تنشر صحيفة الوفاق مقالات للكاتب اللبناني الأستاذ في التاريخ السياسي المعاصر الدكتور حسن محمد إبراهيم حول القوة المتصاعدة لحزب الله وخطرها على وجود الكيان الصهيوني:
الحلقة السادسة – قتال المشروع الأميركي المتمثّل بداعش
نشر قوة عسكرية خارج حدود لبنان
فشل العدوّ الصهيوني بعمليّاته العسكرية، لا سيّما في عدوان تموز 2006، في تدمير قوّة حزب الله البشرية والعسكرية، فضلًا عن سحقه، بحسب مقولات أحد زعماء الدول العربية، على الرغم من الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية.
هنا، بعد تولّي جورج بوش الابن سدّة الرئاسة (2001 – 2009)، عمل على خلق سياسة شرق أوسطية جديدة تقوم على إثارة الاضطرابات والاحتلالات المباشرة، ابتدأها من أفغانستان في العام 2001، ومن ثم احتلال العراق في العام 2003، وخلق فوضى عارمة تحدّث عنها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، في كتابه «الواجب»، وكذلك حديث وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إلى صحيفة «الواشنطن بوست»، في 9/4/2005، بأن الفوضى التي تفرزها عمليّة التحوّل الديمقراطي في البداية هي من نوع «الفوضى الخلّاقة» التي ربما تنتج في النهاية وضعًا أفضل ممّا تعيشه المنطقة حاليًّا.
زعزعت الولايات المتحدة الأميركية الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ابتداء من دول شمال أفريقيا، من تونس مرورًا بليبيا ومصر حتى سوريا، وصولًا إلى اليمن.
من جهة اخرى، بعد الانتصار الكبير الذي حقّقه حزب الله في العام 2006، ذهب لإعادة تنظيم هيكليّته، وإعادة التسليح، ولمزيد من بناء القدرات العسكرية، لا سيّما في مجالَي التدريب البشري والبنيان الصاروخي على اختلاف أنواعه، اللذَيْن يُعدّان قاعدة القوة العسكرية له.
استطاع حزب الله استيعاب عدد كبير من المقاتلين وتدريبهم، وهذا ما أعلنه السيد حسن نصر الله في أثناء تأبين المعاون الجهادي والمسؤول العسكري لحزب الله، الحاج عماد مغنية، في 14/2/2008، موجهًّا خطابه إلى العدوّ الصهيوني: «لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين المجهزين الحاضرين للشهادة»، ولخّص الحديث استمرارية تنامي القوة العسكرية.
لقد شهد العالم العربي ما أطلق عليه «الربيع العربي»، لكن على عكس التسمية، فقد أسّس للفوضى الخلّاقة، بانعدام الاستقرار في المنطقة كلّها، كما أسّس لتحشيد العالم لقتال سوريا، بعدما عجز الأميركيّون والکیان الصهیوني عن إخضاعها واستمالة الرئيس بشّار الأسد إلى جانبها وإخراجه من التحالف مع إيران ووقف دعم حزب الله، وترك القضية الفلسطينية.
أرادت الولايات المتحدة كسر سوريا وتضييق الخناق على إيران وضرب حزب الله من خلال إغلاق منفذ توريد السلاح إليه ثم القضاء عليه لاحقًا. لذلك بدأت الشرارة الأولى في لحظة الانقلابات الداخلية عبر التأييد الشعبي، فكان نصيب سوريا حاضرًا من حبك المؤامرة الدولية عليها.
عاش حزب الله مرحلة صعبة في اتخاذ الخيار، حاول جاهدًا الوصول إلى حلول وسطية ما بين الفئات الشعبية من جهة والدولة السورية من جهة أخرى، حتى حصل على ضمانات خاصّة من الرئيس السوري بمنح المزيد من العطاءات والحريّات وغيرها، على سبيل تحقيق بعض الشعارات المرفوعة، إلى أن بلغ مرحلة المعرفة اليقينيّة بأهداف الانقلاب، وما هو إلا انقلاب الجماعات التكفيرية بدعم خارجي، من خلال تشكيل قوّات عسكريّة ضخمة، هدفها ضرب الدولة ورئيسها بالتحديد، من أجل تنفيذ المآرب الصهيو-أميركية.
دخل حزب الله الحرب بداية لحفظ أمن واستقرار المناطق اللبنانية عند الحدود الشرقية مع سوريا، التي تعرّضت لكثير من الاعتداءات، ومن ثم دخل ميدانيًّا إلى جانب القوات العربية السورية في الدفاع عن دمشق وعن مؤسسات الدولة وعن الشعب السوري، من الجرائم التي ارتكبتها داعش والنصرة وأخواتهما.
وخاض حزب الله أشرس المعارك، على كلّ المستويات، العسكرية والإعلامية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتشكّلت جبهة معادية قوامها أقوى قوى الشرّ في العالم، على مختلف الصعد، فقدّم الشهداء والتضحيات الجسام، أبرزهم القائد الجهادي السيد مصطفى بدر الدين، في 13 أيار 2016. وتوجّه إلى الداخل اللبناني بشقَّيْه، المناصر والمناوئ، لإظهار الحقائق، على الرغم من مشاركة قوى لبنانية في تأجيج الصراع وإدارة المعارك ودعم الانقلابيّين.
كذلك توجّه حزب الله إلى العراق، بعدما استفحل خطر داعش وارتكابها عشرات المجازر، فكان المدرّب والمستشار العسكري والمنظّم لخلايا المقاومة العراقية التي توحّدت تحت راية «الحشد الشعبي»، إثر صدور فتوى الجهاد من المرجع السيد علي السيستاني.
في هذه الأثناء، كان لحزب الله قتال عنيف ضد داعش والنصرة، عند الحدود الشرقية للبنان، وآزر الجيش اللبناني في معركة تحرير الجرود، فكان الانتصار الكبير على الحركات التكفيرية المنتشرة في لبنان وسوريا والعراق، في النصف الثاني من العام 2017.
ومن المعارك العسكرية التي خاضها حزب الله، يمكن قراءة ما يلي:
– تأسيس عملي وميداني لقوى محور المقاومة، وتبلور مهامه في الدفاع المشترك.
– بلوغ مرحلة القوة العسكرية التي تقاتل خارج حدودها، وهذه ميزة دول قليلة.
– ربط التواصل الإداري والعسكري مع مختلف القطاعات العسكرية، سواء في لبنان أو خارجه.
– التحكّم والسيطرة من القيادة على مختلف مفاصل الوحدات القتالية رغم المساحة الجغرافيّة الواسعة والبعيدة.
– تفوّق حزب الله العسكري في مختلف القطاعات.
– استخدام قوة جويّة لم تكن حاضرة في الأعوام السابقة.
– دعم الدولة السورية والدفاع عنها في المعركة الكونية ضدّها، والنجاح في ذلك.
– كسر القوات التكفيرية رغم الدعم البشري والمالي والعسكري، ودعم الدول العظمى لها.
– تشكيل قوات دفاعية عن لبنان في مختلف الجبهات.
من هنا يمكن إطلاق مصطلح يعبّر عن هذه المرحلة بمرحلة «انتشار الوجود»، بما يفيد بالتوسّع الوجودي ضمن الجغرافيا البعيدة عن نقطة المركز، وقد بلغت أمكنة خارج الحدود اللبنانية، وهذا ما يقدّمها على أنها من القوى غير العادية، بما هو حال الأحزاب والتنظيمات المحليّة، إنما امتلك حزب الله قوة ما يعادل قوة إقليمية تستطيع القتال خارج نطاق سيطرتها ومكانها وبلدها وحيّزها الجغرافي، وصولًا إلى كيفية القتال في أراضٍ مكشوفة ومفتوحة، وأنماط مختلفة عن القتال الكلاسيكي للجيوش أو حتى تكتيك العمل المقاوم التقليدي، بل جمع ما بين النمَطَيْن، وتميّز بأسلوب الهجوم لتحرير الأراضي، وبدفاع شرس عن أماكن وجوده.