حزب الله.. القوة المتصاعدة وخطرها على الكيان الصهيوني

خاص الوفاق : ستنشر صحيفة الوفاق مقالات للكاتب اللبناني الأستاذ في التاريخ السياسي المعاصر الدكتور حسن محمد إبراهيم حول القوة المتصاعدة لحزب الله وخطرها على وجود الكيان الصهيوني:

2024-12-23

الحلقة الرابعة – تحرير جنوب لبنان في العام 2000

 

 تصدّع كيان «دولة إسرائيل الكبرى»

 

شكّل انتصار حزب الله على العدوّ الصهيوني في عمليتي «تصفية الحساب» و«عناقيد الغضب» ومختلف العمليّات اليومية على امتداد مرحلة الاحتلال، تراكمًا نوعيًّا، ومحط أخذ العِبَر، ودراسة نقاط الضعف، لتكوّن مرتكز الانتصار الكبير في تحرير جنوب لبنان العام 2000

 

لا شكّ أن الحرب القائمة بين حزب الله والعدوّ الصهيوني هي امتداد لكل الحروب التي عجزت عن مواصلتها الدول العربية والإسلامية، منفردة أو متحدّة، أو أنها تخاذلت وتراجعت، لا بل هو القوّة العسكرية الوحيدة التي استطاعت أن تلحق بهذا العدوّ أكبر هزيمة، وأجبرته على التراجع، وذلك بالاندحار عن أول أرض عربية محتلّة تحت النار، وبعيدًا عن المفاوضات وعن فرض الشروط والإذعان كما هو حاصل في اتفاق كامب دايفيد بين العدو ومصر.

 

لقد شكّل انتصار حزب الله على العدوّ الصهيوني في عمليتي «تصفية الحساب» و«عناقيد الغضب» ومختلف العمليّات العسكرية اليومية على امتداد مرحلة الاحتلال، تراكمًا نوعيًّا، ومحط أخذ العِبَر، ودراسة نقاط الضعف، فاجتمعت جميعها لتكوّن مرتكز الانتصار الكبير في تحرير جنوب لبنان العام 2000.

 

وعلى امتداد (18) سنة من العمليّات العسكرية، والإعداد والتدريب والتجهيز والاستمرارية، وهذا ما اختلف به حزب الله عن بقية فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية على حدّ سواء، وأيضًا من تأسيس علاقات سياسية وعسكرية مع سوريا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، أدّى إلى تنامي القوة، فكانوا شركاء الانتصار كما أعلن السيد حسن نصر الله.

 

استفاد حزب الله من الدعم الإيراني الكبير والواسع، انطلاقًا من مبدأ ولاية الفقيه التي يُؤْمِن بها انطلاقًا من الولاية للإمام الخميني(قدس)، ومن ثم الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله)، وهذا ما يتفاخر به على سائر الأمم، بالاتصال مع نائب الإمام المهدي(عج) وفق ما يعتقد به، وبعلاقات متميّزة مع قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومع حرس الثورة الإسلامية، وسجّل حضور بعض كبار الضباط للاستشارة والتدريب والتنسيق والدعم، فكان أبرزهم الشهيد قاسم سليماني الذي حضر إلى لبنان في العام 1998، وتولّى تنسيق العلاقات بين حزب الله والحرس الثوري.

 

ما بين العام 1996 والعام 2000، أربع سنوات من القتال شبه اليومي، مع مرتكزات بنيوية عسكرية واجتماعية واقتصادية وتربوية، أسّست لتنامي البيئة الحاضنة، التي توسّعت شيئًا فشيئًا، وراحت تؤسّس هي بدورها لمجتمع مقاوم يحتضن المقاومة، ليكون شريكًا كاملًا في الانتصار وما بعد الانتصار.

 

أجبرت المقاومة الإسلامية في لبنان القيادة السياسيّة الصهيونية على الانسحاب القسري، فقد قدّم «إيهودا باراك» برنامجه الانتخابي للعام 1999، على أساس الانسحاب العسكري، وهذا ما دفع بالعديد من القيادات السياسيّة والعسكريّة للموافقة عليه، وأدّى إلى كسب رأي المستوطنين، وهو ما أعطاه تفوّقًا انتخابيًّا للفوز برئاسة الحكومة الصهيونية، على قاعدة الخروج من الوحل اللبناني، والابتعاد عن ضربات المقاومة، فهذه «المرة الأولى الذي يصبح الشعار الانتخابي التزامًا سياسيًّا، فرضته الوقائع الميدانيّة في الجنوب».

 

ففي 21 أيار بدأ العدوّ الصهيوني الاندحار من الأراضي اللبنانية، ولم تسمح له المقاومة حتى بالانسحاب الهادئ، إنما أمطرته بالعمليّات العسكريّة على امتداد المحاور، وسار المجاهدون خطوة خطوة، يكبّدون الاحتلال الخسائر البشريّة والماديّة، تحت إشراف غرفة العمليّات، وتخطيط تامّ ودراسة ميدانيّة تفصيلية. وقد باغتت المقاومة الإسلامية العدوّ الصهيوني وفرضت عليه الانسحاب الذليل بعد أن كان «يخطط ليكون انسحابه بعد عدة أسابيع، ويسلّم تدريجيًّا مواقعه لميليشيا لحد، ويحتفظ ببعض المواقع كقلعة الشقيف والدبشة وبعض المواقع الحدودية».

 

اعتلى السيد حسن نصر الله منبر الانتصار في ملعب مدينة بنت جبيل، في أجواء أربعينية الإمام الحسين(ع)، فأكّد «من جديد مقولته وخطّه (الإمام الحسين(ع))، لنثبت من جديد أنّ الدم هنا ينتصر على السيف، وأنّ الدم هنا قهر السيف وهزمه، وأنّ الدم هنا حطّم كل قيد، وأنّ الدم هنا أذلّ كل طاغية ومستكبر»، وأوضح أن النصر صنعته المقاومة والشعب اللبناني، وأشاد «بالموقف الرسمي العام وخصوصًا في ظل هذا العهد، عهد فخامة الرئيس العماد إميل لحود، وفي ظل هذه الحكومة، حكومة دولة الرئيس سليم الحص»، وهناك «رجلان يجب أن يُذكرا، وهناك دولتان يجب أن يُعترف لهما بالفضل وأن يُنسب النصر إليهما أيضاً، هما الجمهوريّة الإسلامية وسوريا الأسد، والقائد الإمام الخامنئي والرئيس حافظ الأسد”، وأهدى النصر لكل اللبنانيّين، وشدّد على «أننا في حزب الله لسنا في وارد أن نكون بديلاً عن الدولة”.

 

لقد حفر خطاب النصر عميقًا في الوجدان الصهيوني، لا سيّما عبارته المشهورة «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» التي أثّرت في مختلف القيادات الصهيونية، وقطعان المستوطنين، فكان أبرز شعار حضر في اجتياح العام 2006، عندما فشل العدو في الوصول إلى الملعب نفسه من أجل رفع العلم الصهيوني، وكذلك بنيامين نتنياهو الذي عاش أزمة حقيقية، ترجمتها مقولته في محاولة اجتياح 2024.

 

إلى ذلك، فإنه يمكن قراءة سريعة لأبرز إنجازات تحرير العام 2000، بما شكّلته قوة حزب الله المتنامية والمتصاعدة على مدى (18) سنة، من الجهد والعطاء والجهاد والتضحيات، والعمل الدؤوب، السرّي والعلني:

 

– إلحاق أول هزيمة للصهاينة منذ تأسيس الكيان الغاصب في العام 1948.

 

– انكسار فكرة إقامة «دولة الصهاينة الكبرى».

 

– تحقيق أول انتصار عربي وإسلامي على الكيان الصهيوني، لكن من قلّة قليلة في العالمَيْن العربي والإسلامي.

 

– تقديم صورة حقيقية عن وَهْن الكيان الصهيوني.

 

– دخول حزب الله إلى الساحة العربية والإسلامية والدولية من الباب العريض.

 

– انتشار سمعة حزب الله وصيته في مختلف الدول.

 

– النظرة الشعبية العربية والإسلامية على أن حزب الله هو مقاومة يمكن أن تكون قدوة ونموذجًا يُحتذى به.

 

– تأسيس مشروع محور المقاومة بالارتكاز إلى نقاط القوة التي أسّس لها حزب الله وعمل عليها، ونقل التجربة إلى مختلف البلاد العربية والإسلامية.

 

– أظهر لبنان أنه بحال انسجم الفريق الحكومي مع رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، وتوجيه الجيش اللبناني وفق عقيدة العداء للكيان الصهيوني، وبالتنسيق مع المقاومة، فإنه يحقّق إنجازات ضخمة، وهذا ما يمكن اعتماده نموذجًا في بعض الدول التي تتعرّض للاحتلال من قوة خارجية.

 

– تحرير معظم الأراضي اللبنانية من نير الاحتلال الصهيوني الذي دام لأكثر من (22) سنة.

 

– إنهاء مفاوضات «الأرض مقابل السلام»، أو ما يمكن تسميتها مفاوضات الاستسلام والإذعان، بين لبنان وسوريا من جهة، والعدو الصهيوني من جهة أخرى.

 

– تحرير الإرادة اللبنانية من الخضوع للضغط في المفاوضات مع العدو الصهيوني.

 

– تحرير سوريا من الضغوط الدولية في المفاوضات.

 

– التأسيس لمرحلة جديدة من التوازن الإقليمي بين حزب الله والعدو الصهيوني، كانت ترجمته في اجتياح العام 2006.

 

 

المصدر: الوفاق/ خاص