تَجمَعُ الثيمات الغرائبية والميثولوجية بعض نصوص الروايات المرشحة للجائزة، واستند بعضها الآخر إلى العودة بالزمن وتسليط الضوء على التاريخ وإسقاطه على الواقع.
أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية عن القائمة الطويلة للروايات المرشحة لنيلِ الجائزة بدورتها السادسة عشرة للعام 2023، والتي تضمنت 15 رواية صدرت خلال الفترة بين تموز/يوليو 2021 وَ30 حزيران/يونيو 2022. وتَجمَعُ الثيمات الغرائبية والميثولوجية بعض النصوص تسمها عوالم متخيلة، واستند بعضها الآخر إلى العودة بالزمن وتسليط الضوء على التاريخ وإسقاطه على الواقع. بينما تصدرت قضايا العنف والحرب والهجرة، سواء عبر التوثيق أو من خلال خلق عوالم تربطُ أحداثها بمآسٍ وأهوال شهدها العالم العربي. وقد ضمت القائمة الطويلة روايات من تسع دول عربية، وهي حسب ورودها في القائمة:
الصديق حاج أحمد وتجاوز ما نسيهُ المؤرخون
يتناول الروائي والأكاديمي الجزائري الصديق حاج أحمد من خلال روايته (مَنّا) (دار الدواية للنشر والتوزيع) عالم الصحراء، ويحرص كابنٍ وفيّ لبيئتهِ على نقلها بكل أحوالها وأهوالها، إذ تستعيد الرواية حادثة تاريخ الجفاف في مالي عام 1973 وما شهده ذلك العام من مأساة عاشها الطوارق وغيرهم من العرب. يحضر الجفاف كبطل يوجه أقدارهم، إذ كان الحدث الذي دفع الكاتب إلى إحياء ما تجاوزه المؤرخون، ليقدم من خلال (منّا) مغامرة محفوفة بالمخاطر، ويتناول حال الطوارق وغيرهم ممن اضطروا إلى الرحيل عن موطنهم نحو جنوب الجزائر، ومعاناتهم في الترحال والتنقل بين ليبيا وحتى جنوب لبنان، وما لقوه من أسرٍ وضنك انتهاءً بالعودة حيث وجدوا أنفسهم في حرب أخرى. تختتم الأحداث في شمال مالي بانتظار حلم العودة الموعود، لتجسد الرواية كارثة الهجرة والشتات، ودور السياسة في تحديد مسار الأفراد والجماعات.
عائشة إبراهيم وحبٌّ وُلدَ في غير مكانهِ
تتبع رواية صندوق الرمل (منشورات المتوسط) للكاتبة الليبية عائشة إبراهيم قصة صحافيّ إيطالي درس في ميلانو ووجد نفسه جندياً احتياطياً ضمن الحملة الإيطالية المتجهة إلى شواطئ ليبيا عام 1911. يبدو البطل بعيداً عن الحرب وميالاً إلى عالم الحب والموسيقى. تصدمه حرقة الصحارى، لكنه يطالع هناك حباً مع بائعة حليب ليبيّة. تأتي المعارك وتضعه أمام مفارقات عجيبة حين يقتل فصيله الإيطالي عائلة حبيبةٍ تُقادُ إلى أحد السجون الإيطالية. وهنا تستعرض الكاتبة مأساة النساء الليبيات في تلك السجون، ويحضر الصحافي ليستثير الرأي العام بحثاً عنها في مأساة تلقي بدمارها على الجميع؛ ضحايا وجلادين، بمن فيهم كل أولئك الجنود الذين أُجبروا تحت ضغط الفقر على أن يصبحوا قتلة.
مي التلمساني ورواية الاغتراب واللاهوية
الكل يقول أحبك (دار الشروق) عنوان رواية الكاتبة المصرية مي التلمساني، والذي يوحي بحكائية عاطفية، بيد أن الرواية تستعيد من خلاله عنوان فيلم لوودي آلان وتبني روايتها في مكان يبحث أبطاله عن لغة مشتركة وأحلامٍ وتهيؤات تبقيهم خارج دائرة الاتصال مع العالم. تجعل الكاتبة من شمال أميركا مسرحاً لحكايتها، حيث يشتبك سرب من عرب أميركيين وكنديين بين لاجئ وحديث العهد، وبين أجيال عاشت الحرب والمجازر وعبر مونولوجاتٍ تجعل منها حكاية عن الاغتراب واللاهوية. وتناقش قضايا الحب والانتماء الذي يأخذ شكل أحمال ثقيلة، ويفنّدُ أسباب البقاء والعيش عبر أصوات مهاجرين وأكاديميين ونساء عشن الحب من دون أن يقطفن ثماره.
قاسم توفيق و”ليلة واحدة هل تكفي”؟
يقدم الروائي الأردني قاسم توفيق عبر روايته “ليلة واحدة تكفي” (الآن ناشرون وموزعون) قصة نسجها من أحداث نكسة حزيران/يونيو 1967، وبين جدران مقهى يفتح أبوابه تحت نيران القصف وويلات الحرب، نطالع شخصيتين رئيستين سيطرتا على السرد، جاعلاً من لقائهما ضمن ظروف ملتبسة وغريبة مدخلاً للكشف عن عمر من الانكسارات والخيبات. تحكي الرواية عن ليلة استيقظ بعدها سكان عمّان على أصوات الخطر، وعلى فزع تحكم بمصير الآمنين فيها بعد أن فوجئوا بأعداد كبيرة من طائرات تغطي سماء المدينة. تلتقي وجدان الممرضة مع ذيب العامل في المقهى لتخلص حكايتهما إلى سؤال الكاتب: “هل من المعقول أن تقف أمة واحدة بكاملها على عتبة يوم واحد من تاريخها ولا تبارحه لأكثر من نصف قرن؟”.
أزهر جرجيس وحرمان الخبز والعاطفة والبلاد
تدور أحداث رواية “حجر السعادة” (دار الرافدين) للكاتب العراقي أزهر جرجيس في العراق، وتتناول حياة مصور فوتوغرافي مغمور تنقلب حياته رأساً على عقب، وتتعقب سيرته الذاتية كطفلٍ غرق في البؤس والعنف الجسدي والتفكك الأسري. وبأسلوب جرجيس التهكمي إزاء أحداث سوداءَ يستمر مسلسل هرس الكرامات تحت ناظري كمال الذي يحترف التصوير، ويحلم طوال حياته بالسلام، إذ نراه حاملاً كاميرته يجوب الأسواق والأزقة، كما لو أنه يؤرخ بعينهِ أحوال العاصمة والناس بكتابة ترصد أهم ما جرى في تلك الفترة من تاريخ العراق.
سوسن جميل حسن والاستبداد الجماعي
تنفَذُ رواية “اسمي زيزفون” (منشورات الربيع) للكاتبة السورية سوسن جميل حسن إلى أصل العنف والقوة، وتخترق تابوهاتٍ محرمة في فضاء مكاني يعود إلى قرية من قرى الساحل السوري؛ والتي تصوّر غربتها عن ذاتها ومأساة من عاش فيها من خلال قصة زيزفون التي تخضع في سن مبكرة لاختبار مزار مقدس يجسد هوة في جدار، ويقع على عاتقها عبور تلك الفتحة لتثبت للجميع عفتها. وتنفذ الكاتبة مجدداً إلى مأساة ظلم الأمكنة، وهجوم الحداثة غير المدروس على القرية، مع مساع دؤوبة لإجهاض أي محاولة للوعي أو التمرد فيها. يحضر اسم مجنون القرية سعيد، كمثال للحرية حين يفلت كلابه على شيخ القرية لإنقاذ زيزفون. هي قصة ترصد الاستبداد والقهر الذي يزرع في ضحاياه حاجة ماسة للبوح بعد الخلاص.
لينا هويان الحسن ورواية “السحر والخرافة”
تتناول رواية “حاكمة القلعتين” (دار الآداب) للكاتبة السورية لينا هويان الحسن حكاية فتاة تزور مع أمها أماكن متعددة وجهات أثرية شهدت قصصاً وأساطير خرافية. تقابل الفتاة هناك شخصيات أسطورية ونساء، يحدثنها بكبرياء عن قصصهن في الحب، وعن إصابتهن بالجنون الذي بذلنَهُ من أجل نزواته. ينفصل كل فصل عن الآخر في الرواية، وذلك أننا برفقة خاتون المغولية نرى الفتاة تزور الأماكن في مواقيت محددة من السنة تتبع حركة القمر وأشكاله. تحصّن نفسها بالتعويذات، لتنقشع أمامها عوالم من الفلسفة، وكهوف وسراديب مشبعة بالأساطير بمرويةٍ نُسجَت بأسلوب منحها الغرائبية، ووسمها بما لا يقتصر على التشويق فقط، بل تنتصر للفرادة غير المكررة.
ربيعة ريحان وتأريخ لسيرة العائلة
بعد إخلاص دام عقدين للقصة القصيرة تعود الكاتبة المغربية ربيعة ريحان إلى الرواية عبر رواية “بيتنا الكبير” (دار العين) إذ تستند إلى أحداث سياسية وتاريخية لعائلة بطلها الجد كبور وحفيدتهُ فريدة، وبما يشبه الحنين لاختزال الماضي وتوظيفهِ ضمن فضاء فريد من نوعه. فالجد الإقطاعي عاش مفتوناً بالخيل والصيد والنساء، وخلص إلى ستة وأربعين من الذكور وأربع من الإناث، إلا أن سيرته تكون أشد تأثيراً على البطلةِ الراويةِ والتي منحها ما عاناه من حيرة وخوف لكونها الأقرب إليه.
تبدو الرواية مثل بحث طولاني في تاريخ يبدأ مع البطل وينتهي بنهايته بعد حياة قضاها في مواجهة الاستعمار والانخراط في سلك المقاومة، لغاية استعادة زمنٍ مضى حيادياً من جانب، وأكثر اشتعالاً من جوانب كثيرة.
نجوى بن شتوان وتاريخ ليبيا الحديث
تتناول رواية “كونشيرتو قورينا إدواردو” (منشورات تكوين) للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان قصة توأمين نسمعها بصوت إحداهما، إذ تروي حكاية رحلة بدأت عام 1970 وترصد جزءاً من تاريخ ليبيا الاجتماعي بعد السبعينات وحتى وقتنا الحالي، وذلك أن الراويةَ تقص سيرة عائلة قست عليها الحياة بعد انقلاب نظام الحكم واعتماد نظام الاشتراكية الذي أودى بشقاء الكثيرين وقلب الموازين في البلاد، لتضطر العائلة إلى البدء من نقطة الصفر وتعيش تحت رحمة التقلبات السياسية وأهواء المجتمع القبلي.
ميرال الطحاوي ومقبرة الأحلام
من حياة ملؤها البؤس والشقاء، وعن معاناة المهاجرين في أرض الأحلام الموعودة تنطلق الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي في روايتها “أيام الشمس المشرقة” (دار العين) وتستعرض حياة أشخاص عاشوا في أميركا يستعيدون حكاياتهم في الوطن قبل الهجرة. هي قصص من الريف المصري ومن فضاءات تشبك المصائر بما يحيل إلى حكاية الآمال الخائبة. فالأحلام قد تتحول إلى كوابيس، والحياة التي تصورها المهاجرون في بلادهم الجديدة لم تكن كما تخيلوها، إذ تم استغلالهم في أعمال شاقة بسبب أوضاعهم غير الشرعية، ومن خلالهم نطل على بلدة جبلية تقع على الشاطئ الغربي للولايات المتحدة، بلدة مهجورة ضمت ضحايا وناجين هاربين من جحيم بلدانهم إلى ما يشبه مقبرة أحلام كبيرة.
فاطمة عبد الحميد وأفقٌ أعلى
تحتفي رواية “الأفق الأعلى” (منشورات ميسكلياني) للكاتبة السعودية فاطمة عبد الحميد بالتفاصيل الإنسانية اليومية، تلك التي تشكّل ملامحنا، إذ تحكي قصة سلمان الذي قضى مراهقته زوجاً مجبراً على الابتعاد عن الملعب والأقران في الحي. تلك الأزمة التي تجعلنا نعاين رجلاً بصورة طفل أمام زوجته، ويبدو غريباً على عمر الآباء، الأمر الذي يسبّب له اغتراباً متأزماً في جميع مراحل حياته. يتعرف على الحب في وقت متأخر، ويعاينه على هيئة ظل طيفٍ بعيد، في مشهد يتهكم بمرارة إزاء قدرات البشر المستحيلة على التحكم بمصائرهم.
أحمد عبد اللطيف وأربعة عصور لحياة واحدة
في روايته “عصور دانيال في مدينة الخيوط” (دار العين) للروائي المصري أحمد عبد اللطيف، يطل علينا بطل يحيا أربعة عصور، ولا قدرة لديه أو معرفة على تقدير الزمن. تحتفي الرواية بعالم غرائبي عجيب، وسردية تجريبية شبه كابوسية، ذلك أن الكاتب شيّد عالمه في مدينة للدمى وأحاطها بإطار فانتازيّ يراوح بينه وبين عالمه الواقعي في أجواء شبيهة بألف ليلة وليلة. من عالم متخيل يناقش بطل الرواية، كموظف في أرشيف سري لدولة بلا اسم، قضايا شائكة، وتشكل أربعة عصورٍ متخيلة حياته، من الطفولة وحتى اختفائه ما بعد زمن الأرشيف.
ناصر عراق وأول دار للآثار المصرية
في روايته “الأنتكخانة” (دار الشروق) يعود بنا الكاتب المصري ناصر عراق إلى عهد الخديوي إسماعيل، إلى قاهرة القرن التاسع عشر. وعبر أربع شخصيات نعاين مدرسة مصرية قديمة أنشئت بالتزامن مع افتتاح قناة السويس، ونطالع الطالب أحمد كمال وظيفة أمين مساعد لأول دار آثار مصرية. نطل على سرد ممتع وتسلسل زمني يربط الأحداث التاريخية في قصة تحتفي بأعظم كنوز الحضارة المصرية.
أحمد الفخراني ورحلة الذات المنهَكة
يقدم لنا الكاتب المصري أحمد الفخراني من خلال روايته “بار ليالينا” (دار الشروق) قصة نوح الرحمي وهو كومبارس حائر بين موهبته وفشلهِ. يعاين نوح ضياعاً وعجزاً عن معرفة ذاته، ربما لكثرة ميلانه أو اتخاذه شخصيات مغايرة لرغباته. يدخل “بار ليالينا” ويسعى إلى نيل إعجاب رواده، ولا نجد غرابة بينهم، ذلك أن الجميع يكافح، والكل يعاين فشلاً ذاتياً صارخاً. هي رواية شبيهة بقصة تجري على مسرح العبث، سخرية من جماعة تسعى لطرده وتتسلى بخداعه وتحوله إلى ساخط ومنتقم.
زهران القاسمي وحكاية القافر
يستحضر الكاتب العُمانيّ زهران القاسمي عبر روايته “تغريبة القافر” (دار رشم للتوزيع) عالم قرية عُمانية بعيدة عن ضوضاء المدن وصخبها. وتحكي قصة مقتفٍ للمياه، وهو سالم القافر، والذي تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية. ترتبط حياته بالماء، من ولادته من بطن أم غريقة حتى طمر والده. يمكننا أن نسمع صوت الماء في الحكاية وقدرته العجيبة على التحكم بالمصائر. إلى جانب سحريّ مزج الأسطورة بالواقع، إذ تستعيد قيام جن سليمان بحفر الصحاري والوديان حين مر النبي بأرض عُمان وطلب الماء. يميّز سالم بين مواضع المياه السطحية من تلك التي يملؤها الطمي، وتخلص حكايته إلى غربة الفرد عن جماعته وحصاره بقوانينها.
غنوة فضة
كاتبة وروائية من سوريا