”دشتي”. وتم ذكر 280 زاوية لكل هذه المقامات والنغمات في الكتب القديمة، إلا أنه لا يستخدم حاليا منها إلا القليل. كل هذه التقسيمات والقواعد المعاصرة نشأت في عهد القاجاريين (1794- 1925).
تطلبت الموسيقى الفارسية آلات مختلفة ومتنوعة، من أشهرها: نِي، تار، دَف، دو تار، سه تار، كمانجه، تمبك، قانون، سنتور، رباب، طنبور، عود، سرنا، نِي إنبان، دهل، نقارة، طبل، كرنا، وتشنك، التي تستخدم حتى يومنا هذا.
تتهادى الموسيقى الإيرانية بين الكثير من الثقافات التي تجمعها حضارة واحدة، وكل منها تستخدم هذه الآلات في الأغاني الفلكلورية الخاصة، ولدى الجميع إيقاعه الخاص في الاستخدام للتعبير عن مشاعره وتاريخه وثقافته العريقة.
تعتبر الموسيقى الإيرانية مجموعة من النغمات والإيقاعات التي ظهرت منذ قرون وشهدت تطورات وتكاملت على مر العصور وهي تعكس الخصائص الاخلاقية والأحداث السياسية والاجتماعية والجغرافية لشعب يتمتع بتاريخ قديم جدا.
تاريخ الموسيقى الإيرانية
یعود تاريخ الموسيقى الایرانیة إلى آلاف السنين منذ عهد حضارة عيلام ومرورًا ببقية الحضارات التي مرت من أرض فارس، وتؤكد السجلات التاريخية القديمة على وجود الموسيقى في فارس القديمة. ويعود أقدم هذه السجلات إلى الألفيَّة الخامسة قبل الميلاد. وفقًا لتلكَ السجلات فقد كان أقدم الآلات الموسيقية في العالم موجودة في إيران، وهذه الآلات الأقدم هي: آلة الهارب والطبل. كانت توجد آلة موسيقية تسمى القوبوز «آلة العِشق» وهي آلة تعود جذورها إلى 6000 عام تقريبًا في بلاد فارس القديمة.
كان للموسيقى وضع وأهمية اجتماعية في عصر العيلاميين وعصر الأخمينيين (700 إلى 330 قبل الميلاد) ،ولكن تطورت الموسيقى وازدهرت في عصر الدولة الساسانية (632 – 651 ق-م) وكانت تستخدم في طقوس عبادة الديانة الزرادشتية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت وقد برزت أسماء كثيرة من الموسيقيين مثل: رامتين وآزاد و باربد.
ولم تختف الموسيقى لبلاد فارس بعد الفتح الإسلامي ويعود ذلك لبروز أسماء حافظت عليها وأضافت لها مثل زرياب الذي جعل الموسيقى الفارسية تؤثر في موسيقى الأندلس، بالإضافة إلى الفارابي وابن سينا الذين برعوا في عزف العود والناي.
وتبين الرسوم والآثار المنحوتة المتبقية من العصور التاريخية مدى اهتمام ورغبة الإيرانيين بفن الموسيقى وقد استمر الحال حتى عهد الصفوية ( 1501-1763 م) والدليل على ذلك الآثار الموجود في قصر “ جهلستون ” وغرفة الموسيقى في عمارة عالي قابو.
وعرفت الموسيقى الفارسية الضاربة في جذور التاريخ بروح الشرق الساحرة وما المنحوتات والرسومات القديمة المتعلقة بحضارات متعددة إلا دليل دامغ على ذلك.
تتهادى الموسيقى الفارسية بين الكثير من الثقافات التي تجمعها حضارة واحدة، وكل منها تستخدم هذه الآلات في الأغاني الفلكلورية الخاصة، ولدى الجميع إيقاعه الخاص في الاستخدام للتعبير عن مشاعره وتاريخه وثقافته العريقة.
ومنها: موسيقى كيلان وتالش في الشمال، والكردية في الغرب، والعربية في الجنوب الغربي، والبندرية عند الساحل الجنوبي، واللورية والبختيارية في الوسط، والبلوشية في الجنوب الشرقي، والخراسانية والتركمانية في الشمال الشرقي، والأذرية في الشمال الغربي.
ويتيح هذا التنوع الموسيقي في إيران لغالبية الشعب أن يستمتع أو يقرأ من الأبيات الشعرية ما يلبي حاجاته للوصول إلى مقصوده الروحي والمادي، والتعبير عما يعجز اللسان عن التعبير عنه.
العلاقة التاريخية للموسيقى الإيرانية بثقافة الدول الأخرى
توجد علاقات ثقافية وحضارية قوية بين إيران والدول المجاورة لها، بالتأكيد هذه الصلات الثقافيَّة بالمقام الأول تؤثر في الموسيقى الإيرانية كما تتأثر بها الموسيقى الإيرانية كذلك. ناهيك عن ذلك فإن الموقع الجغرافيّ لإيران يجعلها ملتقى المشرق والمغرب معًا فمن ناحية تأثرت الموسيقى الإيرانية بدايات القرن الماضي عندما كانت تربطها علاقات قوية بروسيا بالموسيقى العسكرية الروسية.
وتتداخل في الموسيقى الإيرانية التقليدية الكثير من الروافد لثقافات وحضارات أخرى. وتعتبر الموسيقى الهندية صاحبة التأثير الأكبر على الموسيقى الفارسية، فقد طلب بهرام ملك الساسانيين من ملك الهند (والد زوجته) أن يرسل معهُ 1200 موسيقي هندي ليمتِّعُوا الإيرانيين بموسيقاهم. كما أشار أبو ريحان البيروني إلى هذا التأثر. أبرز هذه التأثيرات أنّ بعض الآلات الموسيقية الهندية شائعة في الموسيقى الإيرانية كآلتي: القان والداراي. من الناحية الأخرى تتأثر الموسيقى الهنديَّة كذلك بالموسيقى الإيرانية، فالتأثُّر بينهما كان متبادلًا، فالسلطان الهندي أكبر شاه كان في بلاطه موسيقيون إيرانيون من بينهم الموسيقي والشاعر أمير خسرو دهلوي.
كذلك يمكننا الحديث عن التأثر الصيني بالموسيقى الإيرانية. فقد تمّ نقل بعض الآلات الإيرانية إلى الصين ومنها آلتي: السورنا والبارات (العود الإيراني).
رديف.. جوهر الثقافة الموسيقية الإيرانية التقليدية
إن موسيقى “رديف” الإيرانية هي خيرة الموسيقى التقليدية الكلاسيكية الايرانية التي تشكل جوهر الثقافة الموسيقية الفارسية. ونشرت في 2009 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.